الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

أرشيف "النهار" - هكذا وصل السادات الى خيار التعامل مع اسرائيل

المصدر: "النهار"
Bookmark
أرشيف "النهار" - هكذا وصل السادات الى خيار التعامل مع اسرائيل
أرشيف "النهار" - هكذا وصل السادات الى خيار التعامل مع اسرائيل
A+ A-
في هذه الحلقة (10) من كتاب، "عواصف الحرب والسلام" يتوقف محمد حسنين هيكل عند عملية تطويع العقل العربي لقبول فكرة السلام مع اسرائيل، ويعتبرها الاخطر في هذه المرحلة. واعاد نشر بيان الكتّاب والادباء الذين نشروه في بيروت في 8 كانون الثاني 1973 وفيه دعوة الى حل سلمي. وكان يقود هؤلاء الكتّاب توفيق الحكيم. وكانت نهاية هذه المرحلة وقوف السادات في مجلس الشعب المصري في 9 تشرين الثاني 1977 واعلانه: "لقد جربنا كل الخيارات، والآن نجرب خيار السلام". وتنشر "النهار" كتاب هيكل، وهو الثاني في ثلاثية، بترتيب خاص مع "دار الشروق" في القاهرة. 10 "الاهرام" "اسمع... توفيق الحكيم يحلم بالحصول على جائزة نوبل..." (الرئيس السادات لمحمد حسنين هيكل اثناء ازمة بيان الأدباء). سوف يثور عند هذه اللحظة من مسار الحوادث وسياقها، سؤال كبير: - كيف امكن هذه التحولات، بداية من تلك النهاية الغريبة لحرب اكتوبر، الى فك الارتباط الاول، الى فك الارتباط الثاني بكل ما ترتب على ذلك من عواقب ادت الى انقلاب كامل في استراتيجيا مصر، ان تحصل بهدوء ودون ان تثير مقاومة او ردة فعل توقفها او تقلل من سرعة جريانها؟ وهل كان الشعب المصري قطيعا يساق فينساق؟ وهل كانت الأمة كلها متفرجا عاجزا على محاولة لفك "محرماتها: مقدساتها"؟ ثم أليس غريبا ان يحدث هذا عقب تجربة حرب اكتوبر، وهي تجربة اثبتت فيها مصر، واثبتت فيها الأمة العربية كلها، استعدادها لعطاء العلم والشجاعة والدم حماية ل "مقدساتها: محرماتها". ثم إن العالم كله لم يكن قريبا من فهم اشكالية الصراع العربي - الاسرائيلي اكثر مما كان في تلك التجربة؟ والحقيقة ان الشعب المصري لم يكن قطيعا، ولا كانت الأمة شاهدا عاجزا، ثم إن العالم لم يكن تحت تأثير نوع من الدوار احدثه زلزال اكتوبر بما فيه صدمة النفط! لقد كانت هناك عوامل موضوعية متعددة المستويات جعلت الانقلاب ممكنا، واقامت له جسورا بدت مأمونة حلت محلها جسور العبور التي حفها الخطر من كل ناحية.  كانت هناك عوامل مصرية سياسية واقتصادية واجتماعية.  وكانت هناك عوامل عربية ذات طبيعة سياسية واقتصادية واجتماعية.  وكانت هناك عوامل دولية تتعلق بموازين القوى وصراع العقائد.  وكانت هناك عوامل فكرية هبت على العالم كله، وكان العرب في موقعهم وسط الدنيا مكشوفين امامها دون تحصين ودون دفاع، واسوأ من ذلك دون مساهمة في فهم الجديد والتحاور معه! كانت العوامل المتعددة المصادر تمتزج ببعضها البعض وتشكّل خطا متصلا يمكن تعقب مساره حتى في المساحات التي حلت فيها الظلال والنقط محل الخطوط والزوايا القائمة: 1- كان الشعب المصري مرهقا بمسيرة طويلة، عنيفة ومضنية، مشى اليها مع جمال عبد الناصر: سلسلة لا تتوقف من المهمات والطموحات، ومن الصراعات والمواجهات، من قيام الثورة الى بناء نظام اجتماعي جديد، الى الاصرار على الاستقلال، الى قيادة تيار عربي رئيسي فاعل من المحيط الى الخليج، الى بناء السد العالي، الى تمصير كل المصالح الاجنبية، الى بناء الصناعتين الثقيلة والاستهلاكية، الى استزراع الصحراء، الى التصدي للقوى الكبرى في المنطقة، الى استمرار المواجهة مع اسرائيل. وكان جمال عبد الناصر يعرف اكثر من غيره طبيعة وتكاليف المسيرة التي يقود الشعب المصري والأمة العربية عليها. لكنه على نحو ما كان يتصور انه ليس امامه الا ان يتحرك بأسرع ما يمكن، وكان تعبيره عنها في اجتماع عقده مع المهندس صدقي سليمان حينما كلفه تأليف الوزارة بعد نجاحه على رأس جهازه في بناء السد العالي في الموعد المقرر له تماما. فقد قال له في جلسة التكليف التي عقدها معه يوم 9 سبتمبر (ايلول) 1966: "إن الناس عرفوك في تجربة السد العالي على اساس انك رجل قادر على الانجاز، وهذا بالضبط ما اريده منك". ثم استطرد: "انني اعرف ان الناس ايضا يلهثون بعد مشوار طويل، لكننا يجب الا نتوقف، وانما علينا ان نستمر حتى نخلق حقائق يصعب على أحد ان يتراجع عنها في زمن قادم. إن الاعمار بيد الله، وانا لا اعرف متى يحين الاجل، ولا اعرف من سيأتي بعدنا. ولهذا فإن علينا ان نبني بسرعة لكي نجعل الرجوع الى الوراء صعبا اذا جاء من يحاوله!". وبصرف النظر عن التصورات والرؤى، فإن الحقيقة هي ان الشعب المصري كان يلهث بالفعل بعد سباق له بداية ولا تبدو له نهاية. 2- وفي هذه اللحظة المتعبة وقعت ضربة عام 1967، واحدثت الضربة شرخا في البنيان الوطني المصري امتد اثره الى التركيبة القومية بما هو معروف من ظروفها واحوالها. وفي لحظة واحدة بدا البطل القومي رجلا جريحا، وخرجت جموع الشعب المصري وجموع الأمة كلها يومي 9 و10 يونيو (حزيران) تؤيده على رغم الهزيمة وتطلب منه البقاء لمواجهة آثارها بعدما خطر له ان يخلي موقعه لغيره. وكان ذلك نوعا من الدواء لجرحه. وراح يعمل كما لم يعمل من قبل في حياته، وهو يدرك ان استعادة الثقة "بما هو ممكن الى آخر حدود الممكن" تفرض عليه تضحيات عالية في الاحتمال، وفي القدرة على الصبر، وفي ترويض المشاعر بما فيها الكبرياء. ولم تخذله ارادته، ولكن قلبه خذله ورحل عن الدنيا بعدما صادق على مشروع خطة العبور الاولى، وهي الخطة "غرانيت(1)". وكان الناس في ذهول امام مشهد الرحيل المفاجئ والحزين، ولم يكن في مقدورهم غير ان يجعلوا نعشه قاربا يسبح في نهر من الدموع. 3- وعقب رحيل جمال عبد الناصر تلفت الناس ليجدوا في موقعه صراعا على السلطة بين خلفائه، واقلقهم هذا الصراع كثيرا وملأهم خوفا من المستقبل. ثم خرج انور السادات من الصراع منتصرا على الآخرين، لكنه كان بالنسبة الى الشعب المصري - في ذلك الوقت - احتمالا معلقا لا يستطيع أحد تقدير وزنه، او يطمئن الى انه يستطيع وراء قيادته ان يخوض اقسى تجربة تنتظره، وعليها يتوقف المستقبل والمصير. وفي سنواته الاولى في الحكم فإن انور السادات لم يكن في مقدوره ان يصنع المعجزة. وقد بدا امام الناس رجلا لا يملك غير كلمات عن الصبر والصمت مرة، او عن سنة الحسم مرة اخرى، والسنة تفوت ونجد وراءها سنوات اخرى بلا حسم، والصبر صعب والصمت مستحيل. وكان الواقع ان انور السادات، اذكى مما تصورته جماهير مصر والعالم العربي، وكان قادرا على الحركة بأكثر مما بدا من عجزه. ثم انه في لحظة اليأس من الحل ملك شجاعة اصدار القرار، ثم عبور جسور السويس، ولاحت انتصارات الايام الاولى وعداً تحقق ومعجزة ظهرت بشارتها، ومن ثم تصوّر الناس انها نقطة الوصول وتنفسوا الصعداء. ولم يخطر في بال كثيرين ان النتائج العسكرية في الحرب المحدودة هي في الواقع نقطة البداية للحرب الحقيقية... حرب التحقيق السياسي لاهداف القتال. 4- وكان معظم الناس في واقع الامر قد اصابهم الاعياء من طول ما ساروا على الطريق، كما ان انفاسهم اللاهثة كانت تدعوهم بقسوة الى التوقف والقعود اذا امكن. وكان هناك عنصر يضغط بشدة على اعصابهم وآن له ان يفك قبضته، وهو يتمثل في ان جيلا بأسره من ابنائهم - مليون شاب تحت السلاح - عاشوا ست سنوات من 1967 الى 1973 داخل معسكرات الصحراء، وفي خنادق القتال، وعلى ضفاف القناة مع الخطر طوال حرب الاستنزاف - ثم الى المشهد المجيد للعبور. وكان الناس يريدون لاولادهم ان يعودوا الى دراستهم او الى عمل تتوافر لهم فرصته، والى حياة يستطيعون البدء في بنائها تحت اجواء تسمح لهم بحياة افضل في ظروف سلام. 5- وكان حلم السلام مخدرا يسري في اعصاب كثيرين، خصوصا مع ثورة اسعار البترول التي قلبت موازين القوة الاجتماعية في العالم العربي، وسمحت للبعض بالوان من الترف الاستهلاكي اطارت ما تبقى في عقول الناس من القدرة على البصر والنظر الى الغد قبل الاستسلام الى غواية اليوم، بل هذه الساعة، وهذه الدقيقة. وكان الناس في مصر عامة يتصورون ان وطنهم اغنى الاوطان العربية، ولكن الصورة التي تبدت امامهم اثارت مخاوفهم من انهم اصبحوا افقرها، وكان عليهم ان يسابقوا بعضهم ويسابقوا غيرهم الى ابواب الثراء. وفجأة اذا الخلط شديد بين السعر والقيمة. 6- وكان انور السادات يريد ان يؤسس شرعية مستقلة له عن شرعية جمال عبد الناصر، وقد اعتقد ان قرار اكتوبر يعطيه الحق في شرعية جديدة، وكان في ذلك محقا الى حد كبير، لكن الشرعية لا تستطيع ان تستند الى قرار...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم