الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أوباما منح إيران مكاسب كثيرة... هل تخسرها في عهد ترامب؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

تصميم أوباما منحها اليد الطولى

في مقابل هذه التحدّيات، استطاعت إيران حصد مكاسب إقليميّة مستغلّة فرصتين أساسيّتين: تمثّلت الأولى بإسقاط الأميركيّين نظام صدّام حسين سنة 2003 فيما كانت الثانية مع فوز باراك أوباما بالانتخابات الرئاسيّة وخصوصاً بولايته الرئاسيّة الثانية. وما قدّمه أوباما لم يساهم في توسيع النفوذ الإيرانيّ في المنطقة وحسب بل أعطاه غطاء شرعيّاً أيضاً. أبدى الرئيس السابق تصميمه على التوصّل إلى اتّفاق مع إيران حول ملفّها النوويّ مهما كان الثمن.

يرجع البعض، ومن بينهم مستشاره للشؤون الخارجيّة بن رودس، عدم تنفيذ أوباما خطّه الأحمر إزاء استخدام دمشق السلاح الكيميائيّ في الغوطة إلى نيّته عدم إغضاب الإيرانيّين خلال المحادثات حول الملف النوويّ. لم يكن هذا الربط مستغرباً، لأنّ الهجوم على الغوطة وقع في آب 2013، بينما استأنفت مجموعة 5+1 التفاوض مع #إيران في شباط 2013. كذلك، أجرى أوباما اتّصالاً هاتفيّاً بالرئيس الإيرانيّ حسن #روحاني في أيلول 2013 بعد شهر واحد على تنصيبه رئيساً. وكان ذلك الاتّصال أعلى مستوى من التواصل بين الأميركيّين والإيرانيّين منذ ثورة 1979.

ربّما كانت رئاسة أوباما نقطة مفصليّة في تاريخ النظام المنبثق عن الثورة الإسلاميّة. فهو تردّد في دعم الثورة الخضراء كما تردّد في تقديم دعم كاسر للتوازن إلى المعارضة السوريّة في مواجهة نظام الرئيس السوريّ بشّار #الأسد. وهذا ما مكّن إيران من الصمود في سوريا ريثما تدخّل الرئيس الروسيّ فلاديمير #بوتين في النزاع، بعدما قرأ كالإيرانيّين غياب الحسم في سياساته، فاستطاع حسم الميدان لصالحه. أمّا الاتّفاق النوويّ فقد حوّل أموالاً طائلة إلى الخزانة الإيرانيّة، غذّتها أيضاً صفقة سرّيّة لتبادل رهائن وأسرى بين الدولتين وتمّ تحويل حوالي 1.7 مليار دولار إلى إيران في إطارها. وفي الوقت نفسه استطاعت طهران تطوير برنامجها الصاروخيّ غير المشمول بالاتّفاق النوويّ. على الضفة الأخرى، فترت العلاقات بين #واشنطن و #الرياض وبلغ التوتّر ذروته بين العاصمتين حين دعا #أوباما في مقابلة إعلاميّة شهيرة مع مجلّة "ذي اطلانتيك" الرياض وطهران إلى الاتّفاق على تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط.

كانون الثاني 2016.. نقطة تحوّل

أضيفت إلى ذلك، حادثة اقتياد الإيرانيّين زورقين حربيّين أميركيّين واجه أحدهما مشكلة تقنيّة إلى جزيرة إيرانيّة، بعدما دخلا المياه الإقليميّة. وقعت تلك الحادثة في 12 كانون الثاني 2016 على بعد أيّام من دخول الاتفاق النوويّ حيّز التنفيذ، ونشر الحرس الثوريّ شريط فيديو لعشرة بحّارة أميركيّين مع سلاحهم واضعين أيديهم على رؤوسهم بطريقة وجدها مسؤولون أميركيّون مهينة وتعبّر عن "ضعف إدارة أوباما". لكنّ الإدارة رأت حينها أنّ إطلاق سراحهم السريع يعود إلى قوّة الديبلوماسيّة والوعد بانخراط جديد مع إيران. ومنح المرشد الإيرانيّ علي خامنئي وسام "الفتح" للقادة في القوّة البحريّة للحرس الثوري التي اعتقلت البحّارة الأميركيّين.

مثّلت هذه الحادثة نقطة تحوّل في طريقة مواجهة الأميركيّين للإيرانيّين في الخليج العربيّ. في سنة 1988، شنّت البحريّة الأميركيّة عمليّة "السرعوف المصلّي" ردّاً على اصطدام مدمّرة أميركيّة بلغم بحريّ إيرانيّ، الأمر الذي أدّى إلى تدمير نصف البحريّة الإيرانيّة. لكنّ طريقة ردّ واشنطن على احتجاز البحّارة الأميركيّين سنة 2016 عبّرت عن أحد أمثلة التحوّلات في نظرة الولايات المتّحدة للتوتّر مع إيران. لكن بالرغم من ذلك، كانت الأصوات الجمهوريّة تعلو منتقدة موقف أوباما إزاء الحادثة، ومن بينها تحديداً صوت المرشّح الرئاسيّ آنذاك دونالد ترامب.

تراجع المضايقات مع ترامب

في تمّوز 2018، غرّد الرئيس الأميركيّ أنّ المضايقات الإيرانيّة للسفن الأميركيّة بلغت 22 مضايقة سنة 2015 و 36 سنة 2016 و 14 سنة 2017 وصِفر حتى تاريخ التغريدة، وفقاً لمعلومات البحريّة الأميركيّة. كان هنالك اعتراف من بعض الباحثين بأنّ سلوك إيران تغيّر عمداً بعد مجيء ترامب إلى الحكم. وقال جوناثان سكانزر، نائب رئيس "مؤسّسة الدفاع عن الديموقراطيّات" إنّ "الستايتكو تغيّر" موضحاً أنّ ترامب لم يوجّه تحذيراً رسميّاً للإيرانيّين، لكنّ "عدم القدرة على التنبّؤ بتصرّفات ترامب جعلت إيران أكثر تحفّظاً أمام اختبار الخطوط الحمراء الأميركيّة".


شخصيّته سيف ذو حدّين

إنّ عدم القدرة على التنبّؤ بتصرّفات #ترامب جعل مراقبة #طهران لقرارات البيت الأبيض أكثر صعوبة. استطاع الرئيس الأميركيّ الوفاء بوعده حين سحب بلاده من الاتّفاق النوويّ فواجهت عقوبات قاسية فرضتها عليها واشنطن على دفعتين خلال السنة الماضية. ولم تستطع الحكومات الأوروبيّة خلق نظام أمان يحمي شركاتها من تداعيات هذه العقوبات، ولذلك، قامت غالبيّتها بالانسحاب من البلاد علماً أنّ محاولات أوروبا لم تتوقف في هذا الموضوع. لكن على الضفّة الأخرى، أمكن لشخصيّة ترامب أن تقي إيران بعضاً من السياسات الأكثر قساوة. فهو أعطى ثماني دول إعفاءات خاصّة وموقتة من تلك العقوبات وقد أبقى ذلك لطهران متنفّساً اقتصاديّاً ولو جزئيّاً، بالتوازي مع حماية السوق النفطيّة.

وبحسب تقرير صادر الأسبوع الماضي عن المفتّش العام في البنتاغون، فإنّ العقوبات الأميركيّة امتلكت "تأثيراً محدوداً" على قدرة #إيران في العمل داخل سوريا. كذلك، حمل قرار ترامب بسحب قوّاته من البلاد وقعاً إيجابيّاً بالنسبة إلى إيران التي ستجد هامش مناورة أوسع في تلك البلاد، إذا تمّ فعلاً تنفيذ القرار علماً أنّه يواجه معارضة قويّة من مجلس الشيوخ. وسبق لترامب أن قال للإيرانيّين إنّه "بإمكانهم فعل ما يشاؤون هناك (في سوريا)" بعد انسحاب قوّاته من هناك. لكنّه عاد لاحقاً ليقول إنّ الجنود الأميركيّين سيراقبون تحرّكات إيران من العراق.


ماذا يريد ترامب؟

لكن أبعد من سوريا والشرق الأوسط، يبقى السؤال الأصعب على السياسيّين الإيرانيّين معرفة ما يجول في ذهن ترامب إزاء النظام المنبثق عن الثورة وما إذا كان يريد إسقاطه أو التفاوض معه في نهاية المطاف. لا شكّ في أنّ الإدارة الحاليّة مكتظّة بالسياسيّين المناوئين لطهران، لكنّ مستشار شؤون الأمن القوميّ جون #بولتون هو أبرزهم بما أنّه أبدى رغبة سابقة أمام مجموعة من المعارضين الإيرانيّين بسقوط هذا النظام قبل الذكرى الأربعين للثورة. إلى الآن، يبدو بولتون غير قادر على تغيير نزعة ترامب "الانعزاليّة". بالمقابل، تبقى مسألة العقوبات الأميركيّة ومدى تأثيرها على مستقبل البلاد وحركة الاحتجاجات السابقة قيد المتابعة. لا ترتاح #إيران كثيراً للأحداث التي شهدتها #فنزويلا خلال السنوات القليلة الماضية والتي أوصلت المعارضة إلى البرلمان، ومن خلاله، أصبح غوايدو رئيساً موقتاً للبلاد مدعوماً من الولايات المتّحدة ومجموعة أخرى من الدول. لكنّ ذلك لا يعني أنّ الأبواب موصدة أمام طهران طالما أنّ ترامب نفسه أبدى أكثر من مرّة رغبته بالحوار مع إيران والتحدّث إليهم "من دون شروط مسبقة". وحتى من دون المقترح الأميركيّ، يمكن طهران الاستفادة من تجربة الزعيم الكوريّ الشماليّ #كيم جونغ أون بالانفتاح على واشنطن بغضّ النظر عن عدم تقديمه تنازلات جوهريّة في هذا الإطار.


"يتمتّع بالنيّة"؟

إذا كان المقرّبون من ترامب يجدون صعوبة في فهم طريقة وأسباب اتّخاذه بعض القرارات، فكيف بالحريّ بالنسبة إلى أعدائه. بروفسور التاريخ والمسؤول السابق في مجلس الأمن القوميّ ووزارة الخارجيّة في إدارتي بيل كلينتون وباراك أوباما ستيفن سايمن رأى الصيف الماضي أنّ التكهّن بما "إذا كان ترامب يملك التركيز والإرادة والدعمين الداخليّ والخارجيّ لهذا المسعى (إسقاط النظام الإيرانيّ) يبقى غامضاً. لكن يبدو أنّه يتمتّع بالنيّة".

بنى سايمن تحليله المطوّل على عدد من النقاط من بينها ما ظهر آنذاك كنيّة في منع إيران من الحصول على "الجسر البرّي" الذي يربطها بالمتوسّط. لكنّ قرار ترامب بسحب قوّاته وحديثه عن إمكانيّة إيران بأن "تفعل ما تشاء"، ولو تراجع عنه لاحقاً بشكل ضمنيّ، يبرز أنّه لا يمكن التأكّد حتى من وجود هذه النيّة لدى الرئيس الأميركيّ. لا شكّ في أنّ ترامب استطاع تقييد مكاسب الثورة التي تحقّقت في عهد أوباما، لكنّ استمراره في صياغة سياساته بطريقة "حدسيّة" ومتناقضة أحياناً، قد يجعل إيران قادرة على التكيّف مع هذه الخسارة، لفترة قد تُقاس بما هو أكثر من بضعة أشهر.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم