الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

لماذا لم تخرج قمّة سوتشي بنتائج ملموسة حول سوريا؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

عن المقايضة الموعودة

توازياً، استضافت تركيا يوم الاثنين الماضي وزير الدفاع الروسيّ سيرغي شويغو الذي التقى بنظيره التركيّ خلوصي أكار. شدّد الوزيران على الحاجة لاستكمال التعاون العسكريّ والاستخباري بين البلدين من أجل ضمان الاستقرار في إدلب على الرغم من "الاستفزازات" الصادرة من داخل المحافظة. وأشار بيان تركيّ إلى أنّ الوزيرين "تبادلا وجهات النظر بشأن الإجراءات لضمان الأمن في منطقة خفض التصعيد"، وإلى أنّ هنالك "تفاهماً متبادلاً" حول تخطّي تركيا مخاوفها الأمنيّة بسبب المقاتلين الأكراد. بشكل تلقائيّ، يترافق طرح مصير إدلب الأمنيّ على طاولة البحث مع طرح تركيّ مقابل يبحث مصير مناطق شمال شرق سوريا بعد خروج الأميركيّين. لكنّ هذه المقايضة لم تتمّ وما خرجت به قمّة سوتشي لم يحمل أيّ جديد.

في الواقع، لم يُؤسَّس هذا الاجتماع بطريقة واضحة. فقد أعلن وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف في كانون الثاني الماضي عن عقد المؤتمر الثاني عشر من أستانا أواسط الشهر الحاليّ، لكنّ نائبه سيرغي فيرشينين قال في الثامن من شباط إنّ المؤتمر سيعقب سوتشي وسيُعقد في آذار المقبل من أجل تطبيق نتائج القمّة الأخيرة. وأكّد لافروف ذلك أيضاً. لكن ثمّة تساؤل عن نوع هذه النتائج التي يمكن تنفيذها لاحقاً.

واشنطن محور التصريحات

بعد الاجتماع، قال بوتين إنّ الدول الثلاث تعتبر أنّ سحب ألفي جنديّ أميركيّ من سوريا يشكّل "خطوة إيجابيّة". وأوضح أنّ المحادثات تناولت هذا القرار وتأثيره على شمال شرق البلاد والتطوّر المستقبليّ للأوضاع هناك. كذلك، عاود بوتين التشديد على أنّ منطقة خفض التصعيد في إدلب ذات طابع موقّت وأنّ العمليّات العدائيّة للمقاتلين يجب ألّا تمرّ من دون عقاب، لافتاً النظر أيضاً إلى اتفاق الرؤساء على تشكيل اللجنة الدستورية. من جهته، قال الرئيس الإيرانيّ حسن روحاني إنّ المباحثات كانت "إيجابيّة ومنفتحة جدّاً" مشيراً أنّه "يجب تطهير إدلب من الإرهابيّين" لكنّ "أمن الدول المجاورة لسوريا ينبغي ضمانه أيضاً".

بذلك، أبدى الرئيس الإيرانيّ نوعاً من الاستعداد أيضاً للتفاوض مع تركيا حول مصير إدلب مقابل أخذ مصالحها الأمنيّة في شمال شرق سوريا بالاعتبار. في الوقت نفسه، انتقد روحاني الأميركيّين، مشيراً إلى أنّ معلومات إيران تظهر أنّ واشنطن تنوي استمرار التدخّل في سوريا. يمكن تلمّس بعض أسباب خروج قمّة سوتشي بلا أيّ نتائج عمليّة في ما قاله إردوغان قبل انطلاق القمّة، حين ذكر أنّ الضبابية لا تزال تخيّم على انسحاب القوّات الأميركيّة من سوريا.


تمهّل أميركيّ واضح

ليس مصادفة أن تتمحور تصريحات المسؤولين الثلاثة حول القرار الأميركيّ المرتقب. فمن دون هذا الانسحاب، سيؤجّل البحث بمصير إدلب وشمال شرق سوريا أو على الأقلّ ستتأخّر مفاعيل أيّ اتّفاق محتمل بين هذه الدول حول هذا الملفّ. يوم الاثنين، قال قائد القيادة العسكريّة المركزيّة الأميركيّة الجنرال جوزف فوتيل إنّه من المحتمل أن يبدأ سحب القوّات الأميركيّة من سوريا خلال أسابيع، وأعرب عن اعتقاده بأنّ واشنطن "على المسار الصحيح".

مع مرور الوقت، تحوّل ما بدا قراراً بالانسحاب "السريع" من سوريا إلى قرار ب "إبطاء ذكي" لهذا الانسحاب الذي لم يُنفّذ بعد مضيّ حوالي شهرين على اتّخاذ ترامب قراره. لا شكّ في أنّ التمهّل الأميركيّ يزداد غموضاً بشكل تدريجيّ، مع عطفه على كلام فوتيل الذي أضاف: "توقيت الانسحاب على وجه الدقّة يتوقّف على الوضع الميدانيّ في سوريا".

ولا يزال الأكراد يقاتلون داعش في آخر كيلومتر مربّع ينتشر فيه مقاتلو التنظيم شرق البلاد. في هذا السياق، من المتوقّع ألّا يستعجل الجيش الأميركيّ الانسحاب من سوريا، بمجرّد السيطرة على تلك البقعة الصغيرة، أي ليس قبل التأكّد من أنّ فلولاً أخرى لداعش لن تظهر في بقع أخرى. وكان الجيش الأميركيّ قد تعرّض لهجمات قاسية من التنظيم خلال الشهر الماضي الأمر الذي أعاد رفع التساؤلات حول مدى نجاح العمليّات العسكريّة ضدّه في سوريا.

يضاف إلى ذلك استمرار واشنطن بمدّ قوّات سوريا الديموقراطيّة "قسد" بمؤازرة جوّيّة كبيرة: فخلال الفترة الواقعة بين 27 كانون الثاني و 9 شباط فقط، شنّت قوّات التحالف 179 غارة على مراكز لداعش. بالتالي، إذا استمرّ الأميركيّون في بناء توقيت انسحابهم على المستجدّات الميدانيّة فقد تنتظر دول مسار أستانا لفترة غير قصيرة حتى تتمكّن من تنفيذ أجندتها في البلاد – وذلك في حال توصّلت إلى اتّفاق مشترك.


الوقت الضائع

يدرك إردوغان أنّه من دون الاتّفاق مع الأميركيّين حول المنطقة الآمنة سيصعب عليه تحقيق هدفه حتى مع إبقاء محادثاته قائمة مع الروس. وأحد مظاهر هذا الخيار، اللقاء الذي جمع أكار بوزير الدفاع الأميركي الموقت باتريك شاناهان على هامش قمّة وزراء الدفاع في حلف شمال الأطلسيّ الأربعاء في بروكسل. لكن تبقى معرفة مدى استعداد إردوغان الذهاب بعيداً في إبقاء التواصل مع الأميركيّين حول الوضع في شمال سوريا، طالما أنّ هؤلاء متردّدون بالموافقة على المنطقة الآمنة ومتلكّئون في تنفيذ قرار الانسحاب من سوريا.

من هنا، إنّ مشكلة إردوغان أو مشكلة قمّة سوتشي بشكل عام، هي أنّها عُقدت في وقت ضائع متزامن مع الغموض الأميركيّ في سوريا. لكنّ الالتباس يصبح أكثر تعقيداً مع إظهار واشنطن أنّ انسحابها المحتمل من البلاد لا يعني حتماً انسحاباً من مشاكل المنطقة، ولعلّ قمّة فرصوفيا خير دليل على ذلك. إذا كان المجتمعون أمس في سوتشي قد تحدّثوا كثيراً عن الوجود الأميركيّ في سوريا، فإنّ التحرّك الأميركيّ في فرصوفيا لم يكن هو الآخر غائباً عن تصريحات الرئيس روحاني الذي قال من سوتشي: "نحن نرى ما يحصل في وارسو، إنّه نتيجة فارغة، لا شيء".

إنّ استحواذ القرارات الأميركيّة على التصريحات في سوتشي قد يكون أبرز الأسباب التوضيحيّة لعدم خروج المجتمعين من القمّة باتّفاق كان متوقّعاً. بذلك، لا تزال واشنطن تبرهن أنّها في موقع الفعل داخل سوريا، بالرغم من الضبابيّة المحيطة ببعض مواقفها في هذا الإطار.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم