السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

اغتصبها ألف مرة (2)

جورج موسى
جورج موسى
A+ A-

أحياناً كثيرة تقف مدهوشاً أمام فظاعة المواقف التي تضعك فيها الحياة. بلحظة، "اللامنطق" قد يبدو مقنعاً أكثر من المنطق. الأمور التي يحترمها العقل قد يصعب تصديقها، لتتعجب أنك بتّ تتبنى وتدافع عن أكثر الأشياء غرابة. فجأة، تختل التوازنات لديك. البديهيات تصبح من عجائب الدنيا التي أعتقد أنها أكثر من أن تُحصى. قد تقضي عمراً وأنت تزخرف الإطار الذي تضع فيه - في مخيلتك - بعض الصور. تحبها، تحترمها، تحتذي بها وربما قد تتماهى معها. ثم، وبلمحة بصر أيضاً، تجد الإطار مكسوراً، فيما لمعان الصورة يبهت. وماذا عمَن في داخلها؟ هل تنزلهم عن جدران الذاكرة؟ هل يسهل عليك أساساً أن تسقطهم من ذاكرتك وأنت قضيت عمراً تحجز لهم موقع الصدارة؟
ملف التحرّش بالأولاد مقزّز، يدور في بعض نواحيه، في فلك الأفكار المطروحة اعلاه. المصيبة حين يكون المعتدي قريباً، أحد أفراد العائلة أو مرجعاً يلجأ الولد الى حضنه كلما شعر بالخوف. المصيبة حين يكون المعتدي قريباً، لكن المصيبة الكبرى، وفي كل الأحوال، تبقى الضحية.
في أحيان كثيرة، حين تسمع أو تكون معنياً بقضية مماثلة، قد تلوذ بالصمت في انتظار أن تتضح الحقائق. تسكت لأن الصمت قد يكون أفضل الحلول المطروحة، وخصوصاً أنك بكلامك قد تشوّه أكثر سمعة المتهم بالاعتداء. وقد تؤذي آخرين - أولاداً كانوا أم كباراً - يشكل لهم حضنه، منبعاً للتوازن. وإذا أسقطه، سقط التوازن وسقطت معه كل الصور المعلقة في الذاكرة. ولكن... وفي حال ثبتت الحقائق، يصبح صمتك جرماً. ذلك أن المعتدي، وإذا اغتصب الضحية مرة، فأنت تكرر بصمتك الفعل ألف مرة. المسألة هنا ليست وجهة نظر مطروحة للمناقشة، فالمتهم إما بريء والضحية هنا مفتر يجب أن يأخذ عقابه. وإما المتهم مذنب، وحينها لا يمكن أن تنتهي المسألة بالمساومات.
زواج القاصرات هو أيضاً أحد الوجوه القاتمة لهذا الملف الأسود، وخصوصاً أن الجلاّد يرافق الضحية في كل سنواتها. والسيدة التي خصصت لها هذه الزاوية في العدد السابق، من ضحاياه. امرأة تزوجت وهي طفلة، واليوم تطارد اللعنة ابنتها البالغة من العمر ١٥ عاماً، إذ يريد الاب تزويجها من رجل ثلاثيني. الأم الخائفة على ابنتها، والخاضعة مثلها إلى سلطة ذكور العائلة، لا تعرف كيف تقول لا. وعوض المواجهة، قررت قبل العرس بيوم أن تشتري سم الفئران، علّ الموت ينقذ ابنتها من مصير كارثي يشبه مصيرها.
ترى، من تقتل؟ هل تتخلص من زوجها؟ هل رحيل الطاغية قد يعوّق زواج الفتاة؟ وإذا ذهب الأب، ماذا تفعل بولديها اللذين سيسيران حكماً على طريق أبيهما، ويضيّقان الخناق على كل من ولدت أنثى في العائلة؟ ولكن، لِمَ تفتك بعائلتها، ولا تتخلص من العريس؟ تذكرت حينها أن هذا المريض الذي يشتهي الصغار، قد يعود غداً بألف اسم ووجه مختلف. فهل تقتل نفسها وابنتها، علّ السماء تكون أرحم عليهما من الأرض؟
تلك المرأة التي لا تعرف إلاّ الخضوع، لم تكن تملك الجرأة لارتكاب جريمة. اكتفت بوضع السم في مصيدة الفئران، وراحت تبكي ابنتها التي ستدخل برجليها مصيدتها غداً. بكت الأم وبكاؤها كان مراً.
في اليوم التالي، يوم العرس. كان الجميع ينتظر أمام منزل العروس، فيما الأب والعريس يعدان باقتفاء أثر الأم وابنتها اللتين اختفى أثرهما منذ ساعات الصباح الباكر!


الجزء الأول عبر موقع "النهار"، باب "نهارك"


[email protected]
Twitter: @moussa_georges

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم