الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"مجتمع" كورنيش رأس بيروت وتحولاتُه

المصدر: ترجمة نسرين ناضر
سمير خلف
Bookmark
A+ A-
خصّ البروفسور سمير خلف "قضايا النهار" بهذا النص الذي ترجمته عن الإنكليزية نسرين ناضر:قائمة الفظائع التي ارتُكِبت على مدى سبعة عشر عاماً (1975-1992) من الأعمال الحربية المتواصلة في لبنان أُشبِعت تدويناً وتمحيصاً حد الغثيان. وأيُّ توثيقٍ إضافي لها هو مجرّد خوضٍ موجِع في ما هو واضحٌ وبديهي. لقد ولّدت الحرب مذبحةً لا تنتهي فصولاً بحق ضحايا أبرياء، ومعاناة إنسانية لا حدود لها، وخراباً ودماراً. ولعل الأثر الأعمق كان إعادة رسم الجغرافيا الاجتماعية في البلاد. لقد أحدثت التنقّلات والانسلاخات السكّانية الواسعة، بتأجيجٍ من العداوة المستفحِلة والانتقام الجماعي، تشوّهاتٍ في الترتيبات المكانية، وعزّزت مزاجاً سائداً تُغذّيه جغرافيا الخوف.لهذه التشوّهات المكانية سِماتٌ حادّة. لقد انحسرت المتّحدات المختلطة وذات المكوّنات المتنوّعة. وتسببت اللامركزية بتقويضِ أوّليةِ بيروت وسيطرتها في موقع المركز المتروبوليتاني. أنماطُ استخدام الأراضي في حالةٍ من التشوّش التام. لقد أحدث غياب السلطات الحكومية والبلدية فوضى عارمة في قرارات تقسيم الأراضي، وشكّل تهديداً للمناظر والمَواطِن الطبيعية وجزء كبير من التراث الأركيولوجي والمعماري في البلاد. وأدّت العداوة ومشاعر الخوف المتفشّية إلى ترسيخ الحواجز النفسية والمسافات بين المتّحدات.وما يصدم بالدرجة نفسها أيضاً هو الطريقة التي فرضت بها مساحات الحرب وإيقاعها منطقها الشديد الضراوة على مدركات الحيّز المكاني واستعمالاته. لقد أصبحت الفوارق التقليدية بين المساحتَين العامة والخاصة، بين الريفي والمديني، بين المحلي والعالمي، وبين المعاني والاستعمالات الرمزية للمنزل والشارع والباحة والزقاق والحي، مشوَّشة أو تبدّلت تماماً. على سبيل المثال، تكتسب مدنٌ وضواحٍ مترامية الأطراف طابعاً ريفياً، مع توافُد موجات متتالية من المجموعات المخلّعة الأوصال، والغريبة عن حياة المدينة، إليها للإقامة في مستوطنات تحتلها في وسط المدينة وأطرافها. في المقابل، فيما تبحث مجموعات مقتلَعة من جذورها عن ملاذ وتصبح مثبَّتة مكانياً في مناطق جبلية متراصّة، يتداعى الطابع الريفي والقروي لهذه المناطق تحت تأثير الأشكال التعسّفية من استغلال الأراضي. في الحالتَين، المَوطن الطبيعي هو الضحية. في الاقتتال الداخلي، عندما اكتسبت المعارك طابع "حروب إقطاعية"، غالباً ما تشظّت المربّعات والأماكن إلى جيوب أصغر وأكثر تراصّاً. وتقلّصت أكثر فأكثر الحيّزات المكانية التي كان الأشخاص يتنقّلون ضمن نطاقها. لم تؤدِّ الحرب إلى تدمير المساحات المشتركة، وترسيخ الميول لإنشاء جيوب حصرية ومعزولة فحسب، بل ولّدت أيضاً مزاجاً من الفتور واللامبالاة يصل أحياناً إلى حدود فقدانٍ جماعي للذاكرة. على غرار ضحايا آخرين للمعاناة الجماعية، أصبح اللبنانيون، على نحوٍ متزايد، فاقدين للإحساس ومتقاعسين عن الانخراط. حتى في الفترات التي ساد فيها الاستقرار والنظام بصورة نسبية، لم تكن المجموعات في لبنان مدرِكة، على وجه الخصوص، لدورها في الحياة العامة لناحية تنظيم، أو أقلّه الحد من بعض الإساءات التي تطاول مساحة العيش. ففي العموم، غالباً ما يغضّون النظر عن مشكلات التخطيط وتقسيم المناطق التي تُشكّل انتهاكاً مباشراً لحقوقهم الفردية، ويُحيلونها إلى الآخرين، وتبرز هذه الطريقة في التعاطي أكثر منه في القضايا العامة الأخرى. فعلى رغم أن المساحة العامة تتحوّل بصورة متزايدة مساحةً متنازعاً عليها، يبقى المواطن العادي، حتى يومنا هذا، غافلاً وغير مدرك بأنه من شأن إبداء اهتمام مستنير أو وعيٍ مستحَثّ أن يُحدث فارقاً. المسألة المطروحة هنا هي الآتية: مَن هي المجموعات والوكالات الأكثر كفاءةً التي تستطيع أن تتحرّك وتتكلم...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم