الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

"آباء قتلة وجلادون"... ماذا يحصل في مصر؟

المصدر: "النهار"
القاهرة-ياسر خليل
"آباء قتلة وجلادون"... ماذا يحصل في مصر؟
"آباء قتلة وجلادون"... ماذا يحصل في مصر؟
A+ A-

ويطرح هذا المشهد المصور، والعديد من حوادث العنف، والتعذيب، والاغتصاب، والقتل، التي تعرض لها مؤخرا أطفال مصريون على يد آبائهم، دون توثيقها، العديد من التساؤلات حول أسبابها، وما الذي أدى إلى هذا التحول في مشاعر الأمومة والأبوة.

وتحركت السلطات لإلقاء القبض على الأم وإيداع الطفل دار رعاية، حسبما أكدت وسائل إعلام محلية، بعد ساعات قليلة من انتشار مقطع فيديو "طفل البلكونة" الذي أثار ضجة كبيرة في أوساط المصريين.




وبات المواطنون يتلقون الصدمة تلو الأخرى، لتهتز مع كل واقعة الصورة الذهنية البراقة والحنونة للأب والأم، إلى حد دفع بعض المدونين إلى نشر مقاطع فيديو لحيوانات تظهر في حالة حزن شديد على موت أطفالها، أو تدافع عنها بشراسة ضد الضواري والحيوانات المفترسة.

حوادث قتل متعاقبة

قبل أيام قليلة، فوجئ الرأي العام المصري، بقصة أم اصطحبت طفلها من الإسكندرية إلى القاهرة، وخلال إقامتهما في أحد فنادق منطقة وسط المدينة، قامت بذبحه، ووضعته أسفل سريرها، ثم غادرت الفندق بدم بارد، وكانت المفاجأة التي كشفتها التحقيقات، أنها كانت قد خنقت طفلتها منذ سنوات، خلال وجودها مع زوجها أثناء عمله بإحدى الدول الخليجية.

تلقى المصريون القصة الصادمة بعد بضعة أيام من وفاة طفل آخر انهالت عليه أمه ضرباً بسبب بكائه المتواصل. وأوردت تقارير إعلامية إن سبب البكاء الدائم للطفل الذي انفصلت أمه عن أبيه وتزوجت من أحد مقاولي العقارات، هو انشغالها والدته بعملها وإهمالها له، حسبما أفادت تقارير صحافية محلية.

ومع نهاية العام الماضي ومطلع العام الجديد كانت الحادثة الأكثر ضجيجا هي قيام طبيب بقتل زوجته (الطبيبة) وأبنائهما الثلاث ذبحا. وشهد العام 2018 العديد من حالات قتل أودت بحياة بعض أفراد الأسرة أو جميعهم، موتا بالسم، أو بالذبح، أو غرقا في مياه نهر النيل.

"فقدان الهوية"

يقول الدكتور جمال فرويز استشار الطب النفسي لـ"النهار": "إن ما يحدث لا يمكن اعتباره ظاهرة حتى الآن، لأنه حتى نعتبره ظاهرة، لا بد أن يقع بين 25% من المواطنين على الأقل، ولكن ما نراه هو سلوكيات غريبة عن المجتمع المصري".




ويرى الأستاذ الجامعي إن "هذه الجرائم نتاج للانحدار الثقافي الذي تمر به مصر منذ السبعينيات من القرن الماضي، مروراً بصعود التيار السلفي، وبيع القطاع العام، والانفتاح الاقتصادي الذي دمر الهوية المصرية، وانفصال التربية عن التعليم، والانفلات الأمني الذي حدث في أعقاب ثورة 25 كانون الثاني 2011".

"للأسف الشديد كل هذا أثر على الشخصية والهوية، فبدأنا نفقد روح الأب والأم المصرية، وروح بنت وابن البلد، وروح الحارة الشعبية، ووصلنا إلى مرحلة أن القيم الدينية أضحت شكلية فقط، تقتصر على إطلاق اللحى، وارتداء الخمار والنقاب، ولكن دون سلوكيات قويمة" يقول فرويز.

ويضيف: "على المستوى الاجتماعي أضحى الشعور بكلمة أب وأم وابن وابنة، لا وجود له، لذا نرى الابن يقتل أباه أو الابنة تقتل أمها، أو العكس، ولو استمر هذا الحال سيكون القادم أسوأ، وإذا لم تتقدم الدولة بعلاج سريع لهذه الأزمة، ستحدث كوارث".

والعلاج لا بد أن يكون ثقافياً. ويقول استشاري الطب النفسي: "نحن بحاجة إلى استعادة الهوية المصرية، وهذا يحدث من خلال الإعلام المرئي، وإنتاج مسلسلات ترسخ مفاهيم الأمومة والأبوة، وأن تعود التربية للتعليم مرة أخرى، ومراكز الشباب تستعيد دورها مرة أخرى في اجتذاب الشباب بدلا من أن تتركهم ضحايا للمخدرات، وقد بدأت الحكومة في فعل هذا مؤخراً، ولكن للأسف فإن الوزراء يعملون كجزر منعزلة، ولا بد أن توضع وتنفذ خطط ممنهجة، حتى تتجاوز مصر هذه الأزمة".

"تضخيم إعلامي"

ويقول الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأميركية لـ"النهار" إن للإعلام دوراً مهما في تضخيم هذه الجرائم، وتكثيف الحديث عنها، خاصة في الأوقات التي لا يجد فيها مادة صحافية جاذبة للقراء".

لكن عالم الاجتماع المعروف لا يستبعد أن يكون "للسياسات دور في خلق أوضاع اقتصادية تؤثر على المواطن العادي، الذي لا صلة له بالجريمة، وقد تدفعه إلى ارتكاب جرائم لم يعتد على فعلها".

ويشير إلى أن "بعض الأشخاص يلجأون إلى قتل أبنائهم والانتحار لأنهم يخافون عليهم من المستقبل، نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها. كما أن هناك حوادث عدة، شاهدنا الأب أو الأم يقتل أولاده بهدف الزواج".

مبادرة برلمانية

واقترح النائب البرلماني محمد العقاد عقد جلسات حوار مجتمعي للوقوف على أسباب زيادة هذه الجرائم التي تعد جريمة في حق الأطفال، والتي "أصبحت منتشرة بكثرة في العديد من محافظات الجمهورية والأمر لم يعد قاصراً على فئة أو شريحة بعينها" حسب بيان أصدره النائب مؤخرا.

وطالب النائب بتوجيه "دعوة إلى كل الفئات المعنية بالأمر: سواء وزارة الصحة للوقوف على الحالة النفسية، والتعليم لمعرفة ما اذا كان له دور في ارتكاب مثل هذه الجرائم، والداخلية لمتابعة الصحيفة الجنائية لهؤلاء الأشخاص الذين اقل ما يوصفون به أنهم غير أسوياء".

وشدد على "ضرورة توجيه دعوات لرجال الدين والعلماء وأساتذة الجامعات وعلماء التربية وأخصائيين اجتماعيين وبعض الحالات أصحاب هذه الجرائم لدراسة السبب الحقيقي لارتكاب هذه الجرائم، وضرورة تشديد عقوبة العنف الأسرى لتصل للسجن المشدد والإعدام وفقا لطبيعة كل حالة، ولهذا لابد من سرعة تعديل قانون الطفل للحفاظ على كيان الأسرة المصرية".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم