الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

قواعد السينما الوثائقية الـ10 بحسب فيكتور كوساكوفسكي

المصدر: "النهار"
قواعد السينما الوثائقية الـ10 بحسب فيكتور كوساكوفسكي
قواعد السينما الوثائقية الـ10 بحسب فيكتور كوساكوفسكي
A+ A-

"أعيش على متن طائرة، ألفّ الكرة الأرضية"، يقول المخرج الروسي الرحّالة فيكتور كوساكوفسكي عندما أسأله عن مكان اقامته خلال لقاء جمعني به في الجونة (أيلول من العام الماضي). بدأ اللقاء ونحن لا نعرف أين نجلس وسط زحام مقرّ المهرجان المصري الناشئ، وانتهى بعناق حارّ ختاماً لنحو ساعة من الدردشة.

شارك كوساكوفسكي في الجونة بـ"أكواريلا"، أحدث أفلامه الذي انطلق من مهرجان البندقية، وهو عمل سينمائي لا يشبه أيّ عمل آخر. فهذا بديهي عندما تقرأ في آخر الجنريك اسم الفنّان الذي أنجزه: هاوي تحديّات كبرى سبق أن أبهرنا بفيلمه "فيفان لاس أنتيبوداس" (٢٠١١). من إسبانيا إلى نيوزيلندا، ومن روسيا إلى تشيلي، فمن البريّة في الأرجنتين إلى مدينة الحداثة في الصين، كان هذا العمل رحلة مدهشة يقدّمها كوساكوفسكي الذي صرّح ذات مرة: "لا تنجز فيلماً إن كنتَ قادراً على الاستمرار في العيش من دون أن تنجزه". إلى هذا الحدّ، السينما عنده تختلط بالحياة والتجربة المعيوشة.

"أكواريلا" احتفاء بالمياه والجليد وبالكتل المتجمّدة. في هذا الاحتفاء شيء صوفي. ولكن، كيف يمكن الشاشة ان تحتفي بشيء كالمياه؟ الاجابة عن هذا السؤال تتوفر عبر مشاهدة الفيلم الذي يضمن تجربة انغماس ممتعة نادرة جداً في مجال الفيلم الوثائقي الذي غالباً ما يهمل المعالجة البصرية لصالح الكلام. من البحيرة المتجمدة في سيبيريا إلى الأمطار الغزيرة في الولايات المتحدة، مروراً بقوس قزح تطل فجأة، يكاد الفيلم يُغرقنا في جمال لا نملك ترف التحديق فيه من دون السينما.

بدأ هذا المخرج الخمسيني المعادي لبوتين، حياته المهنية كمساعد كاميرامان، ثم عمل لفترة في التوليف. تدرّب على التقنيات منذ سنّ المراهقة، الأمر الذي مكّنه من تولّي المناصب كافة في أفلامه. أسلوبه يتأرجح بين النفس التجريبي والنمط الذي يولي الصورة الإهتمام الأول. في فيلمه "اصمت!" الذي أحرز نجاحاً مهمّاً في المهرجانات الدولية، صوّر كوساكوفسكي مناظر من شبّاك غرفته في سان بطرسبورغ. بالنسبة اليه، على الفيلم ان يغيّر صاحبه، لا ان يسعى صاحب الفيلم إلى أن يغيّر العالم. نال جوائز عدّة، منها جائزة لجنة التحكيم الخاصة عن "بافل وليالا" (١٩٩٨) في مهرجان أمستردام للفيلم الوثائقي ("إيدفا"). أيضاً في أمستردام قدّم في احدى الدورات، قواعده الـ١٠ لصناعة الفيلم الوثائقي، التي لا يلزمه بها أحد غيره. مع كوساكوفسكي، أردنا استعادة هذه القواعد مع بعض التحديث. فهي على بساطتها، قد تشكّل مصدر إلهام للسينمائيين الناشئين.

١ – "لا تنجز فيلماً إن كنتَ قادراً على الاستمرار في العيش من دون ان تنجزه"

يوجد إفراط في عدد الأفلام المنتجة سنوياً. علينا ان نكون متأكدين من اننا نقدّم شيئاً يخرج عن المألوف. اذا كنت تفتقر إلى المقاربة الفنية المميزة، فلماذا تنجز فيلماً؟ لسنا الأمم المتحدة، لا يسعنا تغيير العالم. لا يسعنا الترويج للفكر السياسي السليم. الشيء الوحيد السليم هو الفنّ الخالص. لا يمكن توظيف السينما لهدف آخر غير الفنّ. لهذا السبب، لا أنجز أفلاماً كثيرة. لا أنجز سوى الأفلام التي أحتاج إلى انجازها. قبل "أكواريلا"، آخر فيلم قدّمته كان قبل عشر سنين. لا أستطيع ان أمنع نفسي من ان لا أكون مخرجاً.

٢ – "لا تصوِّر إن كنتَ تنوي قول شيء ما، صوِّر فقط اذا احتجتَ ان تري شيئا ما"

في أفلامي، لا أقول الا ما يمكنني ان أقوله بالصورة. والا ليست عندي رغبة في انجاز فيلم. فلمَ أنجز فيلماً اذا أستطيع ان أكتب مقالاً؟ "أكواريلا" مثلاً لا يمكن وصفه؛ عليك مشاهدته. مهما قلتَ لن يكفي. الحلّ الوحيد هو مشاهدته. المشاهدة توفّر تجربة مختلفة لن تعيشها بغيرها من الطرق.

٣ – "حاول ان تبقى إنسانوياً، خصوصاً اثناء المونتاج"

عندما كنّا نصوّر "أكواريلا"، التقطت الكاميرا بالمصادفة مشهد رجل يموت بعدما غرقت سيارته في الجليد. وضعني هذا أمام سؤال أخلاقي: إما نمتنع عن إستعمال هذا المشهد في الفيلم، وإما نضع حياتنا في المستوى عينه من الخطر. فقررنا ان نضع حياتنا في الخطر. لا يمكننا إنجاز فيلم الا اذا خاطرنا بحياتنا. لأكثر من خمس مرات، كدنا نموت.

٤ – "لا تصوِّر إن كنت تعلم مسبقاً ما تريد قوله"

اذا كنت تعلم مسبقاً ماذا ستقول في فيلمك الوثائقي فلا داعي لإنجازه. الأجدر بك ان تصبح مدرّساً. من السهل تلخيص "أكواريلا" لأن شخصيته الرئيسية هي كتلة جليد. كتلة الجليد هذه عشرة في المئة منها فوق مستوى المياه والباقي تحته. للحصول على نتيجة سينمائية جيدة، يجب ان أعرف عن التسعين في المئة الغارق في المياه. وعليّ ان أعرف كذلك عشرة أضعاف ما تعرفه. من أجل صناعة هذا الفيلم، التقيتُ كلّ العلماء المتخصصين بالمياه. سافرتُ إلى بضعة بلدان للقائهم وفهم ما هو الشيء في المياه الذي يعصى على الفهم. حتى وإن لم أضع أياً من هذا في الفيلم، لكنني أعلم بوجوده بطريقة أو بأخرى. أفضّل الفيلم الذي يغيّرني. نيوتن قال: "ما نعرفه نقطة، ما لا نعرفه محيط". كان هذا الدافع خلف الفيلم. ولكن حين انتهيتُ من التصوير، اكتشفتُ اننا لا نعرف حتى نقطة. حتى تلك النقطة لا تزال سراً.

٥ – "صوِّر فقط ما لا تعلم اذا كنتَ تحبّه أو تمقته"

لا تصوِّر شيئاً تحبّه أو تمقته. الشكّ أساسي لصناعة السينما. صوِّر فقط عندما تحبّ وتمقت الشيء في الآن نفسه. لماذا أقول انه يجب الاّ تصوِّر شيئا تحبّه أو تمقته؟ لأنك ستبحث عن أدلّة لعظمة هذا الأمر أو رداءته، ومن دون ان تعي ستقع عاجلاً أم آجلاً في البروباغندا. هذا لا يحمّسني. أفضّل ان أنجز أفلاما عمّا لا أفهمه. الموضوع عندي يأتي ممّا لا أفهمه. عندما لا يسعني ان أشرح ما اذا كان هذا الأمر سيئاً أو جيداً. عموماً، كلّ شيء أفهمه لا يعود موضوعاً عندي. المستقبل مثلاً. لا نعرفه، صحّ؟ اذاً، هذا يشوّقني. أفضّل ان أتخيّل المستقبل على ان أحلل الماضي.

٦ – "لا تشغل عقلك وأنت تصوِّر"

قلتُ انه يجب الا نستخدم العقل خلال التصوير. كثر لم يفهموا هذا الكلام. يصعب شرح هذه الفقرة. كلّ ما في القضية اني عندما أصوِّر أكون قد فكّرتُ من قبل. أحضّر المعدّات وأعدّ حركات الكاميرا وأمرّن الفريق، ولكن عندما أقارب الموضوع أكون جاهزاً على أكمل وجه، أقفل عقلي وأشغل غريزتي. كلّ عملنا كمخرجين رقصة. المخرج راقص. الموضوع هو المرأة والكاميرا هي الرجل. ويجب ان يرقصا معاً. لا تحتاج إلى عقل لترقص؛ عليك فقط ان تنظّم خطاك على خطاها لتنسيق الإيقاع. الشيء نفسه عندما تغنّي. أنت لا تغنّي لأنك ذكي. لا تحتاج للذكاء سوى لاختيار الأغنية. أنت تغنّي لأنك صاحب صوت جميل.

٧ – "لا تجبر الناس على تكرار كلام أو فعل"

لا يُمكن استعادة اللحظة. الحياة عصيّة على التكرار. لهذا السبب لا أقوم بالكثير من الاعادات. الحياة غالباً ما توفّر لك فرصاً اخرى. شرط ان تنتظر. اذا خسرتَ شيئاً فلا تحاول افتعاله. انتظر فحسب. شيء آخر سيحدث مع الانتظار. بدلاً من ان أطلب من الناس ان يعيدوا المشهد، أمرّن نفسي كي لا يفوتني شيء ما وأكون دوماً على أشد درجات الاستعداد. عندما أصوِّر، أكون جاهزاً تقنياً. يتطلّب مني يومين للوصول إلى مثل هذه الحالة. ولكن أكون متأكداً ان لا شيء سيفوتني.

٨ – "على الفيلم ان يوفّر للمُشاهد انطباعات جديدة"

قد أكون مخطئاً، ولكن ما من هدف للسينما سوى ان تريك ما لم تره من قبل؟ كلّ هدف آخر خطأ.

٩ – "القصّة مهمة، الادراك أهم"

فكّر بدايةً بمَ سيشعر المُشاهد عندما يرى فيلمك.

١٠ – "لا تتبع قواعدي. ابحث عن قواعدك"

أؤمن بأن هناك أمرين مهمّين في الحياة: التوافق والراديكالية. التوافق مهم جداً في الحياة العائلية والسياسية ولكن خطأ في الفنّ. أما الراديكالية فممنوعة في الحياة العائلية والسياسية وهي متاحة فقط في الفنّ. وبما ان لكلّ منّا تجربة تختلف عن تجربة الآخر، فأنت تعلم عن الحياة ما لا أعلمه، وأنا أعلم عنها ما لا تعلمه. لهذا السبب، أعتقد ان كلّ منّا تتوافر له الفرصة ليخترع قوانينه السينمائية الخاصة، لذلك لا أرغم احداً على ان يتبع قواعدي الخاصة. ثمة أشياء قد تشعر بها ولن أشعر بها.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم