الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

التفاوض مع "طالبان"، "ورقة تين" تخفي إخفاقاً "فيتنامياً"؟

جورج عيسى
التفاوض مع "طالبان"، "ورقة تين" تخفي إخفاقاً "فيتنامياً"؟
التفاوض مع "طالبان"، "ورقة تين" تخفي إخفاقاً "فيتنامياً"؟
A+ A-

تسود أوساط المسؤولين في الإدارة الأميركيّة أجواء إيجابيّة حيال المحادثات مع حركة "طالبان". بينما يحتفظ المحلّلون وحتى المسؤولون السابقون، بتوقّعات متشائمة: "فلنتفاوض على أمر يبدو على الأقلّ كأنّه اتّفاق سياسيّ عوض استسلام شامل"، يقول السفير الأميركي السابق في أفغانستان ريان كروكر.

يصعب على المراقبين إيجاد أرضيّة مشتركة للتفاؤل، بالمحادثات، بصرف النظر عمّا يمكن أن تتعهّده "طالبان". فالتطوّرات السياسيّة والعسكريّة في الأشهر الأخيرة لم تكن تنبئ بوجود قدرة لدى واشنطن على انتزاع تنازلات فعليّة من الحركة.

الاثنين الماضي، أعلن وزير الدفاع الأميركيّ بالوكالة باتريك شاناهان أنّ المحادثات مع "طالبان" "مشجّعة"، موضحاً أنّه لم يتلقّ توجيهاً لوضع خطّة من أجل انسحاب كامل للولايات المتّحدة من أفغانستان. وأفاد مسؤولون من الحركة أنّ المفاوضين الأميركيّين وافقوا السبت الماضي على وضع مسوّدة لاتفاق سلام يتضمّن انسحاب القوات الأجنبيّة من البلاد خلال 18 شهراً. وكان الممثّل الخاص للمصالحة الأفغانيّة في وزارة الخارجيّة الأميركيّة زلماي خليل زاد قد وصف المحادثات التي استضافتها قطر بأنها "مثمرة" وأفضل من سابقاتها. وقال إنّ المجتمعين اتّفقوا على "إطار" لخطّة سلام، مشيراً إلى تعهّد "طالبان" عدم تحويل البلاد منصّة للإرهابيّين الدوليّين.

وحين أطلق ترامب موقفه المفاجئ في ما يتعلق بسحب قوّاته من سوريا، أتبعه بكلام آخر عن خفض عديد الجنود الأميركيّين في أفغانستان والبالغ نحو 14 ألف رجل إلى النصف. كانت تصريحاته عن السياسة الأفغانيّة لإدارته متناقضة في خطوطها العريضة، إذ أعلن في آب 2017 استراتيجيّة تعاكس وعوده الانتخابيّة. حينذاك، رأى الرئيس الأميركيّ أنّ انسحاب الجيش من أفغانستان سيترك فراغاً كبيراً معرَّضاً لاستغلال الإرهابيّين، وتفادى الحديث عن سقف زمنيّ لبقاء قوّاته، معتمداً عوض ذلك على التعامل وفقاً للمستجدّات الميدانيّة. لكنّ قراره في كانون الأوّل الماضي يكاد لا يمحو الاستراتيجيّة السابقة – على رغم ثغراتها – فحسب، بل يكاد يضيف المزيد من ملامح الخطورة على مستقبل البلاد والسياسة الأميركيّة فيها. فالمؤشّرات الإيجابيّة الصادرة عن نتائج المحادثات قد تكون مجرّد قنابل دخانيّة تحجب مصادر القلق الحقيقيّة.

ماذا أنتجت "ورقة التين الشرفيّة"؟

سلك التدهور الأمنيّ في أفغانستان منحدراً بارزاً سنتي 2017 و 2018. وقدّمت الأيّام الأولى من السنة الجارية صورة مقلقة بالنسبة إلى البروفسور الباحث في "الكلّية الحربيّة البحريّة الأميركيّة" لايل غولدشتاين الذي وقال إنّ الحركة وسّعت نفوذها إلى المحافظات الشماليّة، علماً أنّ معقل نفوذها التقليديّ يكمن في جنوب البلاد. لكنّ المشكلة الحقيقيّة لا تنحصر في هذا التطوّر وحده. ويرى غولدشتاين أنّ هنالك "خرافة" سائدة بين المراقبين مفادها أنّ محادثات السلام ستوقف إراقة الدماء وستسمح للولايات المتّحدة بتحقيق خروج سلس من البلاد.

إلّا أن الباحث نفسه قارن المحادثات الحاليّة باتّفاقات باريس التي وقّعتها واشنطن مع فيتنام الشماليّة سنة 1973 والتي لم يكن لها تأثير كبير على الأرض في ما عدا تأمين "ورقة تين شرفيّة" للسماح بانسحاب واشنطن الكامل منها. وبعد سنتين سقط النظام الذي كانت ترعاه الولايات المتّحدة في فيتنام الجنوبيّة.

حرب أهليّة

أصرّت "طالبان" خلال الأشهر الأخيرة على عقد إجراء مباشر مع واشنطن وكان لها ما أرادت في "تحوّل كبير" عن الموقف السابق للإدارة الذي ركّز على محوريّة دور القادة الأفغان في المفاوضات الأساسيّة، قبل أن تعترف كابول وواشنطن بفشل هذه الاستراتيجيّة بالتوازي مع نفاد صبر ترامب إزاء سحب قوّاته من البلاد. ولكن في المقابل، واستناداً إلى خليل زاد، ستطلق "طالبان" محادثات مباشرة مع حكومة كابول وهو أمر كانت ترفضه سابقاً إذا تمّ التوصّل إلى اتّفاق لوقف النار. وهذا الاتّفاق المفترض سيجعل واشنطن تبدأ بسحب قوّاتها في غضون سنة ونصف سنة. لكنّ الحديث عن التوصّل إلى سلام يمكن أن يكون مجرّد أوهام.

تقول فاندا فلباب - براون، مؤلّفة كتاب "طموح وتأرجح: استراتيجيّات ووقائع مكافحة التمرّد وبناء الدولة في أفغانستان" إنّ أكثر نتيجة مرجّحة لخروج الولايات المتّحدة ستكون حرباً أهليّة. بالنسبة إليها، سيقوم حوار الحركة مع كابول على المطالبة بالاحتفاظ بقوّتها أو دمجها بالجيش ولن تكتفي بمجرّد الحصول على تمثيل في البرلمان. وأضافت أنّ مقاتلي الحركة "لن يتخلّوا عن سلاحهم ويعودوا إلى منازلهم. السؤال هو: هل من اتّفاق تريد طالبان التزامه؟".

بين 2001 و 2019... "طالبان" هي هي

وما يسترعي الانتباه في التحليلات التي قُدّمت عن المحادثات بين واشنطن و"طالبان"، أنّ غولدشتاين لم يكن الوحيد الذي قارنها باتّفاقات باريس سنة 1973. كروكر نفسه، في حديثه إلى مجلّة "فورين بوليسي" الأميركية، أجرى المقارنة عينها. وقال الديبلوماسيّ الحائز "ميداليّة الحرّيّة الرئاسيّة" إنّ خليل زاد لن يستطيع تحقيق الشيء الكثير لأنّه مقيّد بتوجّهات الإدارة الأميركيّة. وطرح تساؤلاً آخر يجافي تفاؤل بعض المسؤولين في واشنطن: "نظراً إلى واقع كون طالبان اختارت سنة 2001 أن تواجه الهزيمة في الميدان عوض التخلّي عن القاعدة، بحسب المقترح الذي قُدّم إليها، هل يعتقد أيّ شخص حقّاً أنّ طالبان ستكون مختلفة هذه المرّة؟".

كان واضحاً أنّ إعلان ترامب نيّته سحب نحو سبعة آلاف جنديّ أميركيّ من أفغانستان سيُكسب "طالبان" مزيداً من النفوذ السياسيّ في المحادثات. ما سيأتي لاحقاً هو مجرّد ترجمة عمليّة لهذا النفوذ، بصرف النظر عن طريقة تغليف إدارة ترامب هذه المحادثات ولأيّ اتّفاق محتمل في شأن أفغانستان.

والخوف الأكبر هو في جواب كروكر عن سؤال مرتبط بجدّيّة احتمال سيطرة "طالبان" على البلاد بعد الانسحاب الأميركيّ: "(ستحصل) عاجلاً أو آجلاً".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم