الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

2013: سوريا بين مطرقة النظام وسندان الجهاديين وسلامها رهن بجنيف النووي

A+ A-

أعاد الاتفاق الكيميائي الرئيس بشار الاسد الى قلب المعادلة السياسية. صار صعبا تخيل تسوية للنزاع السوري من دونه بعدما كان العالم يعد الاشهر والاسابيع والايام المتبقية للاسد في السلطة عام 2012، صار السؤال الكبير عام 2013، هل يترشح الاسد للرئاسة سنة 2014؟


سقطت في سوريا عام 2013 كل الخطوط الحمر. مع أعنف الاسلحة التقليدية والاسلحة الكيميائية المحظرة دوليا، وبين اقتتال مذهبي وحرب بالوكالة بين ايران ودول الخليج، وفي ظل كارثة انسانية والدمار الهائل، تجاوزت دينامية النزاع السوري كل ديناميات الحروب المعاصرة. تخطى النزاع بتداعياته دول الجوار وغير الجوار، الحرب اللبنانية في السبعينات والثمانينات. لم تعد تصح مقاربته مع حرب البلقان في التسعينات، بعدما تجاهله العالم. ووقت تتكثف الجهود لعقد مؤتمر "جنيف 2" للسلام، صار مشروعا التساؤل: هل لا يزال السلام في سوريا ممكنا بعد كل ما حصل؟


بعد أكثر من سنتين ونصف سنة، ومع أكثر من 120 الف قتيل وملايين النازحين واللاجئين وخراب ودمار بالمليارات، لا حل في الافق بعد. لا أحد قادراً على حسم المعركة عسكريا، ولا فريق مستعداً لتقديم تنازلات للتوصل الى اتفاق سياسي بين نظام اكتسب زخما بمساعدة حلفاء نافذين مدّوه بالدعم العسكري وشكلوا سدا سياسيا منيعا أمام معاقبته، ومعارضة سياسية مشتتة أنهكتها الخلافات الداخلية والتجاذبات الخارجية، اخترقت ساحة الثوار فصائل مسلحة بأسماء وبرامج غريبة عن الثورة عززت الخطاب المستهلك للنظام عن محاربته الارهاب في سوريا.
كان 2013 عام تصدير الازمة السورية بامتياز. تسللت المأساة أبعد بكثير من حدود سوريا. صار نحو مليوني سوري، بحسب الارقام الرسمية، لاجئين خارج بلادهم. 515 الفا في الاردن و716 في لبنان و460 الفا في تركيا و168 الفا في العراق وآلاف آخرين في دول العالم، ناهيك عن عشرات وحتى مئات حاولوا الهرب بعيدا من عذاباتهم فالتهمتهم البحار وأمواجها. حركة التهجير هذه هددت بزعزعة الاستقرار في تركيا والاردن وفاقمت التوترات السنية - الشيعية في لبنان الهش والعراق الذي شهد سنة دموية بامتياز، وزادت احتمالات اندلاع حرب سنية - شيعية من الخليج الى المتوسط.


القصير



على مدى الاشهر الـ12 الاخيرة، استمر الكر والفر بين الجهتين المتقاتلين بعدما نجح الثوار في تغيير المعادلة على الارض أواخر 2012، بسيطرتهم على شمال البلاد وأرياف المدن الكبيرة، بما فيها حلب وحمص، ودقوا ابواب العاصمة دمشق، ألقى حلفاء النظام بثقلهم خلفه طوال 2013 ووفر له "حزب الله" قوة ضاربة، ولم يتردد النظام الشيعي الحاكم في العراق في تسهيل وصول العتاد والرجال اليه من ايران. وانضوى شبان عراقيون لم يشفوا بعد من جور النظام البعثي لصدام حسين، تحت لواء "أبي فضل العباس" وهبوا لمساعدة النظام. أما روسيا فأثبتت مجددا أنها تخوض بالنظام السوري معركة استعادة دورها قوة عظمى في مواجهة أميركا.
شكل سقوط القصير بمشاركة كثيفة من "حزب الله" في حزيران الماضي، بداية تحول في زخم النزاع. فمع ان القوات السورية استعادت القصير مدينة أشباح، اكتسب سقوطها أهمية نظرا الى موقعها الاستراتيجي للنظام و"حزب الله" على السواء.


السلاح الكيميائي



متسلحاً بالنصر في القصير،رفع الاسد سقف التحدي في آب، ضاربا عرض الحائط بكل الخطوط الحمر التي رسمها له العالم. على مدى أشهر، بدا كأنه يختبر مدى جدية تهديدات الرئيس الاميركي باراك اوباما و"خطه الاحمر". واستنادا الى الخبراء الذين عاينوا مواقع هجمات كيميائية محتملة، استخدمت القوات السورية مرارا الاسلحة الكيميائية بكميات صغيرة كافية لقتل العشرات، الا أنها أقل من أن تثير عاصفة دولية ضدها. غير أن الهجوم على الغوطة الشرقية بضواحي دمشق، كاد يودي به. صور الاطفال جثثا بلا روح صعقت العالم وحولت النزاع للمرة الاولى من حرب أهلية ذات تبعات اقليمية الى أزمة دولية كبرى.
خلال ايام تحول حوض المتوسط قاعدة للبوارج الاميركية التي بدت كأنها تنتظر ساعة الصفر. ضاقت الصحف ووسائل الاعلام الغربية بالخطط العسكرية للضربة "الجراحية" المزمعة ضد مواقع محددة، قبل أن تهدأ العاصفة "الاعلامية" وتعود البوارج الى قواعدها من دون ان تطلق طلقة واحدة.
مرة جديدة لعبت عوامل عدة لمصلحة النظام. تردد الادارة الاميركية في خوض حرب جديدة في المنطقة ورفض مجلس العموم البريطاني الضربة، اضافة الى ما كشف لاحقا عن مفاوضات سرية تجرى بين واشنطن وطهران وكانت الضربة لسوريا كفيلة بتقويضها، عوامل تضافرت معاً لانقاذ الاسد من الضربات الغربية وتجنيب المنطقة تداعياتها. وإذ لم يكن مؤكدا أن الهجوم كما كان مرسوما، سيقوض نظام الاسد، فان المخرج الروسي بتفكيك ترسانته الكيميائية لم ينقذه فحسب، وإنما أعاده لاعبا أساسيا في اية تسوية لسوريا.
في ايجاز للتطورات السورية العام الماضي، يقول الباحث في معهد "كارنيغي الشرق الاوسط" يزيد الصايغ لـ"النهار" إن 2013 شهد بعض التغيرات التي لم تبلغ درجة التحول الكامل. ففي رأيه أن الاتفاق الكيميائي "شكل انقاذاً" للنظام، لا لان الاخير كان على وشك السقوط، وإنما لان الاتفاق ساهم في بدء تحويل وجهة الصراع السياسي، وجعل النظام شريكا أساسيا في عملية نزع السلاح". ويضيف الى ذلك زيادة نفوذ الاسلاميين الذي عزز خطاب النظام لناحية محاربته الارهابيين. الامران معا تضافرا بحسب الصايغ لتحسين وضع النظام من دون أن يمكناه من الحسم على الارض.


نزعة التطرف



فعلاً، رافق رص النظام صفوفه تشرذم في صفوف الجبهة المقابلة وزيادة التطرف في صفوفها، اضافة الى استمرار عجز المعارضة السياسية عن فرض نفسها قوة بديلة من النظام.
وكان النصف الثاني من 2012 شهد زيادة في نزعة التطرف في صفوف المعارضة السورية المسلحة، وخصوصاً في شمال البلاد وشرقها. وخلال فترة الصيف الماضي، سجل حجم تلك الشبكات المتطرفة تضخّماً كبيراً. فاستنادا الى الاستخبارات الفرنسية، "شكل صمود نظام كان متوقعا سقوطه سريعا ثم الهجمات الكيميائية التي شنّتها القوات الموالية لبشّار الأسد بمثابة جرعة هواء للجهاديين، سواءً في فرنسا أو في البلدان الأخرى". وإذ تقول إنه "لم يسبق لنا أن شهدنا مثل ذلك (عدد الجهاديين) حتى في حرب أفغانستان"، يقدر خبراء أنه لم يسبق لـتنظيم"القاعدة" أن سيطر على منطقة حضرية وذات كثافة سكانية بحجم تلك التي يبسط فيها نفوذه في سوريا. لم يحصل ذلك في ملاذاته السابقة، لا في أفغانستان ولا في باكستان ولا في الصومال.
وهكذا، صارت الثورة السورية عام 2013 هدفا لنارين، نار النظام ونار الجماعات المتطرفة التي تشوه الثورة وتلحق بها ضررا لا يقل عن صواريخ النظام وبراميله. أما "الجيش السوري الحر" الذي تبلور في البداية كقوة علمانية انعكست خصوصاً في تركيبته فقد تشرذم تدريجاً إلى فصائل إسلامية متناحرة. وبعد تشكيل "جيش الإسلام"، ولاحقا "الجبهة الاسلامية" ووجود ألوية وكتائب ضخمة، معظمها يحمل هوية اسلامية، خسرت هذه الهيئة كثيرا من هيبتها، ومعها خسر الائتلاف الوطني مزيدا من القوة على الارض.
وهنا أيضا، نجح النظام في استغلال ارتباك خصومه، وشن حملة دعائية شرسة لتسويق نفسه "أهون الشرين". ولعل ماكينة الدعاية السورية نجحت خصوصا عندما لعبت على مخاوف الاقليات من المد الاصولي في سوريا والمنطقة. هذا ولم تكن تجاوزات "داعش" و"جبهة النصرة" وأخواتهما بالقليلة في اي حال، ولم يسلم منها مسيحي ولا مسلم ولا كردي حاول التمرد على "شريعتهم".


إلى أين؟



بين ناري النظام من جهة والجهاديين من جهة أخرى، الى أين تتجه سوريا ؟ وهل لا يزال السلام ممكنا في بلد سالت بين شعبه كل هذه الدماء؟
على رغم أهمية اتفاق تفكيك الترسانة الكيميائية السورية لجهة تجنيبه المنطقة حربا كانت تبدو وشيكة، الا أنه عمليا أدى الى تعزيز موقع النظام، وأكسبه شرعية في عملية تتطلب تعاونا كاملا منه. ومع المكاسب التي حققها أخيرا الى الارض، لا شيء سيضطر حلفاءه الروس تحديدا على الضغط عليه لتقديم تنازلات قبل مؤتمر"جنيف 2" المقرر مبدئيا في كانون الثاني.
وفي المقابل، ومع تراجع حظوظ بناء معارضة معتدلة قوية في سوريا تفاوض النظام، ليس الائتلاف الوطني في موقع قوة للتفاوض، ولن يكون مستعدا لتقديم تنازلات تضعف أكثر قوته التمثيلية. إزاء هذا الواقع، لا تبدو حظوظ "جنيف 2" اذا عقد، كبيرة. ولا شك في أن الراعيتين الدوليتين للمؤتمر، واشنطن وموسكو، تدركان هذا الواقع جيدا. لذلك، بدأ الاميركيون أخيرا محاولات للانفتاح على "الجبهة الاسلامية" ذات البرنامج الملتبس، فيما تبدو موسكو كمن ينتظر اعلان واشنطن فشلها في المساعي لدى المعارضة، للتحرك مجددا.
وسط هذه الصورة القاتمة، ثمة مفارقة لافتة تكمن في أن تنامي نفوذ الفصائل المتطرفة قد يكون بذاته حافزا قويا لايجاد حل للنزاع السوري، نظرا الى أن تزايد خطر هؤلاء يمثل هاجسا مشتركا للروس وايران والغرب على السواء، وهو ما قد يدفع الفريقين الدوليين المنخرطين في النزاع الى العمل معا على اتفاق.
ختاماً، لا يمكن التنقيب عن مصادر امل للنزاع السوري من دون التكهن بنتيجة المحادثات النووية بين ايران ومجموعة 5+1 وانعكاسات التوصل الى اتفاق شامل أو انهيار التسوية، على سوريا. فمع ان المحادثات السداسية محصورة بالبرنامج النووي الايراني ولا تشمل أدوار ايران في المنطقة وهواجس أخرى، لا شك في أن نتائجها ستكون لها تداعيات كبيرة على سوريا.
ويقول يزيد الصايغ: "تشمل 2014 محطات محورية للنزاع السوري، موعد الانتخابات الرئاسية، فهل يترشح الاسد للرئاسة، وهل يدعمه الروس في ذلك أم ينصحونه بالتروي؟ من ثم هناك محادثات 5+1. اذا توصلوا الى اتفاق سيكون له تأثير كبير في سوريا ولبنان. سيحصل تنفيس للاحتقان وتراجع لحدة العنف". الا انه يلفت الى أن "المؤشرات للنصف الاول من السنة توحي بزيادة العنف. سيسبق الاتفاق النهائي، إذا حصل، مرحلة تصعيد. هناك جهات ستقاوم أية حلحلة، وهذا سينعكس في لبنان وسوريا".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم