الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

رأي في ماهية العمل السياسي

المصدر: "النهار"
المتروبوليت أنطونيوس الصوري
رأي في ماهية العمل السياسي
رأي في ماهية العمل السياسي
A+ A-

لغةً، تأتي كلمة "سياسة" من فعل "ساس" الذي يعني "تدبّر، قاد، أدار، أصلح". أمّا، اصطلاحاً، فتعرف السياسة بأنها رعاية كافة شؤون الدولة الداخلية، وكافة شؤونها الخارجية، وتعرف أيضاً بأنها سياسة تقوم على توزيع النفوذ والقوة ضمن حدود مجتمع ما. كما تعرف بأنها العلاقة بين الحكام والمحكومين في الدولة، وعرفت أيضاً بأنها طرق وإجراءات مؤدية إلى اتخاذ قرارات من أجل المجتمعات والمجموعات البشرية. وقد عرفها البعض بأنها عبارة عن دراسة السلطة التي تقوم بتحديد المصادر المحدودة. وعرفها ديفيد إيستون (David Easton صاحب النموذج التحليلي لتحليل النظم السياسية المعروف باسم "نموذج المدخلات والمخرجات") بأنها عبارة عن دراسة تقسيم الموارد الموجودة في المجتمع عن طريق السلطة أو بكلمات أخرى التوزيع السلطوي للقيم المختلفة في المجتمع (authoritative allocation of value)، أما الواقعيّون فعرفوها بأنها فنٌّ يقوم على دراسة الواقع السياسي وتغييره موضوعياً.

بناء عليه، العمل السياسي غايته تدبير شؤون الدولة الداخلية والخارجيّة وإدارة الموارد من أجل مصلحة الشعب واتخاذ القرارات الناجعة والضروريّة لنماء المجتمع وارتقائه نحو حياة أفضل على مختلف الصعد بما يضمن العدالة في توزيع خيرات الدولة ومواردها على المواطنين والمناطق في جوّ من حرية التعبير والاعتراض والنقد للعمل السياسي كونه أمر خاضع للتقييم الدائم من أجل التطوير والتحسين للوصول إلى الأهداف الموضوعة والمحدَّدة في مشاريع المجموعات السياسيّة التي هي عبارة عن أحزاب محدودة ذات أهداف وطنية غير فئويّة.

* * *

لا يستقيم العمل السياسي في بلد إذا كان محدودًا بمصالح جماعة معيّنة، إذ يجب على الجماعات السياسيّة أن يكون لها أهداف تشمل كلّ أطياف الوطن ومناطقه. إذا انحصرت الأهداف بمنطقة معيّنة أو طبقة معيّنة أو شريحة معيّنة سقط المشروع السياسيّ وصار مصدرًا للانقسام والتفرقة والتناحر كونه مبنيّ على مصالح ضيّقة ممّا سيؤدّي حكمًا إلى ظلم، وبالتالي إلى ضرب أساس العمل السياسي الذي هو العدالة الشاملة لجميع المواطنين على كلّ الصعد التي تختصّ بحقوق الإنسان في الوطن من العيش الكريم إلى الحرية في التعبير، فجميع حقوق الإنسان غير قابلة للتجزئة، سواء كانت حقوقا مدنية وسياسية، مثل الحق في الحياة، وفي المساواة أمام القانون وفي حرية التعبير؛ أو اقتصادية واجتماعية وثقافية، مثل الحق في العمل والضمان الاجتماعي والتعليم؛ أو حقوقا جماعية مثل الحق في التنمية وفي تقرير المصير ...

* * *

في الديمقراطيّة غير المباشَرة أو ديمقراطيّة التمثيل النيابي يوجد مبدأ التنافس الحرّ بين الأحزاب على أساس الأكثريّة التي تنتجها الانتخابات، ممّا يعني عمليًّا حكم الأكثريّة للدولة. هذا يؤدّي إلى وجود جهة حاكمة وجهة معارضة تراقب تحقيق مصالح الدولة والمواطنين وتدافع عنها بإزاء الجهة الحاكمة. هذا مبدأ مهمّ وأساسيّ للنموّ والتطوّر للأوطان نحو الأفضل. لكن، حين ينتفي هذا المبدأ ويحكم الفائز بالأكثريّة النيابيّة مع غير الأكثريّة ينتفي مبدأ المحاسبة والمراقبة وتدخل المساومات مع التراضي لإدارة الدولة وهذا ما يؤدّي إلى فساد النظام الديمقراطي بأكمله وتحويله إلى نظام توتاليتاري نسبي بمعنى أنّ كلّ مجموعة في السلطة تسود بشكل كامل على ما تحصّله من امتيازات ممّا يؤدّي إلى المحافظة على شكل الدولة والنظام وإفراغهما من مضمونها ...

* * *

لن يستقيم عمل سياسيّ ما لم يكن الإيمان بالإنسان وقيمته الأنطولوجيّة أساسًا له. فقيمة الإنسان جوهريًّا تأتي من كونه صورة الله، وفي المسيحيّة الله ثالوث واحد في الجوهر مثلَّث في الأقانيم في سرّ شركة حركة الحبّ الإلهيّ الدائريّة بين أقانيم الثالوث. وحيث الحبّ هناك الحرية والشركة، التمايز والوَحدة، البذل والتواضع. ليس العمل السياسيّ سوى ثورة كيانيّة على التفلُّت والاستئثار، الاستنساخ والانقسام، الاستهلاك والتسلُّط. ما لم يكن حبّ الإنسان والوطن (بحسب ما حدَّدنا آنفًا) أساس السياسة فباطل كلّ حكم وكلّ عمل لأنّه محكوم بالأهوائيّة والمصلحيّة وسيفضي إلى الخراب حتمًا...

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم