الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

برلين ٦٩ - "حكاية ثلاث شقيقات" لأمين ألبر: ذات شتاء في الأناضول

المصدر: "النهار"
برلين ٦٩ - "حكاية ثلاث شقيقات" لأمين ألبر: ذات شتاء في الأناضول
برلين ٦٩ - "حكاية ثلاث شقيقات" لأمين ألبر: ذات شتاء في الأناضول
A+ A-

لا مبالغة في القول ان "حكاية الشقيقات الثلاث" لأمين ألبر (مسابقة) احدى اللقيات السينمائية للدورة التاسعة والستين من مهرجان برلين السينمائي (٧ - ١٧ الجاري). هذا ثالث فيلم روائي طويل يحققه المخرج التركي البالغ من العمر ٤٤ عاماً، الذي أدهشنا في عمليه السابقين، "خلف التل" (٢٠١٢ - نال عنه جائزة أول فيلم في برلين)، و"فرنزي" (٢٠١٥). معلومة على الهامش: أمين ألبر قرر ان يصبح سينمائياً بعد مشاهدته "زمن الغجر" لأمير كوستوريتسا.

”حكاية الشقيقات الثلاث" ليس فيلماً تدخله وتنتهي "حكايتك" معه عند الخروج من الصالة! انه انزال حقيقي في عمق العلاقات الآدمية والحكايات التي تتسم بالقسوة والضغينة والاحباط والمرض والموت. انه ترجمة بصرية لمقولة سارتر "الجحيم هي الآخرون". هذه الدراما التشيكوفية من النوع الذي يعرف الأتراك كيف يروونه ويحرصون على "تتريكه". من يلماز غونيه إلى نوري بيلغي جيلان، تجدهم يمسحون وجه بلادهم.

من منطقة الأناضول وجبالها الكلوستروفوبية والطرق المتعرجة التي تفضي إلى سهول وغابات، يأخذ الفيلم مسرحاً له. تلك الأماكن التي سبق ان أوحت لصحافية فرنسية الجملة الآتية: تخيلوا ان يضرب سرجيو ليوني موعداً مع نوري بيلغي جيلان في جبال الأناضول الصخرية. فهي كتبت هذا الكلام في معرض الحديث عن "خلف التل"، الا انه يمكن كتابة الكلام نفسه في حق "حكاية الشقيقات الثلاث". مسرح الأحداث لم يتغير، اذ يبدو من الآن انه الشغل الشاغل للمخرج الذي استطاع ان يؤطر بيئة حقيقية ويشد الانظار اليها. في النهاية، الأناضول مسقطه والأرض التي يجد فيها حكاياته.

لكن، لا شيء، لا شيء البتة، يحصل في جبال الأناضول لولا سكّانها. وعددهم، أقلّه أولئك الذين سنهتمّ بقصصهم، يُحصى على أصابع اليدين. ثلاث شقيقات تتراوح أعمارهن بين الـ ١٣ والـ٢٠، هن محور الحكاية التي تعطي الفيلم عنوانه. هناك ريحان ونورهان وهافا. ثلاثتهن يعشن مع والدهن، وهو رجل متسلط ولكن غير شرير. كلّ واحدة من البنات الثلاث جرّبت حظّها في المدينة، عملن خادمات عند سيد يُدعى نجاتي. ريحان عادت حاملاً، فزوّجها والدها إلى راعي غنم شاب اسمه فسل. فسل هذا قضية الفيلم الأولى. مشكلته انه لم يعد يتحمّل الظلم والعوز والأمية والتهميش الذي يعيشه في بلدته. ففي أحد الأيام يطلب من السيد نجاتي الذي يتملّقه الجميع ان يدبّر له وظيفة. مطلبه هذا يأخذ شكل ثورة، أو تمرد، أو لنقل عصياناً - كي لا نكبّر الحجر كثيراً. من تلك اللحظة فصعوداً، ستفتح أمامه أبواب جهنّم. هو لا يريد شيئاً سوى عمل يعتاش منه؛ سئم ان يعمل راعياً.

في "بعد التل"، كان الأعداء يأتون من خلف التل. لا نراهم. لا يسمّيهم الفيلم باسمائهم، ويتكتم على هويتهم الحقيقية (أكراد) فيؤجج البارانويا داخل الشخصيات الخائفة الحائرة. هنا العدو في داخل كلّ واحد، وفي داخل الآخرين كذلك. أما الخوف فمصدره أقرب الناس. ألبر ينجز فيلماً أكثر راديكالية من كلّ ما سبق، محافظاً على ما يشكّل جمال سينماه: الاستعارة. ويحافظ كذلك على شيء من الغموض في عدم الشرح والتبرير (عيب من عيوب السينما الحالية). ولكن للفيلم صولات وجولات مع الواقع السياسي التركي، عبر الغمز والايحاء الجميلين. ولا بد لمتابع الشأن التركي ان يلتقط الاشارات بلا أي مشكلة. فقامة السيد نجاتي على سبيل المثل لا بد من ان تذكّرنا بحاكم من طينة أردوغان، وخصوصاً في محاولته الأبوية المستمرة. عندما يُطرد فسل من قعدة خاصة لشرب العرق في الطبيعة، بعد تمرده على واقعه المعيشي، يبدي السيد نجاتي تعاطفاً شديداً معه، لكن تطور الأحداث سيثبت نفاقه.

أفراد المجتمع الميكروسكوبي الذي يصوّره ألبر محكمون بتكرار التجارب الأليمة وغير المجدية إلى ما لا نهاية، من دون ان يتعلّموا من أخطائهم شيئاً. هل ينقصهم الوعي؟ هل هي البيئة؟ أيا يكن، فالجغرافيا ليست براء في نهاية المطاف. هي تحشرهم في "كمين" مكاني وتسحقهم. لا أفق، اذ تحجبها لا فقط الجغرافيا بل واقع الحال. وعندما تباركهم السماء بالثلوج، يصبح المكان أشبه بسجن في الهواء الطلق.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم