الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

المشهد الأخير" لمي منسّى "الحلوة" المُرتفعة للقاء النبلاء

فاطمة عبدالله
المشهد الأخير" لمي منسّى "الحلوة" المُرتفعة للقاء النبلاء
المشهد الأخير" لمي منسّى "الحلوة" المُرتفعة للقاء النبلاء
A+ A-

خبّأت المرض في جسد رفض الاستسلام أو الوقوع في فخّ التعب المطلق. كان تعباً مرهوناً بالوقت. ببعض اللحظات الصعبة، لكنّه حمل في أعماقه عشقاً مذهلاً للحياة وإرادة العيش بشغف. ترحل الزميلة في "النهار"، الأديبة والصحافية مي منسّى عن ثمانين عاماً تمضيها بتناقضاتها كافة، بفصولها وعصفها ونسائمها، هي التي ظلّت تكتب حتى النهاية، تاركةً أعمالاً أدبية، آخرها "قتلتُ أمي لأحيا"، التي دخلت القائمة الطويلة لجائزة "البوكر".

ما معنى أن يكون الإنسان منذوراً للكتابة؟ وأن يبني مع الورق علاقة عاطفية لا تعرف احتراقاً، أو ربما تحترق لتتوهّج وترتقي إلى مستوى الشمس؟ مي منسّى من هذا الصنف. احتراق حدّ الوجع، ثم التكتّم عليه، ومداراته أمام العيون، والاحتفاظ به لليالي وصمتها ووحشتها، والقلم وصرخاته وما يلحّ عليه من سرد يُحاكي الانتظار والكآبة ثم الإشراق في فجر اليوم التالي والابتسام لأول عصفور على الشجرة.

جعلت من الكتابة رسالة سماء. أو ربما كانت دعوتها، على الطريقة المسيحية الصافية، حيث المحبة هي فعل وردّ فعل، والطِيبة هي جسر الحياة. كتبت للنغمة، لجدران الكنيسة، للعازف وقائد الأوركسترا، وللوداعات والولادات المستمرة في هيئة صيرورة إنسانية. وكتبت للجوهر المتجسّد في نوتة تتصاعد إلى العُلا، فتتشكّل كأنّها غيمة مستعدّة للمطر، وكأنّها عطاء كلّي لا ينتظر مقابلاً، وجوهر يتجسّد في خشبة مسرح، وما تدور عليه من حكايات وإيحاءات، ورقص، وأعذار، والتباس. مسرح الحياة مقارعاً مسارح القدر، بالاصطدام تارة والتنازل والضربات القاضية، وتارة بمَدّ اليد واللُحمة والورود المغتسلة بقطرات ندى.

صمّمت لنفسها أشرعة تتحدّى العاصفة، وقفت ضاحكة في مواجهتها، راسخة، كأنّها من أوراق لا تتساقط. ما سقط هذه المرة هو الخريف كاملاً، بالأصفر واليباس والتقلُّب والهبّات الباردة والساخنة. أذنت له مي منسّى بالنزول عن كتفها. هذا الفصل الذي يجرف الابتسامات، ويمجّد بذور الكآبة، لتفتح الذراعين للقيامة، حيث الحبّ وحده، واللازمان واللامكان، واستراحة الذاكرة المضرّجة.

مواضيع ذات صلة

مي منسى فراشة "النهار" والأدب وشغف الحياة... صدمة الرحيل

رفعت الجامعة الأنطونية اسمها على جداريتها في العام 2015. وكانت ولادة "مي منسّى: حبر تعشقه الكلمة"، سيرتها الإنسانية والأدبية، وتفاصيلها بين ورود حديقتها وزوايا المنزل. يتحدّث بسّام برّاك، المُشرف على الكتاب، عن "النهمة الأكولة" التي "تشكلت من تجارب ثقافية وتجربات حياتية وتضرجت فترونقت وهي تختم جرحاً لتفتح يديها مستقبلةً جرحاً آخر بإيمان الكلمة، والكلمة شفاؤها". وفي الحفل عينه، نظر رفعت طربيه نحو "مي الحلوة"، قائلاً: "كلّ إبداع مدين لك بساعات وأيام وأسابيع وشهور وسنين من الكدّ والاجتهاد والمثابرة والمتابعة، أمضيتها خدمة لمجد الإبداع من دون أن ننسى مؤلفاتكِ وكتبكِ التي لها الصدارة في مكتبتنا اللبنانية". يعمّق رحيلها معنى الحزن والوداعات القاسية. تتخبّط صورة الجسد المُسجّى- مُتخيَّلاً في هذه اللحظة- مع صورتها ضاحكةً وهي ترتب الجرائد على مكتبها في "النهار"، أو مغادرةً إلى عرض مسرحي أو أمسية موسيقية، ولقاء المصادفة الذي يتكرّر دائماً على باب المصعد.

صاحبة "أوراق من دفاتر شجرة رمان" و"أنتعل الغبار وأمشي" (القائمة القصيرة للبوكر- 2006)، تمشي ليلاً، حيث العالم في الخارج بارداً فجاً. ترحل تاركةً "ماكينة الخياطة"، ساعتها الرميلة وتماثيلها المصدّعة، راسمةً بوقار المرأة الأديبة، والفنانة المُحلّقة، "المشهد الأخير"، "حين يشقّ الفجر قميصه"، فيهمد الجسد لتحلّق الروح عالياً، حيث لقاء النبلاء.

[email protected]

Twitter: @abdallah_fatima

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم