الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

منظومة الفساد ولبنان الغد

المصدر: "النهار"
ميشال الشمّاعي
منظومة الفساد ولبنان الغد
منظومة الفساد ولبنان الغد
A+ A-

يخضع لبنان اليوم لعمليّة تبدّل في منهجيّة الفكر الاقتصادي – السياسي منطلقها الأساسي التّغيير الحاصل في محيطه الحيوي الجيوبوليتيكي. وممّا لا شكّ فيه أنّ هذه النّزعة التّحديثيّة قد واجهت منظومة فساد تمّ مأسستها، حتّى باتت هي عينها المؤسّسات التي قامت عليها دولة ما بعد الحرب في لبنان. فهل سيستطيع لبنان تحقيق هذا الانتقال في ظلّ هيمنة واضحة لمنظومة الفساد؟ وهل سينخرط لبنان في عمليّة التّغيير السياسي المرتقب في المنطقة من دون المسّ بجوهر كيانيّته الوجوديّة؟

يبدو أنّ الأزمات التي أدّت إلى تفكّك الدّول الرّيعيّة في الشّرق الأوسط القائمة أساسًا على الانتفاع من العائدات الهيدروكربونيّة ستطول أكثر لأنّها قد انتقلت حتمًا من ربقة هذا النّظام القديم؛ ولكنّها لم تستطع بعد أن تدخل في ركاب النّظام العالمي الجديد الذي سيقوم على اللبرلة الاقتصاديّة. إلّا أنّ هذا التطوّر المنشود الذي لم يتواكب مع الاصلاحات السياسيّة الهادفة قد أدّى بالمجتمع اللّبناني إلى التحوّل الهيكلي نحو قطاعات الخدمات غير النّظاميّة، حيث تدنّت قيمتها مع عدم الاستقرار السياسي الذي هيمن على الوضع العام في لبنان، لا سيّما في هذه المرحلة الأخيرة حيث غابت معظم مقوّمات الدّولة الدّستوريّة عن كيان الدّولة اللّبنانيّة.

من هنا، صارت الوظائف المعروضة على العموم غير إنتاجيّة ومنخفضة الأجر. وهذا ما دفع بالشباب اللّبناني إلى المزيد من الهجرة للبحث عن فرص استثماريّة جديدة خارج نطاق لبنان والمنطقة العربيّة المضطربة أساسًا.

وبناء على ما سبق، فقد أدّى ذلك إلى تضخّم في القطاع العام نتيجة لجوء معظم جيل الشباب الذي لم يتبقّى امامه أيّ فرصة عمل سوى اللّجوء إلى هذا القطاع ، لكن هذا التضخّم لم يكن مقوننًا، حيث تمّ اللّجوء إلى بدعة التّعاقد الوظيفي وفقًا لمعايير الانتماءات الطّائفيّة، والسياسيّة الحزبيّة الضيّقة. فبات القطاع العام متخمًا حتّى بموظّفين غير شرعيّين، وكما جرت العادة في لبنان، صار البحث اليوم في كيفيّة قوننة هؤلاء كلّهم، من دون الأخذ بعين الاعتبار للحالة المذرية التي وصل إليها هذا القطاع.

وما زاد في تفشّي منظومة الفساد أكثر وأكثر المحسوبيّة المتضخّمة حتّى باتت هي الوباء في الدّولة. وبحسب تقرير للبنك الدولي صادر في العام 2015 تحت عنوان : " الوظائف أو الامتيازات: إطلاق الامكانات لخلق فرص العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، ورد الاتي :" وبما أنّه من الصّعوبة بمكان تحديد الفساد والاستئثار الاقتصادي كميًا، فقد وجد البنك الدّولي دلائل على أنّ الشركات التي تتمتّع بارتباطات سياسيّة، تحظى بامتيازات اقتصاديّة في عدد من دول الشّرق الأوسط، وتعيق نموّ الشّركات الصّغيرة الفتيّة التي يفترض فيها أن تكون هي الرّافعة على خلق الوظائف."

من هذا المنطلق، يجب العمل في لبنان على فكّ الارتباط بين كبريات المؤسسّات الاقتصاديّة ورجال السياسة، وذلك للحدّ من النّفوذ السياسي فيها، بهدف إعادة إحياء الشّركات الصّغيرة، وذلك لإرجاع الوظائف التي تمّ إبادتها. هذا من ناحية الشّركات الخاصّة. أمّا في القطاع العام فيجب التوجّه نحو عدم مبادلة الفساد السياسي بالاستقرار الاقتصادي الموعود، كما حدث مع الدّول الخليجيّة التي بادلت الرّفاه النّاتج من العائدات النّفطيّة بالحرّيّة السياسيّة. وذلك عبر الدّخول في القطاع العام تحت منظومة الفساد عينها.

وممّا لا شكّ فيه أيضًا أنّ العقود الاجتماعيّة التي قامت عليها دول المنطقة في مرحلة ما بعد الانتداب قد باتت بالية رثّة مهترئة. من هنا، ضرورة إعادة كتابة هذه العقود على أسس الحرّيّة الكيانيّة الشّخصيّة قولا وفعلا، وعدم الاكتفاء بالنّصوص التي تخضع النّفوس. ويجب أن نتنبّه في لبنان تحديدًا من الوقوع في الشّرك الذي وقعت فيه الدّول النّفطيّة، لا سيّما بعدما قد تفضي إليه اكتشافات الغاز في البحر الأبيض المتوسّط. وحذارِ أن نتحوّل إلى دولة ريعيّة تبادل فيها الحرّيّة بالرّفاه الاقتصادي.

حرّيّتنا الكيانيّة الشّخصيّة هي جوهر وجودنا في لبنان. ولن نكون نسخة جديدة عن دول المنطقة التي فشلت بالتحرّر الحضاري، مع إيماننا المنطلق بضرورة إخضاع نظامنا السياسي لتطبيق ما لم يطبّق منه بعد حتّى يصار إلى تطويره بطريقة يتلاءم فيها مع التطوّرات والحداث الدّائرة من حوله في المنطقة. فهل سيكون لبنان الغد النّموذج الذي سيحتذى به في سائر دول المنطقة؟ أم أنّنا سنخضع أكثر وأكثر لمنظومة الفساد السياسي والاقتصادي في الشرّق الوسط الجديد الموعود؟ وهل سنصل إلى قناعة مفادها أنّ الأنظمة السياسيّة الجديدة يجب أن تكون على قاعدة اتّحادات الاثنيّات بعد فشل ديكتاتوريّات العائلات والحزب الواحد؟

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم