السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

مانيفستو - الحلقة الأولى: مارك كازنز

المصدر: "النهار"
مانيفستو - الحلقة الأولى: مارك كازنز
مانيفستو - الحلقة الأولى: مارك كازنز
A+ A-

لماذا "مانيفستو"؟

"مانيفستو" سلسلة سينمائية جديدة في حبّ الفنّ السابع.

فنّ السينماتوغراف كما يسمّيه دعاة التمسّك بالأصول والعودة إلى الينبوع.

فنّ الشاشة كما يراه البلاغيون.

فنّ الأشياء والشخوص التي يحوّلها لقاء الضوء والعتمة "حقيقة"في نظر المدقّقين.

فنّ جامع لكلّ الفنون ليغدو خلاصة لها بحسب المؤرخين.

لن نختلف على التسمية.

فالسينما كلّ هذا، وأكثر.

المهم أن نتّفق أن هذا الفنّ الذي أصبح الأكثر شعبيةً بين الفنون منذ ولادته في نهاية القرن التاسع عشر، جزء من ذاكرة الشعوب التي واكبت تطوّره.

فنّ وثّق حروبنا وانتصاراتنا. آمالنا وأحزاننا. عظمتنا وانحطاطنا. حكاياتنا وحكايات ناسٍ، بيننا وبينهم عالم، لا بل عوالم.

المهم أن نتّفق أن اعادة الاعتبار إلى هذا الفنّ، والاحتفاء به، والاستمتاع بمنجزاته، وفكّ ألغازه، ما هي الا اعادة اعتبار لهذه الذاكرة الفردية والجماعية.

لذلك، أردناها صوتاً وصورةً.

***

"مانيفستو" أو الرحلة السينمائية، كما أرتأينا تسميته.

فأيّ سينيفيلي ينظر إلى المسافة الزمنية التي قطعها على الشاشة في حياته، فيلماً بعد فيلم، لا بد أن يجد نفسه وقد قام برحلة. رحلة قد يتذكّر متى بدأت ولكن لا يعلم متى تنتهي. يتهيأ له ان السينما وفّرت له أجمل الرحلات وأروعها، عبر التجربة الإنسانية الفريدة، وعبر الحكايات الموزّعة في أنحاء العالم، وعبر التاريخ المتراكم فوق أكتافنا.

لا يوجد فنّ يضمن هذا الاحساس بالانتقال من مكان إلى آخر وأنت جالس في كرسيك.

لا يوجد فنّ يقرّب المسافات بين البشر داخل صالة على اختلاف طبائعم وأذواقهم وخلفياتهم الثقافية وتجاربهم.

لا يوجد فنّ يقترح هذا القدر من التجوال داخل الذات البشرية والطبيعة الآدمية.

***

"مانيفستو" مشروع سينمائي قائم في ذاته تَوَلَّد من الرغبة في مواكبة العصر.

مواكبة الثورة التكنولوجية الرقمية التي ساهمت إلى حدّ بعيد في تتفيه المضمون الإعلامي.

هذه الثورة، على سلبياتها الكثيرة، سهّلت الوصول إلى أكبر عدد، ووفّرت منبراً وقدّمت منصّة عرض لطالما احتكرتها التلفزيونات وتحكّمت بها شروط أصحاب القرار.

***

"مانيفستو" تنطلق من حلم ينمو فينا منذ زمن طويل: الحديث عن السينما بلغة تليق بها.

بلغة تليق بحبّنا لها، بلغة تليق بتاريخها ومنجزها ولحظاتها الأبهى.

بلغة ترتقي إلى عظمة الوقت الذي صرفناه في اكتشافنا للسينما.

بلغة تقدّر لحظاتنا "الضائعة" في الصالات المظلمة.

الأهم، بلغة بعيدة سنوات ضوئية من النموذج الاستهلاكي المكرَّس في السمعي - البصري: شبّاك تذاكر، أرقام، ترايلر، نجوم، جوائز، سجّادة حمراء، الخ.

أي، كلّ هذه اللغة البائدة التي بدا واضحاً ان التلفزيونات في العالم العربي (وبمقدار أقل بكثير في العالم الغربي) لا تعرف سواها في تناول السينما.

لا يعنينا أيٌّ من هذا كله.

نفهم "ضرورة" هذه اللغة في عملية دوران الماكينة الإعلامية الترويجية، لكننا ضد تسطيح السينما واختزالها برقم أو فستان أو جائزة. ضد استبدال الصحافة السينمائية بالصحافة الترويجية.

لذلك، فإن "مانيفستو" بديل متواضع للتناول البائد للسينما في وسائل السمعي - البصري العربية.

***

"مانيفستو" تولّدت من الحاجة إلى الحديث عن السينما بلغتها، أي بلغة الصورة والصوت.

الكلمة المكتوبة في الكثير من الأحيان "مقصّرة" في حقّ الصورة.

لا توفيها حقّها بالكامل. تقف عاجزة.

للكلمة حدود يصطدم بها الناقد مراراً.

الحديث عن فنّ الصورة بالصورة يفتح آفاقاً أخرى، أبواباً كانت مغلقة في الكتابة.

انها الكتابة العصرية، حبرها الضوء ولغتها المونتاج.

***

لا نخفي ان لـ"مانيفستو" موديلاً لا تخشى السير على خطاه: السلسلة السينمائية، "سينما سينمات" التي عُرضت على القناة الفرنسية الثانية من ١٩٨٢ إلى ١٩٩١.

هذا البرنامج الاسبوعي الذي أنجزه ميشال بوجو وكلود فنتورا وآن أندرو، بات مدرسة في كيفية تناول السينما: نمط سينيفيلي بسيط خالٍ من الاستعراض والتعقيد.

***

"مانيفستو" هي محاولة للإفلات من القيود والشروط.

انها محاولة للبحث عن فضاء من الحرية والاستقلالية.

لا "فورما" نهائية، ولا نموذج معلَّب.

الموضوع، وحده الموضوع، يفرض الشكل والمعالجة والاسلوب واللغة والمدّة الزمنية.

لا قيود انتاجية، لا ضغوط من مموّل مسعور.

"مانيفستو" لا تذعن لابتزاز “الجمهور عايز كدة”.

***

"مانيفستو" تُطرَح بلغات عدة: إنكليزي، فرنسي، عربي. تتوجّه إلى جمهور متنوّع، هنا، وهناك، الآن وغداً.

تُسقِط الحواجز على اختلاف أشكالها بين مشاهدي السينما. تخاطبهم باعتبارهم جزءاً من دولة واحدة، دولة السينما، تلك التي ننتمي اليها، ونشعر اننا مواطنون فيها، مقيمين وعابرين، ونحمل جواز سفرها.

***

"مانيفستو" لا تطمح إلى ان تكون مجلّة سينمائية إخبارية تواكب الحدث.

همّنا توثيقي، وموقعنا خارج الموضة والمادة الرائجة وهوس التعليق على كلّ جديد.

ليس التحليل والمقاربة النقدية ما يحفزّنا دائماً، بل حكايات وطرائف تبث الغبطة في قلب السينيفيلي الأكول.

الأفلام التي أحببناها وصاغت ذائقتنا السينمائية هي النبع الذي سنرتوي منه مرةً بعد مرة.

***

لـ"مانيفستو" مواقف واضحة، خصوصاً من القضية المطروحة بقوّة حالياً.

قضية تنوع وسائل المشاهدة.

أيّ وسيلةٍ هي المثلى؟

بالنسبة الينا، لا يوجد طيف من الشكّ بأن المشاهدة في صالة تأتي في المرتبة الأولى.

هي المشاهدة التي ينبغي عدم التفريط بها.

كلّ أنواع المشاهدات الأخرى ثانوية.

مارك كازنز يشرح جيداً لكلّ لبيب، الأسباب التي تجعل المشاهدة داخل صالة غير قابلة للاستبدال. وغير قابلة للموت.

قبله فرنسوا تروفو أعلن: "الفرق بين الفيديو والصالة مثل الفرق بين كتاب نطالعه وكتاب نستشيره".

***

"مانيفستو" نصيرة السينمات الفقيرة المحمولة على الظهر.

ولكن نحن مع السينما الفقيرة متى قالت شيئاً (والقول ليس سياسياً فحسب).

متى حلّقت في فضاء السينما قبل أي شيء آخر.

الشعارات لم تعد مغرية.

ومثلما نحبّ السينمات المستقلّة التي تُنجَز بفضل جهود شخصية ومبادرات فردية، كذلك قلوبنا تهتف للسينما الهوليوودية والسينما التجارية. وسائر أنواع السينمات الشعبية والنخبوية، المعترف بها والمهمّشة، الكلاسيكية منها والطليعية، المنتشرة بكثرة والمتداولة "تحت المعطف".

ثمّ هوليوود، لمَن يعرف تاريخها جيداً، ليست أحدث أفلام السوبر أبطال. أو آخر جزء لـ"حرب النجوم". أو ريميك لـ"مولد نجمة".

هوليوود هي جون واين وغاري كوبر وبيتر فوندا وروبرت ميتشوم وجيمس ستيورات.

هوليوود تعني ريتا هايورث وغريتّا غاربو وكاثرين هببرن وليز تايلور وكيم نوفاك.

انها هيتشكوك وولز وسبيلبرغ وهوكس وتشيمينو.

دعونا نرفع الظلم عن مسألة يشوبها الكثير من سوء الفهم.

***

“مانيفستو” لا تسعى خلف المشاهير، بل خلف الموهبة.

الموهبة لا تعني بالضرورة شهرة.

الشهرة لا تعني بالضرورة موهبة.

***

"مانيفستو" لا تنسى السينما الوثائقية ولا تتجاهل الفيلم القصير.

كلتاهما ضحية الاعلام الذي لا يجد فيهما أي مادة للإثارة والتوظيف.

ثم، السينما، من حيث المبدأ، ولدت قصيرة ووثائقية.

أقلّه ان نعيد الاعتبار إلى الأصل.

هذا، عدا انهما ينطويان على أفكار مجنونة وجريئة غائبة في الكثير من الأفلام الروائية الطويلة.

***

الحلقة الأولى التي بين أيديكم رمزية، احتفالية، تكريمية.

انها القبلة التي أردنا طبعها على جبين السينما والتذكير ببعض ما نحبّ فيها.

أردنا اعطاء الكلام للمخرج والسينيفيلي والمؤرخ البريطاني الكبير مارك كازنز.

مارك كازنز أرّخ للسينما في فيلمه الوثائقي، "قصّة الفيلم"، من وجهة نظر مغايرة.

مارك كازنز حكّاء لامع، يتنفّس سينما، لا ينقصه الشغف ولا تغيب عن باله معلومة.

قابل كبار السينمائيين في العالم، من مارتن سكورسيزي إلى عباس كيارستمي.

مارك كازنز كاتم أسرار السينما، لا يمانع تسليمها لك اذا عرفتَ كيفية استدراجه.

انه مرجع نعتز به و"عرّاب" يسعدنا الافتتاح بكلامه الذي يدفعك إلى الركض في إتجاه أقرب سينما.

كلّ واحد منّا يجد شيئاً من ذاته في مارك كازنز.

هذا الذي كرّس حياته للحكي عن السينما.

مَن أنسب منه لاطلاق "مانيسفتو"؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم