الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

بريد السماء الافتراضي يحاور الشاعر الروسي بوريس باسترناك: المصانع لإنتاج المشانق

المصدر: "النهار"
أسعد الجبوري
Bookmark
بريد السماء الافتراضي يحاور الشاعر الروسي بوريس باسترناك: المصانع لإنتاج المشانق
بريد السماء الافتراضي يحاور الشاعر الروسي بوريس باسترناك: المصانع لإنتاج المشانق
A+ A-
كان الشاعر الروسي بوريس باسترناك (10 شباط 1890 - 30 أيار 1960) خائفاً من إجراء هذا الحوار معه. فعلى مدار أسبوع من التردد، وافق أخيراً على ذلك شرط أن يتم اللقاء معه في صحراء نيفادا. إلا أننا، بعدما بددنا مخاوفه، وافق على إجرائه في كازينو "السلاحف البحرية"، الكائن على الخط الفاصل ما بين الجنة والنار.كنا مدركين أن الشاعر باسترناك كان مضطرباً بفعل فاعل، إلا أننا لم نتصور أن يكون الزعيم الشيوعي جوزف ستالين هو الشخص الذي يفجر ذلك الخوف في قلب الشاعر. ما إن أطل علينا الشاعرُ ممتطياً حيوان التوستي، وخلفهُ فرقةٌ من الكشافة، حتى تنفسنا الصعداء، متأكدين ولو بنسبة قليلة من أن قلق الشاعر ولى، ولم يعد له وزنٌ في تلك اللحظات من لقائنا معه. فسألناه:دخلنا مغارةَ ذلك الكازينو الشبيهة بفيلم محترق، متخذين كرسيين في زاوية قصية شبه معتمة، إلا أن الشاعر سرعان ما أحس بضيق يضغط على صدره، فاستأذن وخرج من المغارة لالتقاط بعض حبّات من الأوكسيجين، ثمّ عاد أدراجه وقال مستعجلاً: تمنيت أن يتم هذا الحوار في موسكو الآن. سألناه:* ألا تزال موسكو هي المكان الأعظم في حياتكَ يا بوريس؟- هي معي الآن في الآخرة. لا يمكنني الانفكاك عنها حتى بالموت.* جغرافياً وحسب؟- لا أبداً. لقد مزجتُ تراب موسكو بدمي، لنكون القطب الواحد معاً.* لماذا هذا التوحد بالمدينة؟- موسكو لم تكن مدينة. هي فصلٌ موسيقي بمختلف السلالم الأدبية والإيديولوجية والفنية والاجتماعية. إنها تلك المدينة التي كلما كنتَ على احتكاك وفير بها، منحتكَ الراحة حتى لو كنت على كرسي الإعدام.* هل كنت قريباً من ذلك الكرسي في يوم من الأيام؟- أجل. فالثورة البلشفية سرعان فتحت الكثير من المصانع لإنتاج المشانق. كان السيد ستالين يفضل استعمال حبال المشانق على الرمي بالرصاص. ربما لأن المعدومين، كانوا يوفرون له ثمن البارود وفوارغ الطلقات. * لكنك لم تعارض فصد الدم العشوائي. انغمرتَ بالثورة وتبنيتَ شعاراتها، وكتبتَ القصائد الطويلة المؤيدة للنهج الذي فرض سيطرته على روسيا!- بالطبع كنت متحمساً للبلاشفة لكن من دون مشانق.* قلتَ لي إن موسكو معك في الآخرة. ولكن أي قسم من الآخرة، الجنة أم النار؟- في القسم الخاص بالمترفين.* تقصد قسم البورجوازيين والرأسماليين؟!- لا أعني هؤلاء. بل لأن الرب منح طبقة البروليتاريا حقها الاشتراكي في الفراديس تعويضاً عن الحياة الرثة على الأرض. فليس من هو أكثر عدلاً من الله.* لكن الشيوعية كفرٌ وإلحاد. أليس كذلك؟- كان ذلك تنظيراً أرضياً لا قيمة له هنا. علماء العمائم المذهبية، أغلقوا كلّ أبواب المغفرة ونوافذ الغفران،لاعتقادهم أن الفراديس مقاطعات طابو بأسمائهم فقط، وأن الربّ من نسلهم وحدهم. * كان والدك يهودياً وتحوّل إلى الكنيسة الأرثوذكسية. إلامَ تعزو ذلك؟- ربما لأنه أراد أن يكون خارج القفص الحديدي، وهكذا فعل وأصبح رساماً بارعاً في حركة الفن التشكيلي الروسي.* هل تأثرتَ بالمسيحية شعرياً؟- إلى حد ما. فلا يمكن التخلص من الأديان خلال عمرك، حتى لو تقدمتَ بالسن إلى مئة سنة.* أبفعل ثقلها على الكائنات البشرية، تقصد؟- أجل. الدين مثله مثل جبل. قد يستطيع المرء بقوة ديناميتية ما تدميره، فيما يستعصي عليك الدين تغييره أو التخلص منه ونفض اليد منه.* من خلال تجربتك الشعرية في روسيا، هل تعتقد بأن الدين كان نوعاً من أنواع الحروب التي رأيتها بأم العين بعد ثورة البلاشفة عام 1917؟- كثيراً ما يسقط الشعري المتذبذب في حضن الديني المرجعي، سواء بشكل مباشر أو من طريق ما يُسمى بالتصوف الروحي الوجداني....
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم