الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

مصر المواطَنة بين كاتدرائية ومسجِد

المصدر: (موقع Beirut insight)
زياد الصَّائغ
مصر المواطَنة بين كاتدرائية ومسجِد
مصر المواطَنة بين كاتدرائية ومسجِد
A+ A-

تُثبِت مصر الدولة وناسها قُدرة هائلة على تقديم نموذج استثنائي في مواجهة طروحات التفرقة الطائفية، لصالح الانتصار للمواطنة حتماً، ولكن أيضاً للتعدّدية خصوصاً في سياق التلاقي المسيحي - الإسلامي.

وعلى الرغم من سعيٍ دؤوبٍ هنا وثمة منه لبثِّ معطياتٍ في تفكّك قد تعانيه مصر بسبب الضغوطات الاقتصادية - الاجتماعية، ناهيك باستمرار محاولة ضربِ استقرارها بإرهاصاتٍ إرهابية يُقتضى البحث في العمق عن مسبّباتها ومنفذيها وأجندتهم، ولو هُم في ظاهرهم تكفيريّون لا يمتّون بأيّ صِلة الى نسَقِ الذهنيّة المصريّة، على الرغم من هذا السعي الدؤوب استطاعت مِصر، في السنوات الأخيرة أن تعيد على طاولة البحث معنى أن تساهم الانتلجنسيا والمرجعيّات الدينية كما الكوادر العلمية في إنجاز مسار هادئ لتثبيت الدولة العميقة، حيث الأساس تماسك النسيج المجتمعي تحت راية المؤسّسات الدستورية، وفي ظل منسوبٍ عالٍ من تنبُّه المسلمين والمسيحيّين من القاعدة الشعبية الى أعلى هرم المسؤولين الروحييّن، إلى موجب تدارك لأي منزلقات تفتيتيّة، ليس بمعنى التمترس وراء الذَّود عن هوية جمعية طوائفية، بقدر الذهاب بعيداً في إنتاج مقوّمات متجدّدة للهوية المواطنية، وهنا بيتُ القصيد.

في أيّ حال، ثمّة ما يسترعي الانتباه في الدينامية الاستثنائية التي تتحرّك فيها كلٌّ من النخب الفكرية والنخب الدينية يوازيها رعاية من الدولة، ما يسترعي الانتباه هو إصرارٌ على تفادي الصَّهر الفوقيّ للمسيحيين الأقباط والمسلمين، وتأكيد التمايز القائم على عيشٍ معاً في فضاءات المجال العام، حيث الهموم مشتركة، والتطلّعات مشتركة لكن أيضاً على تظهير فضاءات المسيحية والإسلام الفاعلة في تدعيم الهموم والتطلّعات المشتركة انطلاقاً من معياريّة قيميّة في ما تحمله هذه الفضاءات.

من هنا الحاجة لتفكّر عقلانّي في هل هو الصَّهر الفوقي في المجتمعات التعدّدية مدعاةُ تفجّرٍ واندثار بعد خبراتٍ مدمّرة؟ أم هي التعدّدية تحتاج بلورة صيغةٍ لإدارتها لا يعود فيها المعطى الديني عنصراً مفخّخاً بقدر ما هو عنصرٌ مساهمٌ في تمتين التلاقي بين المتديّنين والعلمانيّين وحتى الملحدين على قاعدة مواطنةٍ حاضنةٍ للتنوع، كما تُصرّ على توصيفها مؤسسة "أديان"؟

العلاقة المأزقيّة بين توسيع الفضاءات المواطنية المتداخلة، وحماية التنوّع بما هو قدرة على الإغناء والابتكار والارتياح الجماعي لتواصل مختلِفين تستأهل مقاربة دقيقة بمنأى عن الاسترسال التنظيري، أو التشكيك العبثي. وقد تكون مشهدية افتتاح "كاتدرائية ميلاد المسيح" ومسجد "الفتاح العليم" في العاصمة الإدارية لمصر، وفي يوم الاحتفال بعيد الميلاد لدى الكنيسة القبطية الارثوذكسية، من أجمل وأعمق وأجرأ ما شهدناه منذ أعوامٍ من انطلاق الإرهاب المتلبّس زوراً الإسلام، وتبنّي العالم العربي والمجتمع الدولي خيار مواجهته. وتفتح هذه المشهدية الرياديّة لنا الباب واسعاً لتحديد مساراتٍ ثلاثة يتبدّى مُلحّاً تعميق مداميكها من مصر، وفي هذا نحثّ الدولة والنُخب والمرجعيّات الدينية فيها للعودة بفاعلية للتأثير في تكوين جبهة المعتدلين المنتجين الفعّالين المؤمنين بالوَحدة في التنوّع، أو قُل التنوّع في الوَحدة.

مصر - الدولة: الاستقرار والدينامية

الاستقرار أساس. ودينامية المجتمع المصري التعدّدية أساسٌ أيضاً. لا افضليّة بين الاستقرار والدينامية، وكلاهما يؤسّسان لعودة مصر مؤثّرة في العالم العربي. ونحن بانتظار هذه العودة في كل القضايا المفصلية. الاستقرار يعنينا بالتِزامٍ عميق بالدولة الوطنية. والدينامية تعنينا بالتزام الكُتل المشاركة في الحوكمة تطوير المؤسسات وسيادة القانون رغم التحدّيات. مصر الدولة نتطلّع إليكِ نموذجاً متوازناً بين التماسك والتطوير.

مصر - الانتلجنسيا: الدينامية والتأثير

الدينامية الموسومة بها الانتلجنسيا المصرية ومجتمعها المدني في كافة القطاعات معنيّة بإبراز تراكمٍ تأثيري في وضع سياساتٍ عامة يُقتدى بها في ظِلّ قرار دولتيّ (Etatique) بالانتقال من ردّات الفعل في إدارة البلاد، الى فِعلٍ ناجزٍ في بنية عقدٍ وطني - اقتصادي - اجتماعي متكامل التمظهر، خصوصاً في القُدرة على تفادي تمزّقاتٍ قد يدخل إليها مشبوهون متضرّرون من هذا التلاقي بين من يمتلك مقوّمات الحُكم، ومن يستطيع تقديم المشورة وتفتيح البصيرة.

مصر - المرجعيّات الروحية: المعايير الأخلاقية

الأزهر وسدّة الكرازة المرقسية القبطية الارثوذكسية مدعوّان لأداءٍ أكثر فاعلية وتأثيراً. ليس في صياغة الخطاب الديني المعتدل فحسب، بل للذهاب أبعد نحو الفاتيكان والنجف وبطريركية القسطنطينية المسكونية ومجلس كنائس الشرق الأوسط ومجلس الكنائس العالمي لبناء جبهة دينية أخلاقية بمعنى مواجهة التطرّف نعم، ولكن بمعنى استعادة المعيار الديونتولوجي للفضاء العام والديني على حدّ سواء أيضاً من أجل الإنسان كرامةً، والمجتمع عدالةً، والدُّوَل تسالماً وتعاوناً.

خبير في شؤون اللاجئين

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم