محطات من تاريخ لبنان "أحد صانعي الحضارة" وشعبه المكافح
من أيلول 1920 حتى نيسان 2005 دوّنت في سجل تاريخ لبنان محطات لا تنسى ولها من الأثر الكبير في حياته السياسية. هذا البلد الصغير بحجمه والمميز في موقعه الجغرافي تخطى الانتداب والحروب بمختلف اشكالها. صحيح أن ولادة "لبنان الكبير" كانت عام 1920 الا ان ثلاثة أرباع قرن مرّت على استقلال لبنان. زمن ليس بقصيرٍ. زمن عرف مراراتٍ ونكساتٍ، وعرف نجاحاتٍ وإنجازاتٍ. زمن يلخّص ربّما، تاريخ البلد ومساره مذ كان وطناً قديماً، أحد صانعي الحضارة، ووطناً حديثاً في لغة الاستقلال. وبعد إنهاء اتفاق "الطائف" للحرب اللبنانية، كافح اللبنانيون، فهم لا يعرفون الاستكانة، ولا الخضوع فكان التحرير عام 2000 وانهيار الاحتلال الاسرائيلي في غضون اثنتين وعشرين ساعة الذي لم يكن متوقعاً بهذه السرعة بعدما استمر نحو اثنين وعشرين عاماً وقبل 14 سنة، في 26 نيسان 2005، كانت وسائل إعلام العالم كلها تشارك الصحافة اللبنانية، عند نقطة المصنع الحدودية، في تغطية ذاك اليوم المشهود بانسحاب #الجيش_السوري من لبنان، بعد نحو 3 عقود من دخوله البلد الصغير، بتغطية عربية وإقليمية ودولية.
إعلان لبنان الكبير 1920
"في 1 ايلول 1920، شهد "قصر الصنوبر"، إعلان ولادة دولة لبنان الكبير. في باحة هذا القصر، وأمام قناطر مدخله، وقف الجنرال غورو، وسط البطريرك الياس الحويك ومفتي بيروت الشيخ مصطفى نجا، وأعلن في خطاب طويل قيام "لبنان الكبير" أمام أعيان البلاد. مع ذلك التاريخ بدأت فترة حكم فرنسا للبنان التي نتجت من الحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبراطورية العثمانية واتفاقية سايكس – بيكو التي أيّدتها لاحقًا قرارات عصبة الأمم التي صدرت عام 1920 والتي أجازت نظام الانتداب للمناطق العثمانية المتفككة بحجة المساعدة في إنشاء مؤسسات للدول الجديدة.
وفي ذلك الزمن، كانت متصرفية جبل لبنان مقاطعة عثمانية مستقلة عن بقية الولايات. فضم الفرنسيون عدداً من المدن الساحلية، جبل عامل، وسهل البقاع والسهول الشمالية لتتوسع المتصرفية وتصبح ما أطلق عليه الجنرال غورو دولة لبنان الكبير. وتمثل علم الدولة في دمج علم فرنسا مع الأرزة في الوسط. وفي 23 تموز 1923 أقر مجلس الممثلين الدستور وأعلن قيام الجمهورية اللبنانية.
استقلال 1943
في بداية الحرب العالمية الثانية وبعد أن سيطرت فرنسا على المراكز الحساسة تقدّمت الحكومة اللبنانية سنة 1943 إلى المفوضية الفرنسية مطالبة بتعديل الدستور بما ينسجم مع الأوضاع. وكان هذا الطلب بدعم من البريطانيين الذين حكموا فلسطين والأردن والعراق. وفي 21 أيلول من السنة نفسها فاز بشارة الخوري بالانتخابات وأصبح رئيساً للجمهورية وألف حكومته مع رياض الصلح الذي أعلن أسماء أعضاء أوّل "حكومة دستورية مستقلة" بعد يومين من انتخاب رئيس الجمهورية. أعدّ مجلس الوزراء تعديلات بموجب المادة 76 من الدستور التي تنصّ على الاستقلال الاشتراعي للبنان، وأحالها على مجلس النواب لحذف المواد الدستورية التي تتعارض مع الاستقلال التام. اعتبر ذلك تحدياً سافراً للمفوض السامي جان هيللو الذي أمر بتعليق الدستور وحلّ مجلس النواب، وعيّن إميل إده رئيساً للحكومة الجديدة.
أرسل هيللو ضباطاً إلى الرئيس بشارة الخوري فاعتقلوه مع رئيس وزرائه وبعض الوزراء والزعماء الوطنيين مثل عادل عسيران، كميل شمعون، عبد الحميد كرامي وسليم تقلا وحجزوهم في قلعة راشيا. أقفلت المتاجر أبوابها وانطلقت تظاهرات شعبية في بيروت للدفاع عن الاستقلال، وحاول الجنود السنغاليون تفريقها فسقط قتلى وجرحى.
عندها قام وزير الدفاع الوطني آنذاك الأمير مجيد أرسلان ورئيس مجلس النواب صبري حمادة والوزير حبيب أبو شهلا باجتماع مصغر في بشامون وألفوا حكومة موقتة عرفت بحكومة بشامون. عمّت التظاهرات والاحتجاجات الشعبية السفارات الأجنبية دعماً لاستقلال لبنان. وضغطت بريطانيا لاطلاق الرئيسين الخوري والصلح والوزراء المعتقلين ولوّحت بالتدخل العسكري، وأيدتها الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي وبلاد عربية. قررت قيادة لجنة التحرير الوطني الفرنسية إطلاق المعتقلين وأعادتهم الى مناصبهم. احتفل اللبنانيون بالنصر فرقصوا وغنوا وعقدوا سهرات النار في الشوارع ليل الأحد، وفي صباح الاثنين، توافدت الحشود الى ساحة البرج، وهي تلوّح بالعلم اللبناني الجديد بلونيه الأحمر والأبيض والأرزة الخضراء التي تتوسطه... وهكذا صار 22 تشرين الثاني من كلّ سنة، عيد استقلال لبنان. وبعد ذلك دعم لبنان نفسه بمشاركته بتأسيس هيئة الأمم المتحدة سنة 1945 وجامعة الدول العربية سنة 1947.
الحرب اللبنانية 1975
استمرت الحرب الأهلية من عام 1975 إلى عام 1990، وأسفرت عن مقتل ما يقدر بـ 120 ألف شخص. في عام 2012، كان ما يقرب من 000 76 شخص لا يزالون مشردين داخل البلاد، ونزوح لما يقرب من مليون شخص. قبل الحرب كانت الحكومة اللبنانية تدار تحت تأثير كبير من النخب المسيحية المارونية.
ومع ذلك، كان لدى البلد عدد كبير من السكان المسلمين، كما أن العديد من جماعات عموم العرب واليسارية قد عارضوا الحكومة الموالية للغرب. وقد ساهم إنشاء دولة إسرائيل ونزوح مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان خلال عامي 1948 و 1967 في تغيير التوازن الديموغرافي لصالح السكان المسلمين. كذلك كان للحرب الباردة تأثير غير تكاملي قوي على لبنان، الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بحالة الاستقطاب التي سبقت الأزمة السياسية في عام 1958، منذ أن انحاز الماروني إلى جانب الغرب، في حين انحازت المجموعات اليسارية والعربية إلى جانب الدول العربية المنحازة إلى الاتحاد السوفياتي. وقد بدأ القتال بين الموارنة والقوات الفلسطينية ومعظمهم من "منظمة التحرير الفلسطينية" في عام 1975، ثم شكلت الجماعات اليسارية والعربية والإسلامية اللبنانية تحالفاً مع الفلسطينيين. خلال فترة القتال، تحولت التحالفات بسرعة وبشكل لا يمكن التنبؤ به. وعلاوة على ذلك، شاركت قوىخ ارجية، مثل إسرائيل وسوريا، في الحرب وحاربت جنباً إلى جنب مع فصائل مختلفة.
اتفاق الطائف 1989
شكل اتفاق "الطائف" بداية النهاية للحرب الأهلية، وهو الاسم الذي تعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني التي وضعت بين الأطراف المتقاتلين، وذلك بوساطة سعودية في 30 ايلول 1989 في مدينة الطائف وأقرّ بقانون بتاريخ 22 تشرين الأول 1989 وصدّق عليه البرلمان اللبناني في 5 تشرين الثاني من العام نفسه، منهياً الحرب بعد أكثر من خمسة عشر عاماً على اندلاعها.
جرت المفاوضات في مدينة الطائف التي استضافت اثنين وستين نائباً لبنانياً من أصل ثلاثة وسبعين حيث تغيب ثلاثة منهم لأسباب سياسية وهم: ريمون إده وألبير مخيبر وأميل روحانا صقر، أما النواب الخمسة المتغيبون فكان تغيبهم لأسباب غير سياسية.
وفي آذار 1991، سنّ البرلمان قانونا للعفو عن جميع الجرائم السياسية قبل سنة، وفي ايار 1991، حلت الميليشيات، في حين بدأت القوات المسلحة اللبنانية في إعادة البناء ببطء باعتبارها المؤسسة الوحيدة الرئيسية غير الطائفية في لبنان.
التحرير 2000
بدأ شريط التحرير بتاريخ 21 ايار من العام 2000 باكراً، في ظل غياب أي موقف أو تصريح من مسؤولي العدو الإسرائيلي السياسيين أوالعسكريين يعلن عن بدء الاندحار الذي تسارعت وتيرته، في وقت أعلنت كتيبتان تابعتان لميليشيا "جيش لبنان الجنوبي" في القطاع الأوسط استسلامهما، وتداعى الأهالي، خصوصاً أبناء القرى المحتلة، من شتى المناطق استعداداً للاجتياح البشري االذي تدعمه مجموعات من "حزب الله"، لتحرير قراهم وبلداتهم بعد تهجير قسري عنها دام سنوات طويلة، ولم تفلح قوات الاحتلال التي شنت سلسلة من الاعتداءات البرية والجوية والبحرية، في منع مسيرة العودة للمواطنين. الجموع البشرية تحركت من بلدة الغندورية باتجاه بلدة القنطرة المحررة، ووصلت إليها مسيرة ضمت نحو مئتي شخص، في وقت كان جيش لبنان الجنوبي قد انسحب من مواقعها المتاخمة للبلدة. فكان ذلك مدخلاً لعودة الأهالي إلى البلدات الأخرى كالطيبة وديرسريان وعلمان وعدشيت. وهكذا استمر زحف الجنوبيين على مدى ثلاثة ايام من قرية الى أخرى التي سقطت جميعها من يد الاسرائيليين والعملاء في مشهد درامي كما وصفه مراسل التلفزيون الاسرائيلي.
وكانت اسرائيل قد احتلت جنوب لبنان عام 1978، وفي العام 1982 شنّت هجوماً واسعاً وصلت فيه إلى بيروت حيث لقيت مقاومة شعبية عنيفة مما دفعها للانسحاب من العاصمة. ازدياد أعمال المقاومة الوطنية اللبنانية على إسرائيل، وظهور "حزب الله" عام 1984 على الساحة اللبنانية وبدء العمليات العسكرية وخوض المعارك الضارية مع العدو أنتج تحرير العام 2000.
الانسحاب السوري 2005
دخل الجيش السوري لبنان في العام 1976 بذريعة طرد الجيش الإسرائيلي وتطييع الوجود الفلسطيني. فسيطر على أغلب المآرب السياسية وعلى نظام الحكم، وكان يتدخل في كل التفاصيل ولا يمرّ أي قرار دون موافقته. وشهد لبنان في مرحلة الهيمنة السورية قمعاً للحريات وإرهاباً واعتقالاً للصحافيين المعارضين وتعذيبهم وتوجيه تهم مختلفة لهم وتعكير الأمن وإقفال المحطات التلفزيونية المعارضة، وكان العديد من الوجوه السياسية الأمنية داعمة لهذا الوجود. هذا الاعتداء السوري على السيادة اللبنانية، فجّره اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005 واتهام فريق من اللبنانيين بوقوف الجانب السوري وراء هذه الجريمة ومطالبته بالخروج الفوري من البلاد، ليتحقق هذا المطلب بعد الضغوط الخارجية والانتفاضة التي اجتاحت البلاد واطلق عليها اسم "ثورة الأرز"، حيث خرج الجيش السوري من لبنان مرغماً في 26 نيسان 2005. وبذلك وبعد وجود دام لمدى 29 عاماً انتهت القبضة العسكرية التي حكم بها النظام السوري لبنان.