السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

كيف ستكون ملامح السياسة الخارجيّة الأميركيّة بعد ترامب؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

توافق متزايد

في ما يخصّ الشرق الأوسط، لا يزال القرار بسحب القوّات الأميركيّة من #سوريا و #أفغانستان محور الحدث. على الرغم من أنّ القرار قد اتُّخذ منذ ما يزيد عن شهر ونصف، يحاول الحزبان تدارك آثاره على مصالح الولايات المتّحدة وحلفائها في المنطقة. يمكن قياس أحد مؤشّرات ذلك من خلال انتقاد مجلس الشيوخ الأميركيّ قرار ترامب الأخير معتبراً إيّاه "متسرّعاً" و "يمكن أن يعرّض التقدّم الذي تمّ إحرازه، وكذلك الأمن القوميّ للخطر". وبالرغم من أنّ هنالك 53 جمهوريّاً في المجلس من أصل مئة، استطاع المجلس الحصول على 70 صوتاً منتقداً للقرار الرئاسيّ، مقابل رفض 26. ولعلّ هذا الرقم وحده أبلغ تعبير عن قدرة الحزبين على التكاتف في ما يتعلّق بالمسائل الخارجيّة التي يريان أنّها تمسّ الأمن القوميّ للبلاد. ومع أنّ القرار رمزيّ إلى حدّ بعيد، يبقى أنّ من إحدى دلالاته تقدّم رئيس المجلس السيناتور الجمهوريّ ميتش ماكونيل نفسه بهذا الاقتراح.



أظهر جمهوريّون وديموقراطيّون قدرة على الاتّحاد ومواجهة سياسة ترامب بنتائج متفاوتة. ففيما نجح هؤلاء بالتوافق حول الاعتراض على قراريه السوري والأفغانيّ مثلاً، عجزوا في بعض الحالات عن هذا التوافق كما حصل في قضيّة رفعه العقوبات عن عملاق صناعة الألومينيوم "روسال" وشركات روسيّة أخرى يملكها مقرّب من الرئيس الروسيّ فلاديمير #بوتين. أتى ذلك على الرغم من انضمام 130 جمهوريّاً إلى المعسكر الديموقراطيّ في مجلس النواب لمنع رفع العقوبات قبل أن يُسقط مجلس الشيوخ هذا التوجّه. إذاً وعلى الرغم من أنّ الحزبين غير قادرين على الاتّفاق دائماً حول سياسة خارجيّة موحّدة، فإنّ ذلك لا ينفي بروز أرضيّة مشتركة تسهّل هذا الاحتمال.

حدود الانقسام غامضة.. الديموقراطي حزب الحرب؟

يرى الصحافيّ دانيال لاريسون في مجلّة "ذي اميركان كونسيرفاتيف" أنّه بالفعل، كان هنالك توافق حزبيّ "نخبويّ" حول سياسة خارجيّة موحّدة لكنّه فشل لأنّه والمدافعين عنه "خسروا تقريباً كلّ صدقيّتهم خلال السنوات العشرين الأخيرة المقبلة، وخسارة مكلفة"، بما أنّ المروّجين لهذا التوافق أنفسهم "كانوا مسؤولين عن قيادة الولايات المتّحدة إلى هزيمة تلو الأخرى". يصف لاريسون النظام الليبيراليّ الدوليّ ب "الخرافة"، لكن أيّاً كان توصيفه، يصعب إنكار أنّ واشنطن تمكّنت من تأسيس هذا النظام وتسييره لصالحها ولصالح حلفائها الغربيّين منذ ما بعد الحرب العالميّة الثانية وحتى أوائل الألفيّة الحاليّة بالحدّ الأدنى. وإذا كانت واشنطن قد خسرت الكثير من موقعها المتفرّد في ذلك النظام بسبب إخفاقاتها في حربي أفغانستان والعراق، فإنّ هدف صنّاع القرار الأميركيّين سينصبّ إمّا على عدم إنقاذ امتيازاتها الدوليّة السابقة والانصراف إلى المشاكل الداخليّة كما يريد ترامب مثلاً، وإمّا على إنقاذ هذا الامتياز عبر سياسات تقوم على توافق حزبيّ مكمّل أو مناقض للتوافق السابق. لكنّ نقض سياسات التدخّل الأميركيّ العسكريّ في الخارج ليست بالسهولة المفترضة القائمة على الانقسام بين يسار ومحافظين جدد.

عدّد المؤرّخ ستيفن وِرثيم ومؤسس المجلس الوطنيّ الإيرانيّ الأميركيّ تريتا بارسي في مقال لهما ضمن مجلّة "فورين بوليسي" مجموعة المواقف التي اتّخذها ديموقراطيّون، بما فيها تلك المتعلّقة بالحرب في أفغانستان وسوريا والتي تعارض الانسحاب. وفي العنوان، طالب الكاتبان ب "عدم ترك الديموقراطيّين يصبحون حزب الحرب"، فانتقدا موقف أعضاء من هذا الحزب تجاه عدم موافقتهم على انسحاب ترامب من سوريا أو وصفهم ترامب ب "الخاضع" للزعيم الكوريّ الشماليّ #كيم جونغ أون بمجرّد أنّ الأخير لم يفاوضه بناء على الشروط الأميركيّة. لكنّ إحدى مشاكل هذا التوصيف أنّها تقوم على وجود اختلاف جذريّ مطلق بين الحزبين في السياسات الخارجيّة خلال العقود الماضية.



إبّان الحرب الباردة، اتّفق الحزبان على مواجهة الاتّحاد السوفياتيّ باعتماد استراتيجيّة كادت تكون نفسها من أواخر السبعينات حتى أواخر ثمانينات القرن الماضي. وبحسب البعض كانت سياسة الإدارة الجمهوريّة برئاسة رونالد ريغان امتداداً لسياسة الإدارة الديموقراطيّة بقيادة جيمي كارتر في مواجهة موسكو. بالمقابل، ثمّة الكثير من نقاط التشابه في السياسة الخارجيّة بين إدارتي ترامب وأوباما حول ضرورة عدم الانخراط في مشاكل الشرق الأوسط. وعلى أيّ حال، يبدو أنّ هنالك ميلاً مشتركاً لدى الطرفين لتقييد استخدام القوّة العسكريّة الأميركيّة في ساحات الصراع، أو في ما قد يصفه البعض ب "التدخّل غبّ الطلب" كما يشرح غولدغاير. وعلى الرغم من هذا التوجّه، إنّ توافقاً خارجيّاً مفترضاً بين حزبين سيواجه عثرات ليست بالقليلة، في عهد ما بعد ترامب وبشكل أصعب ربّما في العهود المقبلة.


ترامب يطلق نمط أفكار رئاسيّة؟

رأى ستيفن ميتز، صاحب كتاب "العراق وتطوّر الاستراتيجيّة الأميركيّة" أنّ سلوك ترامب مبنيّ على "طابع العصر" الذي تظهره الموجة التي نشرتها أو ربّما أنتجتها وسائل التواصل الاجتماعيّ مثل الحمائيّة والخوف على الثقافة المجتمعيّة والتشكيك بنظرة الخبراء وغيرها من السمات. وفقاً لتحليله في مجلّة "وورلد بوليتيكس ريفيو"، لم يقم ترامب بخلق هذا النمط بل هو اكتفى بالاستناد إليه للفوز بالرئاسة، ممّا يعني أنّ الرؤساء اللاحقين قد يكونون "طابعيّي العصر" أيضاً حتى ولو تمتّعوا بكفاءة أكبر من تلك التي يتمتّع بها ترامب كما كتب.



من هنا، يمكن توقّع بروز نقاط تجاذب أخرى بين رؤساء أميركيّين مستقبليّين و"المؤسّسة" التي، بغضّ النظر عن عدم مسارعتها لشنّ حروب خارجيّة، ستواصل على الأرجح الدفاع عن المؤسّسات الدوليّة التي أنشأتها واشنطن على مرّ العقود. لتحقيق ذلك، ستستخدم الوسائل الديبلوماسيّة أكثر من تلك العسكريّة، وهذا سيكون متوافقاً على الأرجح مع توجّهات الرؤساء المقبلين. لكن ستتبقّى مراقبة نقاط التجاذب بينهم وبين "المؤسّسة" حين يعاد، في مرحلة من المراحل، وضع الخيارات العسكريّة على طاولة البحث.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم