الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

هل أنت آتٍ؟

جورج موسى
جورج موسى
A+ A-

"بابا نويل". قبل عامين، وفي هذه الزاوية تحديداً، توجهتُ إليك برسالة من القلب أطلب منك خلالها أن تأتي إليّ... لكنك لم تأت. طيلة 730 يوماً بقيتُ منتظراً، لكنك لم تقترب حتى من منزلنا. كل هذه الفترة، كنت أضع لك أعذاراً. أبرر إهمالك لي بكونك منشغلاً بالآف الرسائل التي يبعثها إليك الملايين حول العالم. في بعض الأوقات، كنت أجزم أنك لم تأخذ ما كتبتُه على محمل الجدّ. فكيف لك أن تصدق بأن رجلاً بطوله وعرضه، ما زال عالقاً في عالمه الطفولي، وما زالت تنطوي عليه تلك الخدعة التي تقول إنك فعلاً موجود في بقعة ما على هذه الأرض، وإنك لست ماكراً تستغل طيبة الصغار، لتجعلهم ينتظرونك حتى تأتي اللحظة التي تنجلي أمامهم الحقيقة... فيتمرّسون حينها في تعلّم نفاق الكبار؟!


* * *


عزيزي "بابا نويل"، هل تعتقد أنني أبله؟ ربما، لكنني هذه السنة أيضاً قررت أن أوجّه إليك رسالة ثانية، علّ قلبك يحنّ عليّ هذه المرة فتأتي. نحن أكثر من أي وقت مضى في حاجة إلى حلم. نحتاج كثيراً إلى منح ثقتنا للحياة، وإلى أن نؤمن بأنها ما زالت قادرة على إعطائنا الهدايا... ومن دون مقابل أحياناً. أعرف أنك لن تأتي، ومع ذلك انتظرك. انتظر لأنني أحتاج إلى عيش لحظة انتظار. أحياناً، يكون الفعل أهم من النتيجة. علاقة الحب قد تكون أكثر أهمية من الحبيب نفسه. كذلك بالنسبة إلى الحلم، قد يكون عيشه أكثر متعة من تحقيقه. وها أنا أختار الانتظار، لأضيف معنى للسنوات التي يبتلعها زمننا الضائع.
* * *


يا أيها العجوز ذات الضحكة المستفزَة... كيف يمكنك أن تبقى مبتسماً طيلة الوقت، فيما نحن نسرق اللحظات لنفرح قليلاً، لنتوهّم أننا فرحون؟ كيف يمكنك أن تبقى حاضراً في ذاكرة الناس، فيما الناس عندنا يخشون الذاكرة، وينبشون لأنفسهم ذكريات لم يعيشوها؟ ثم من أين تستمد طاقتك لتصنع الدهشة دائماً، فيما نحن نغرق بملل رهيب؟ أتعلم، أحياناً أكرهك. أنتَ تأتي ليوم واحد في السنة، تقوم الدنيا ولا تقعد لساعاتٍ من أجل، فيما نحن نبقى قابعين في الجحيم بقية الأيام الأخرى!
* * *


"بابا نويل"، تخبرنا الحكاية أنك مقرّب من طفل المغارة. حسناً، قلْ ليسوع أننا ننتظر قدومه هذه السنة بلهفة لا توصف. نحتاج إليه أكثر منك. نلتمس منه أن يحيي ما تبقى فينا من روح، أن ينتشلنا من المقبرة الجماعية حيث نعيش. نعم، حياتنا الراهنة كناية عن مقبرة. بعضنا دفن فيها أحبابه، بعضنا الآخر ودّع روحه ليعيش كالجثة المتحرّكة. فيما الفاجعة أن الغالبية منّا دفنت إنسانيتها، وكشّرت عن أنيابها، لتختار العيش كالوحوش. قل ليسوع أن يعجّل في القدوم. إن لم يكن من أجلنا، فكرمى للأطفال. وقبل أن تطفىء مدفأتك وتبدأ رحلتك المكوكية، توجه مجدداً إلى يسوع. قل له إن بعض الحيوانات أدفأته يوم اختار أن يولد في مزود، فيما في شرقنا الكئيب، وفي أيامنا اليوم، ثمة أطفال يموتون، يتجمّدون من البرد.
* * *


ربي وإلهي، "سانتا" لن يأتي... فهل تترأف بنا، وتولد في قلوبنا الليلة قبل أيِّ مكان آخر؟


[email protected]
Twitter: @moussa_georges

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم