الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

أرشيف "النهار" - الأميركيون يجهضون خطّة السادات لغزو ليبيا

المصدر: أرشيف "النهار"
Bookmark
أرشيف "النهار" - الأميركيون يجهضون خطّة السادات لغزو ليبيا
أرشيف "النهار" - الأميركيون يجهضون خطّة السادات لغزو ليبيا
A+ A-
فاجأ الرئيس انور السادات الولايات المتحدة بالهجوم العسكري المصري على الاراضي الليبية وتخوفت من استيلاء مصر على منابع النفط الليبية وتهديد وضع شركات النفط الاميركية هناك. وتحركت واشنطن لدى القاهرة واجهضت العملية. واعقب ذلك استكشاف اميركي لاجواء السادات بالنسبة الى الصراع العربي - الاسرائيلي بعد وصول زعيم "الليكود" مناحيم بيغن الى الحكم، فأبدى الرئيس المصري استعداده لمفاوضات مباشرة مع الاسرائيليين تفضي الى توقيع اتفاق منفرد، مبدياً معارضته فكرة الوفد العربي الموحّد. واستطاع الحصول من السيد ياسر عرفات على اعتراف خطي بالقبول بالقرار 242 ما لبث ان عرض على بيغن فرفضه. ثم تسارعت اللقاءات السرية بين العرب والاسرائيليين وبينها ثلاثة بارزة: لقاء الملك حسين - موشي ديان (وزير خارجية اسرائيل آنذاك) ثم لقاء الملك الحسن الثاني - موشي - ديان فلقاء حسن التهامي (نائب رئيس الحكومة المصرية) وموشي ديان. هذه التطورات تتضمنها الحلقة 12 من كتاب محمد حسنين هيكل "عواصف الحرب والسلام" الذي تنشره "النهار" بترتيب خاص مع "دار الشروق" في القاهرة. 12 القذافي "لا بد من وقف العمليات العسكرية ضد لبيبا فوراً..." (السفير الاميركي هيرمان آيلتس للرئيس السادات ناقلاً رسالة من الرئيس كارتر) كان الرئيس السادات يتابع، وهو الآخر مثل كارتر أحس أن الاطمئنان الذي عاد به من واشنطن راح يتبخر، وكان عليه أن يفكر في طريق آخر. وبدا له أن انتظار بيغن حتى يغير موقفه يقتضيه وقت لا يستطيع ان يتحمل مرور أيامه وأشهره وربما سنيه. وكان شاغله الأكبر المشكلة الاقتصادية التي تطبق وتهدده بتجدد حوادث 18 و19 يناير (كانون الثاني)، وقد تفاجئه بما هو أخطر. وتوصل الرئيس السادات فجأة الى حل بالغ الغرابة، خطر له ان يغزو ليبيا وفي ذهنه ان يحتل ولاية برقة الشرقية وفيها معظم منابع البترول الليبي. وكانت ملابسات هذا الخاطر تدعو الى تساؤلات عويصة والى استنتاجات محيرة: 1- هل تذكر الرئيس السادات الاقتراح الاسرائيلي الذي قدم الى الوفد العسكري المصري اثناء جلسات مؤتمر جنيف في اواخر 1973 واوائل 1974؟ واذا كان ذلك حصل، فهل تذكر الرئيس السادات من تلقاء نفسه او ان احداً اعاد تذكيره بهذا الاقتراح القديم وبالمغريات التي تضمنتها المذكرة التي قدمت في ذلك الوقت و التي كان عنوانها "أمل مصر الحقيقي: ليبيا"؟ 2- هل خطر له ان موارد البترول الليبي تستطيع ان تخفف الأزمة الاقتصادية في مصر، وربما تحلها حلاً جذرياً؟ واذا كان ذلك حقيقياً، فهل هو قادر عملياً وعربياً على تنفيذها والنجاح فيها؟ ان الرئيس السادات كان في ذلك الوقت مصاباً بخيبة أمل في الأمة العربية كلها بعد الحملة عليه في عقب فك الارتباط الثاني، بل اكثر من ذلك فانه كان مصاباً بخيبة أمل في الشعب المصري نفسه بعد حوادث 18 و19 يناير، وقد حسبها جحوداً لا يستحقه بعد حرب اكتوبر. 3- هل تصور الرئيس السادات ان ضيق الغرب، والولايات المتحدة في مقدمه، بالرئيس معمر القذافي سوف يجعل الجميع مؤيدين متحمسين لعمليته كعقاب للقذافي على استفزازاته للغرب؟ ثم لعل واشنطن - مثل تل ابيب - تراها حلاً لمشاكل مصر الاقتصادية من دون تكاليف تدفعها الخزينة الاميركية؟ - واذا كان ذلك واقعاً، فكيف أجرى الرئيس السادات حساباته بالنسبة الى مواقف بقية القوى الدولية بما فيها الاتحاد السوفياتي واوروبا الغربية؟ 4- هل تصورها الرئيس السادات غنيمة يزينها للشعب المصري لكي يقبل بالعملية؟ وهل تصورها إلهاء للجيش المصري يعطيه مهمة جديدة بدلاً من دور ضاع منه بعد عمليات فك الارتباط؟ - واذا كان ذلك حاصلاً، فكيف كان عليه ان يصور هذا التوجه المفاجئ للشعب المصري وللجيش المصري؟  كانت الذرائع جاهزة، او بمعنى أصح كانت نائمة ومن السهل ايقاظها، وقد تمثلت في صفقة السلاح السوفياتي التي عقدتها ليبيا مع الاتحاد السوفياتي عام 1975 كانت دواعي هذه الصفقة التي توسط فيها الرئيس حافظ الاسد والسيد ياسر عرفات، معروفة لدى من يعنيهم الأمر، وفي مقدمهم الرئيس السادات، بل ان معرفته بظروف هذه الصفقة كانت هي التي دفعته الى القول بافلاس الاتحاد السوفياتي. وكانت البداية تضخيم هذه الصفقة. وطبقاً للبيانات التي نشرت في مصر فقد ارتفع حجم الصفقة فجأة عن حقيقتها وهي مليارا دولار، الى الضعفين وهو 4 مليارات دولار. وقيل ان بين بنودها قوة مدرعة تصل الى الفي دبابة. كذلك أضيف اليها "ان ليبيا وافقت - بمقتضى الاتفاق العسكري الذي عقدت على اساسه هذه الصفقة - على اقامة قواعد عسكرية سوفياتية برية وجوية وبحرية على اراضيها وفي موانئها". كذلك ان الاتفاق يقضي بأن يمد الاتحاد السوفياتي ليبيا بكل الاسلحة المتطورة التي تنتجها المصانع الحربية السوفياتية والتي تمتنع موسكو عن امداد دول المواجهة بها". كذلك فان الاتحاد السوفياتي اشترط لتوقيع هذه الصفقة "ان يبعث الى ليبيا بخبراء في جميع النواحي العسكرية وعلى جميع المستويات، وذلك لكي يمكن تحقيق الاهداف الاستراتيجية والسياسية من التحالف العسكري بين الاتحاد السوفياتي وليبيا في جنوب البحر الابيض". ثم بدأت التلميحات بعد ذلك الى الاستشهاد بمجلة آفييشن ويك"، وهي المجلة الاميركية المتخصصة في شؤون الطيران الحربي، عندما قالت "ان طائرات ميراج التي تملكها ليبيا لا تجد طيارين يقومون بتشكيلها، وان ليبيا في حاجة الى عشرين سنة لكي تستطيع استعمال هذه الطائرات". ثم كان التعليق المنطقي على هذا الاستشهاد بالقول انه "اذا لم يكن لدى ليبيا طيارون لاستعمال الميراج التي تملكها، فمن الذي سيقوم الآن بتشغيل واستعمال الطائرات التي اشترتها بمقتضى صفقتها مع الاتحاد السوفياتي؟" وكان التعليق على ذلك منطقياً بأن تشغيل هذه الطائرات واستعمالها سوف يتمان بواسطة طيارين سوفيات. وكانت المبالغة في الصفقة الليبية - السوفياتية مقدمة اولى. وكانت الخطوة التالية الاشارات المتكررة بأن هذا الحجم من السلاح على الجانب الليبي من الحدود المصرية، مع وجود خبراء سوفيات وطيارين، وفي ظرف تدهورت فيه العلاقات بين القاهرة وموسكو - كل ذلك يمثل خطراً شديداً على الأمن المصري.  ويوم 19 يوليو (تموز) 1977، بدأت في القاهرة عملية نشر واذاعة اخبار بقيام قوات ليبية بالاغارة على مواقع مصرية في منطقة السلوم، ثم اعلن ان قوات مصرية ردت على العدوان وقامت بالدخول الى المواقع التي انطلقت منها العمليات ضد المواقع المصرية، وانها قامت بتدميرها وعادت الى قواعدها في مصر. ويوم 23 يوليو (حزيران) 1977 اذيع بيان لمتحدث عسكري مصري كان نصه: "بعدما عادت قواتنا الى مواقعها داخل الاراضي المصرية امس الخميس 21 يوليو 1977 بعد تنفيذ مهماتها ضد القوات الليبية المعتدية، عاد النظام الليبي ليلة امس واستأنف قصف مواقعنا الامامية بنيران المدفعية على فترات متقطعة خلال الليل، وقامت قواتنا بالرد عليها بالنيران حتى اسكتتها، وفي صباح اليوم 22 يوليو 1977 قامت الطائرات الحربية الليبية بثلاث اغارات جوية تتكون كل منها من طائرتين ضد منطقة السلوم. واصابت ثلاثة افراد عسكريين بجروح. ولما كان النظام الليبي مستمراً في اعتداءاته وخاصة بقواته الجوية بطريقة تهدد أمن قواتنا واراضينا، فقد قامت قواتنا الجوية بعد ظهر اليوم (الجمعة) بمهاجمة قاعدة العضم الجوية (من المفارقات ان اسم القاعدة كان قد تغير منذ عام 1970 من قاعدة العضم الى "قاعدة جمال عبد الناصر الجوية") التي تستخدمها الطائرات الليبية في الاغارة علينا. وهي تقع على مسافة 30 كلم جنوب مدينة طبرق، وعلى بعد 120 كلم غرب الحدود المصرية. وقد اسفر هجومنا الجوي على القاعدة عن تدمير شديد بالقاعدة ومنشآتها وبعض الطائرات بها وعادت جميع طائراتنا التي قامت بالضربة الى قواعدها سالمة من دون أية خسائر". واتسع نطاق العمليات. وكان الرئيس السادات حتى هذه اللحظة يسميها عملية "تأديب" للقذافي. ولكن حجم الغارات على المطارات الليبية في برقة كان يشير الى اهداف اوسع. وكانت الصورة في بعض جوانبها مأسوية. فالهجوم على القواعد الليبية احدث خسائر كبيرة، ومن المحزن ان الجرحى الذين اصيبوا في الغارات على قاعدة العضم مثلاً جرى نقلهم بسرعة الى مستشفى طبرق، ومعظم اطبائه في ذلك الوقت مصريون، كما ان مديره كان جراحاً مصرياً شهيراً هو الدكتور مصطفى الشربيني، وقد وصل به الأسى الى درجة انه بعث ببرقية الى الرئيس السادات يقول فيها انه كان يجري العمليات للضباط والجنود الليبيين وهو لا يكاد يرى مواقع جروحهم لأن الدموع كانت تملأ عينيه. كان الرأي العام المصري في حالة دهشة. وكانت العواصم العربية لا تكاد تصدق ما هو جار على الساحة، وتحرك الرئيس...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم