الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

سفينة الهذيان

أحمد الحجام
سفينة الهذيان
سفينة الهذيان
A+ A-

على أعتابها يلتقطون الأنفاس

بعدما هاجمتهم فيالق الزمن

وضلّت بهم السبل

لا مأوى لهم سواها

مهاجرون... تجار وقراصنة

جنباً إلى جنب

ملائكة وشياطين

تجمعهم سفينة واحدة

حانة "الكارفيل" *

سيّان...

إن سمّوها "الطائرة"

أو إن كانت هي السفينة الأسرع

إلى بحر الهذيان

لكنّ الرحلة على متنها غاية الباحثين

عن مرافئ المستحيل

قيل إن "ماجلاّن" قد عرّج عليها

في الطريق إلى أرخبيل الموت

رأوه يهرول نحو بابها

كما يهرول الإعصار إلى حتفه

رأوه - والعهدة على القائلين -

يعتمر بقايا غيمة بلا ريشة تزيّنها

كساحر يرفل في معطفه الوثير

وقد أومأت على صدره

نياشين الهزيمة

يهش على الساقي الأفّاق وكتائب المفلسين

بنصف مجداف وقبضة من الأعطاب

ويناغي سرب البغايا

بين شفتيه تشب ابتسامات

بأسنان ذهبية

وآخرون قد رأوه

تارة يقبع في "قصر" الضباب

وأخرى متنكراً خلف أسوار المدينة

على هيئة التجار

يقايض البارود المغشوش بالزيتون والزعفران

مع المضاربين في أسواق الخيانة

وآخرون رأوه... وآخرون...

بلا انتهاء تطفو الحكايا

من جوف الليل الهادر

كالفقاعات من أفواه السمك

لكن من منهم يتذكر...

أحمد الذي كان

يجلس كل مساء على المشرب

يكرع الكؤوس المترعات

وعيناه على البحر

يحوك من عهن الليل أشرعة

للزوارق الجامحة في صدور الخلّان

كلما غرف من الكأس

جفت في عروقه الينابيع

واتسع الفراغ

كلما نثر الغيوم من لفافاته

عصف الليل بالسعلات

وطارت فراشات الوسن

من منهم يستطيع الآن

أن يستنطق الزجاجات

على رفوف النسيان

لا محالة سوف تخبره

بما تبقى في جوفها

من صدى موج بعيد

أطلقته ذات يوم مفعم بالآلام

حناجر الملاحين

ستخبره كيف كان

الشعر صنوّ الخمر

على طاولات الثرثرات

كلاهما كان اشتعالاً

كلاهما كان حفراً في الأغوار

سيعرف أن الراوي الذي مازال

يهيم عشقاً بأشعار "الدرويش"

أبداً لم تدهشه الخطوط العملاقة *

على سفوح "الأنديز"

مثلما أدهشته النقوش الكنعانية

على "الجداريات"

كلما احمرّ النبيذ على وجنتيه

صدح بالغناء

كما لم يصدح طائر على كرمة الأبدية

كلما انهمرت نجوم اللوعة من جفنيه

تحطمت البوصلة والأسطرلاب

واهتز الفونوغراف بالحسرات

"احذر البحر والسفر"

فالسفينة أضحت... محض

سراب

سراب

سراب.


* الكارافيل: سفينة شراعية برتغالية استخدمت في القرن الخامس عشر إبان الاكتشافات الجغرافية الكبرى، كانت مشهورة بسرعتها الفائقة، وأطلق الاسم أيضاً على طائرة فرنسية لنقل الركاب انطلقت رحلاتها الأولى ابتداء من سنة 1955.

* هي المعروفة بـ "خطوط نازكا" التي تقع على سفوح جبال الأنديز جنوب بيرو، وتجسد أشكالًا (جيوغليف) لحيوانات وحشرات هائلة الحجم منقوشة على الصخر تُرى على علو شاهق.

إلى روح الصديق أحمد بنكيران

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم