الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

اتّفاق ضمنيّ بين كيم وترامب لسنة 2019؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

تغيّرات كبيرة في ستّة أشهر

تغيّرت الأجواء في كانون الثاني الماضي مع انفتاح كوريّ شماليّ على الجارة الجنوبيّة تمثّل بطلب المشاركة في الألعاب الأولمبيّة الشتويّة التي استضافتها بيونغ تشانغ في شباط. خلال تلك الألعاب، شاركت الكوريّتان في فريق نسائيّ موحّد للهوكي على الجليد بعدما شهدت الافتتاحيّة دخول الدولتين تحت علم موحّد. لم تفتح تلك الخطوة المجال أمام المزيد من المشاركات الرياضيّة المشتركة وحسب، بل أسّست أيضاً مساراً سريعاً نحو التهدئة والتواصل.

في أوائل آذار، أبلغت #سيول #واشنطن رغبة الزعيم الكوريّ الشماليّ #كيم جونغ أون بإجراء حوار مع الرئيس الأميركيّ الذي بادر إلى قبول المقترح في الثامن من الشهر نفسه. وقال ترامب في تغريدة إنّ "كيم جونغ أون تحدّث عن نزع السلاح النوويّ مع مسؤولي كوريا الجنوبيّة وليس تجميداً فقط...".

افتتح قبول ترامب بالحوار خطّين متوازيين من الأمل والتشكيك، فأتت تلك التغريدة بمثابة الخلطة التي جمعت الرغبة بفتح صفحة جديدة من جهة وبداية التهيئة لصراع طويل حول تفسير المصطلحات من جهة أخرى. لكن مع استمرار التهدئة، كانت مساعي الانفتاح بين الكوريّتين تتسارع باطّراد وانتهت باستقبال الرئيس الكوريّ الجنوبيّ مون جاي إن لكيم في 27 نيسان الماضي. لكن في إزاء التطوّر الإيجابيّ بين البلدين، استمرّ المراقبون الغربيّون بالتشكيك بنوايا كيم الذي كان قد هيّأ نفسه للقمّة الكوريّة عبر زيارة أجراها إلى الصين أواخر آذار. في الرابع والعشرين من أيّار، بدا أنّ القمّة المنتظرة بين #واشنطن و #بيونغ_يانغ ذهبت أدراج الرياح بعدما أعلن ترامب إلغاءها إثر ردود كوريّة قاسية على مسؤولين أميركيّين تحدّثوا عن احتمال استخدام النموذج الليبيّ مع كوريا الشماليّة. لكن بعد ساعات، أعلن الطرفان استئناف تحضيرات اللقاء فيما عقدت الكوريّتان قمّتهما الثانية، هذه المرّة في الجانب الشماليّ من المنطقة المنزوعة السلاح. وفي 12 حزيران، استضافت #سنغافورة القمّة التاريخيّة التي جمعت ترامب بكيم والتي خرجت بعبارات مبهمة لم تذكر عبارة نزع السلاح النوويّ بشكل "نهائيّ ويمكن التحقّق منه وغير قابل للعودة عنه". وبذلك، استمرّ القلق من إمكانيّة مواصلة الكوريّين الشماليّين "التلاعب بالأميركيّين".

ثمار إيجابيّة

أنجب مسار الانفتاح تهدئة واضحة في شبه الجزيرة الكوريّة. ففي سنة 2018، لم تجرِ بيونغ يانغ أيّ تجربة صاروخيّة أو نوويّة، حتى أنّها لم تستعرض صواريخها البالستيّة في احتفالات ذكرى تأسيسها السبعين، وهو أمر لقي تقديراً من الرئيس الأميركيّ. وأغلقت كوريا الشماليّة موقع بونجي-ري للتجارب النوويّة ودمّرته أمام مجموعة من الصحافيّين في أيّار. وفي الشهر نفسه، أطلقت سراح ثلاثة أميركيّين سجنتهم بين سنتي 2016 و 2017. وفي تمّوز، أعادت بيونغ يانغ رفات جنود أميركيّين سقطوا خلال الحرب الكوريّة. وفي القمّة الكوريّة الثالثة في أيلول، تعهّد كيم بإغلاق منشأة تونتشانغ - ري لتجارب محرّكات الصواريخ ومنصّات إطلاقها.

إذا تمّ ربط جميع هذه النقاط البارزة خلال سنة 2018، فإنّه بالإمكان نظريّاً توقّع استمرار المسار الإيجابيّ التصاعديّ نفسه خلال سنة 2019، خصوصاً مع نيّة الطرفين بعقد قمّة ثانية، يتمنّى ترامب أن تحصل بين كانون الثاني وشباط. لكن عمليّاً، يبدو أنّ التنازلات التي قدّمتها واشنطن وبيونغ يانغ وصلت أو كادت تصل إلى حدّها الأقصى.


السلبيّات حاضرة

رأى مراقبون أنّ التنازلات التي قدّمتها كوريا الشماليّة ثانويّة. حتى تدمير موقع بونجي-ري لم يكن مقنعاً لأنّ تقارير أشارت إلى انهيارات  أصابته أنفاقه خلال آخر تجربة نوويّة ممّا دفعه إلى الانفتاح على الأميركيّين. على صعيد آخر، وفي وقت مبكر من الشهر الحاليّ، فرضت واشنطن عقوبات على ثلاثة مسؤولين بارزين في كوريا الشماليّة من بينهم وزير الأمن العام بسبب "الانتهاكات الخطيرة والمستمرّة من جانب النظام لحقوق الإنسان". وفي 14 كانون الأوّل أعلن الرئيس الأميركيّ أنّ بلاده غير مستعجلة في مسار معالجة الملفّ النوويّ لكوريا الشماليّة، وهو على الأرجح إشارة ضمنيّة إلى بطء التقدّم في هذا المجال. وبعد ثلاثة أيّام، أشارت بيونغ يانغ إلى أنّ العقوبات التي فُرضت عليها قد "تعيق مسار نزع الأسلحة النوويّة في شبه الجزيرة الكوريّة إلى الأبد".

لقد كانت بيونغ يانغ تنتظر مبادرة أميركيّة للتخفيف من العقوبات مقابل التنازلات التي قدّمتها فإذ بواشنطن تفرض المزيد منها وبسبب ملفّ لا يرتبط بالمسألة النوويّة، ولكنّه بالفعل قد يؤثّر عليها. ولا تزال الولايات المتّحدة مصمّمة على مواصلة فرض العقوبات حتى تتخلّى كوريا الشماليّة عن ترسانتها النوويّة بشكل كامل. وكانت بيونغ يانغ قد وصفت هذه السياسة المتّبعة بأنّها "جشعة".


أسباب بطء التقدّم

إنّ مشاكل الولايات المتّحدة مع كيم تبدأ بالترجمات والمفاهيم ولا تنتهي عند النوايا. في الأساس، لا يرتبط هذا الملفّ بالعلاقات والمفاوضات الثنائيّة وحسب بل هنالك عدد من المصالح الإقليميّة المتشابكة عنده. على سبيل المثال، ليس صدفة أن يعقد كيم ثلاث قمم مع نظيره الكوريّ الجنوبيّ سنة 2018، وأن يجري ثلاث زيارات رسميّة إلى الصين أيضاً. ولام ترامب بيجينغ على تعقّد مسار نزع الأسلحة النوويّة في كوريا الشماليّة، كما لم يكن راضياً عن استقبال وزير الخارجيّة الروسيّ سيرغي لافروف للزعيم الكوريّ.

لا تقتصر الريبة الأميركية على روسيا والصين فقط بل تتعدّاهما لتشمل حتى أقرب حلفاء واشنطن – كوريا الجنوبيّة نفسها. ويتخوّف مراقبون من أنّ الانفتاح الكوريّ الجنوبيّ الذي يشمل إقامة مشاريع مشتركة مع الشمال سيحوّل الأموال إلى خزانة بيونغ يانغ. في هذا الوقت، تراقب اليابان الأحداث بقلق، لأنّ انفتاحاً كاملاً من سيول وبيونغ يانغ قد لا يخدم مصالحها. وإن كانت جميع هذه المعطيات الإقليميّة والدوليّة غير كافية لتحديد حجم الصعوبات التي تواجهها واشنطن في هذا الملفّ، فإنّ الانتخابات النصفيّة والتحقيقات التي تحيط بترامب تغذّي ميل كيم للضغط أكثر على الرئيس الأميركيّ من أجل كسب المزيد من التنازلات. وتتضافر هذه المؤشّرات وغيرها كي تجعل ترامب في القمّة المرتقبة أقلّ قوّة ممّا كان عليه في حزيران الماضي.


اتّفاق ضمنيّ محتمل

لم يعد بإمكان واشنطن وبيونغ يانغ التقدّم بسهولة في محادثاتهما لكنّهما أيضاً غير قادرتين على الرجوع إلى الوراء. وهذا الواقع قد يريح ترامب وكيم معاً. بمقدور الأوّل أن ينسب الهدوء في شبه الجزيرة الكوريّة لديبلوماسيّته، فيما يمكن للثاني أن يستمرّ بتطوير قدرات بلاده الصاروخيّة والنووية بطريقة شبه سرّيّة وبعيداً عن لغة التهديدات والتجارب التي قد تهدّد مكاسبه المحقّقة. نجح كيم بتقديم صورة ديبلوماسيّة جديدة عن نفسه فيما نجح ترامب أيضاً بإثبات أنّه "غير متهوّر" بحسب انتقادات خصومه. لكن بما أنّ كلا الرجلين يعرفان أنّ قيودهما الداخليّة ستمنعهما على الأرجح من تقديم مزيد تنازلات جوهريّة، فقد يكتفيان ويتكيّفان مع هذا الواقع خلال السنة المقبلة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم