السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

كلُّ شيءٍ بخير...

عبدالله الجعيد
كلُّ شيءٍ بخير...
كلُّ شيءٍ بخير...
A+ A-

كلُّ شيءٍ بخير. ساعةُ الحائط تعملُ بانتظامها المعهود. النورُ ليس يعاندُ زرّه الطبيعيّ. الشراشفُ، والوسائدُ،

والماكيناتُ الثابتةُ كلّها، تعمل بانتظامٍ.. كلُّ شيءٍ بخير.

أرفعُ السمّاعة بعد اتّصالٍ صباحيٍّ أوّل

ــ أهلًا.. نعم، كلّ شيءٍ بخير.

جهازُ التحكّم عن بُعد لم يغيّر تعاطيه مع التلفاز، المذيعون هُم أنفسهم لم يظهروا بغير العادةِ، الأغاني والكلام المكرّر،

والسياسة، والسّاسةُ. الهويّةُ الوطنيّةُ والنشيدُ الوطنيّ. نعم، كلهم بخير.

يُطرقُ بابُ البيت، كالعادةِ، موظّف شركة الكهرباء يطلب بدل استهلاكٍ كبيرٍ، ويقول: إنّ الأمور جميعُها تسيرُ بخير.

أغلقُ البابَ، الصّوتُ المعهودُ دائمًا، القفلُ الأوّل والثاني. الخوفُ المتكرّر نفسهُ. والخوفُ أيضًا، بخَير.

لقد مضى حتى الآن نصفُ ما في هذا اليوم من وَقت. أصبحنا وأصبح الملكُ للتّعَب. وأمسينا بعد وقتنا اللاهث،

فأمسى الملكُ للمَوت. أمّا الاتصالُ الأخير قبل ذاكَ النوم، فإنّه كالعادةِ يردّد: كلّ شيءٍ بخير.

الكذبُ سيّد السؤال الاعتباطيّ: كيف تجري الأمورُ؟ والكذبُ سيّد الجواب التلقائيّ: كلُّ الأمور بخير.

أتّجهُ صوبَ السرير، أنزع عن وجهه الكلامَ، لا أستلقي قصدًا، لا أحافظ على توازني، أنا بينَ بَين.

فالأمور على ما يبدو ما تزال بخير.

الفونوغراف، وأزيز صوتِ الأسطوانةِ. الصّدى والصّوت. صَوتُ بيتِ الجيران، خلافٌ على علاقةٍ حميمةٍ، ولكِنْ،

الأمورُ تسيرُ غصبًا على خَير. الزّوجةُ تُسمعُنا أنينَها، والزّوجُ في جوابه على كيفيّة سريانِ الحياة داخل بيته، يقولُ لأمّه:

الأمور طبعًا بخير!

لقد مرّ زمنٌ طويلٌ على استعمالي السرير. أنامُ من فرطِ كلمةِ "بخير" أينما كان، أينما تجيءُ عادةُ النّعس السريّة.

أستيقظُ منهكًا، لا من غفوَتي جالسًا على الكرسيّ، بل من شدّة ما استحال بي التعب إلى نَوم.

مَن الطارق؟

ــ أحدهم يقول: ساعي البريد. ألستَ الأستاذ...

لا أدعه يُكمل.. إنّي أنتظرُ شيئًا ما، رغم أنّي لم أنسَ خوفي، ولكن، أعياني انتظاري، وأنساني السؤال الاعتباطي المتكرر أيضًا: من الطارق!

ــ تفضّل، وقِّع على استلامك لو سمحت.

أوقّع، أنظر إلى خلفيّة الظرف، إنّه بريدٌ من الدّولة. مطلوبٌ للتحقيق.

الضابطُ يسأل، وأقولُ بخير.

ــ كيف تصنّفُ النظامَ وعجلته؟

أقول: بخَير.

لغطٌ في الأسماء. ولغطٌ في الأشكال. إن السبب لاستدعائي هو اسمُ أبي المطابق حرفيًا لاسم أحدٍ من الجُناة.

أُسأَل: ماذا كان في الأمر؟

وأقول: لَغطٌ لا أكثر. إنّ الأمور جميعها تسيرُ على خَير.

في طريقِ العودةِ، أدركُ أنّي نَسيتُ مفتاح البيت. لا بُدّ في المخفر. والخوف سيدّ الموقف، لا لكوني مذنبًا؛ بل لكوني مواطنًا.

وجوابي كان أنّني بخير. وهذا فعلًا ما كان يستدعي القلق!

الكذبُ هُنا، الاعتباطيّ نفسه، أدانَني ثمّ برّأَني. لكنّني في آخر المطاف، أستعيد مفتاحي، وأعودُ أدراجي، أتّجه صوب السرير مجددًا. أبقى بينَ بين، لا مستلقيًا، ولا واقفًا. إنّ جسدي على غرار المرّات السابقة، لم يكن بخَير.

لقد كُسرَ بفعلِ لغطٍ في الإسم، لكن الضابط في نهاية الأمر، ابتسمَ لي ثمّ اعتذر، جلبَ لي القهوةَ، أجلَسَني وقال:

لا عليك... كلّ شيءٍ بإذنه سيكونُ بخير.

هل كان يقصدُ بإذن الإلهَ، أم كان يقصد بإذن الرئيس؟ّ لم أسأل... فإنّي أظنُّ طبعًا أن الأمور جميعها ستسير على خير.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم