السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

تاريخ المنقوشة اللبنانية.... هل أخذها الإيطاليون وحوّلوها إلى بيتزا؟

محمود فقيه
محمود فقيه mahmoudfaqih
تاريخ المنقوشة اللبنانية.... هل أخذها الإيطاليون وحوّلوها إلى بيتزا؟
تاريخ المنقوشة اللبنانية.... هل أخذها الإيطاليون وحوّلوها إلى بيتزا؟
A+ A-

تُعدُّ صناعة الخبز أول صناعة بشرية في التاريخ. صنع الإنسان خبزه من عرق جبينه بعدما طرد  الله آدم من الفردوس حسبما ورد في العهد القديم. ويشير باحثو التاريخ أن صناعة الخبز انطلق مع بداية فجر الزراعة وأن صناعته سبقت بالتالي صناعة النبيذ وزيت الزيتون.

كما ورد في كتاب "عن الغذاء والطبخ: علوم ومعارف المطبخ" أن تاريخ صناعة الخبز يعود إلى 8000 سنة قبل الميلاد. حينها كان الإنسان يخلط الحبوب بالماء ويترك أقراصها في الشمس كي تجف. ولكن الفراعنة طوروا هذه الصناعة حين صنعوا الأفران واستخدموا حجر الرحى لطحن الحبوب، وكان للخبز رمزية مقدسة لديهم  لكون القمح  مزروعاً في أرض مصر والملح من بحرها والماء من نيلها. وكانوا أول من أضاف الخميرة للعجين بعدما اكتشفوها من الأعشاب البرية. ودفنوا الخبز مع موتاهم ظناً منهم بأنهم يوفرون  له بذلك الزاد في رحلته الأبدية. وردت كلمة الخبز في مختلف الكتب السماوية وفي سيرة الرسل والأنبياء والقديسين كإشارة على ارتباطه الوثيق بالحضارة البشرية والحياة الانسانية، ودليل على أن بداية هذه الصناعة حلّت في الشرق بين بلاد الشام وارض الكنانة ومن ثم شبه الجزيرة العربية. 

لم تقتصر صناعة الخبز على القمح، بل شهدت حبوباً أخرى، وما زالت هذه الصناعة تشهد تطوراً في هذا المجال حتى الساعة. ومع الزمن حاول الإنسان تحسين رغيفه وإضافة النكهات إليه، ولعل هذا الأمر ساهم في اكتشاف المنقوشة. 

المنقوشة عميدة الفطور اللبناني

من إسمها تتخيل بأن لوحة أثرية ستوافيك الآن على السفرة. عجينة دائرية نقشها خابزها بأصابعه كي لا تتحول إلى رغيف خبز. في القرى اللبنانية، ما إن تستقبلك رائحة الحطب حتى تباغتك روائح الزعتر والسمسم المحمص. منقوشة الزعتر  هي وليدة مخاض جلسة صباحية لنساء الضيعة حول الصاج، تتمدد المنقوشة بجسدها على "الطارة" تحاول ملامسة جوانبها وكأنها تنام على وسادة، لتأخذ حمام شمس فوق الصاج الملتهب. 

إن أول مكون للمنقوشة كان الصعتر، إذا استثنينا السكر والملح والسمن. خليط هذه العشبة مع زيت الزيتون يضفي عليها طعماً مميزاً إضافة الى القرمشة. تطورت المنقوشة مع الحالة الاجتماعية للأسرة. فأم الفقراء "منقوشة الصعتر"، ومن يملك شاة أو بقرة كان بإمكانه أن يأكل منقوشة الجبن. ومن يملك حقلاً لزرع القمح وبقرة للحليب واللبن سهلت عليه صناعة الكشك.

تطورت صناعة المعجنات مع التطور الذي طرأ على صناعة الخبز وظهور المخبز الآلي، هذا التطور يراه البعض اثّر على المنقوشة بشكل سلبي وهو رأي الخبير في المطبخ الفرنسي الشيف كريم بيبي في حديث للنهار. 

تنجذب شهية الشيف هذه الأيام إلى منقوشة فيها الجبن وعشبة "البقلة"، لكنه كغيّره لا يتخلى عن فكرة أن منقوشة الصعتر هي الأصل. يرى كريم أن التخلي عن عملية الرق اليدوي لصالح الآلة أفقد المنقوشة بعض خصائصها مستشهداً بالإيطاليين الذي لا يزالون يرقون عجينة البيتزا على أيديهم. 

الغش بات سهلاً في هذه الصناعة. وهناك حيّل كثيرة للهروب من استخدام بعض المكونات الغالية مثل استخدام بعض الزيوت التي تساعد في إذابة الجبنة أكثر وتعطيها مذاقاً جيداً، ولكن ليست كالعكاوي فتلك صحية وألذ. 

ولا يستبعد الشيف كريم أن يكون الإيطاليون قد اتخذوا فكرة البيتزا من الشرق وذلك بسبب التبادل التجاري النشط مع العثمانيين ولكن فطيرة البيتزا ظهرت مع بداية استيراد البندورة من الولايات المتحدة الأميركية. 

للمنقوشة كتاب يحكي عنها

جذبت المنقوشة اهتمام الناشطة الغذائية والكاتبة اللبنانية بربارة مسعد التي كتبت لأجلها كتابها الأول "Man'oushe: Inside the Lebanese Street Corner Bakery" كان الأمر بمثابة مغامرة جالت فيها على أكثر من 250 فرناً من مختلف المناطق اللبنانية تعرفت خلالها على طرق مختلفة لخبز المنقوشة. 

بربارة تستعد لطباعة كتابها في نسخته الخامسة في الولايات المتحدة الأميركية. كتاب كان مصدر إلهام لكثير من الناس كي يفتحوا مخابز لبيع المنقوشة حول العالم. تعطي بربارة وصفات بسيطة لصناعة المنقوشة والمكونات التي يمكن استخدامها ولكنها تؤكد للنهار بأن المنقوشة المفضلة لديها تبقى منقوشة الصعتر  التي تتذوق من خلالها مذاق وطن الأرز. وترى ان المنقوشة باتت أيقونة لبنانية حيث إن أي زائر حين يصل مطار بيروت أول ما يفعله هو تذوق المنقوشة اللبنانية. 

وحلمت بربارة مسعد في كتابها برؤية المنقوشة في كل أرجاء العالم، وترى اليوم ان حلمها بات يتحقق لأن كثيراً من المستثمرين الجدد وبالتحديد من جيل الشباب باتوا يفتحون متاجر لبيعها في كل العالم كالولايات المتحدة ولندن حتى اوستراليا ولكن قد يختلف مصدر الطحين ولكن الصعتر يبقى علينا استيراده من لبنان وهو الذي بات مكوناً هاماً من تراثنا الغذائي. 

للمنقوشة أخوات 

للمنقوشة أخوات أيضاً تشبهها في كل أرجاء الوطن العربي، في سوريا وفلسطين تحتفظ المنقوشة بإسمها وتختلف طبيعتها وخبزها وحتى نوعية الطحين بين البلدان الثلاثة. في شبه الجزيرة العربية ولاسيما في الإمارات العربية المتحدة هناك ما يشبهها وهو "خبز الرقاق" حيث تخلط النسوة في منازلهن دقيق القمح مع الملح والماء وتستخدم آله شبيهة بالصاج للخبز، وتضع في بعض الأحيان على الخبز البيض أو الجبن. أما في تونس، فهناك "المْلاوي" وهي أشبه بمناقيش الصاج ويضيف إلى مكوناتها الجبنة الفرنسية و البيض (يسمونه عضام) والسلامي وهريسة الفلفل الحارة. 

طريقة الخبز

لخبز المنقوشة تقنيات أربع. أولى التقنيات هي أفران الغاز، ولكن أطيب المناقيش تلك المخبوزة في أفران الحطب وأفران حجر القرميد، طريقة الخبز تعطيها طعماً فريداً ويجففها كليا من الماء، وكلما تخلصنا من الماء دامت المنقوشة فترة زمنية أطول ولن تفسد بسرعة.

التقنية الثانية وهي أكثر ما يفضلها متّبعو الحميات الغذائية ألا وهو الخبز على الصاج. في الماضي كانت منقوشة الصاج تختلف عن منقوشة الأفران، إذ يخلط عجينها بطحين الذرة الأصفر ما يكسبها طعماً رائعاً لدى الخبز ولا يحميها من الاحتراق السريع. 

التقنية الثالثة هي أفران التنور، لا زال البعض يستخدم التنور في صناعة الخبز والمناقيش ولكن بشكل أقل وذلك لصعوبة تشييد التنور وخطورة التعامل معه في بعض الأحيان، وتتميز منقوشة التنور بأنها أكبر من منقوشة الصاج وأسمك منها بقليل. وبما أن المنقوشة تعلق على جوانب التنور يصعب خبز مناقيش غير الصعتر كي لا يقع المكون في قلب النار. 

التقنية الرابعة هي ما يسمى بالطابونة، كانت الطابونة تشاد في الباحات الخارجية للمنازل بخلط الطين والقش اليابس وتركها لتجفّ، اتخذت الطابونة أشكالاً عدة منها ما يشبه الفرن التقليدي وشكل آخر يشبه التنور وله غطاء من الطين أيضاً.

يختلف الشكل والخبز وطريقة العجن، فمنهم من يضيف للعجينة بيضاً ومنهم كوباً من الزيت وآخرون زبدة وحبوباً وبذوراً. ولكن ما لا اختلاف عليه هو أن المنقوشة اللبنانية تبقى أهم ما يتواجد على موائد سفرة الفطور في لبنان، أهمية اتخذتها اهم المطاعم في بيروت لتدرج المنقوشة ضمن وجبة الفطور الصباحي المقدمة للنزلاء بغية توفير الرفاهية والمذاق.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم