الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

ترامب يترك ماكرون وحيداً في سوريا ... فرصة من رحم التحدّيات؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

وإذا تمّ وضع الروابط التاريخيّة جانباً، فإنّ العلاقات بين الأميركيّين والأتراك بلغت ذروة توتّرها في الصيف وأوائل الخريف قبل أن تقرّر أنقرة إطلاق سراح القسّ الأميركيّ أندرو #برانسون. ساهمت الخطوة الأخيرة في زيادة حظوظ إزالة نقاط توتّر أخرى بين الطرفين. بالمقابل، لقي حديث الرئيس الفرنسيّ إيمّانويل #ماكرون عن إنشاء جيش أوروبّي لمواجهة تهديدات عدد من الأطراف ومن ضمنها الولايات المتّحدة امتعاضاً من ترامب. على أيّ حال، فضّل الرئيس الأميركيّ اتّخاذ قرار يرضي قاعدته الشعبيّة في نهاية المطاف، ممّا يوجب على الفرنسيّين التعامل مع تداعيات الحدث بأسرع طريقة ممكنة.

ذكّر اعتداء داعش الإرهابيّ الذي استهدف ستراتسبورغ مؤخّراً بأنّ الحرب على التنظيم لم تنتهِ. في سياق هذه الحرب، يحتفظ الفرنسيّون بقوّات في شمال شرق سوريا يمكن أن تتعرّض للخطر في حال تدهور الأمن بعد الانسحاب الأميركيّ. وقد تكون #تركيا نفسها، الشريك في حلف شمال الأطلسي "#ناتو" أحد مصادر هذا الخطر، بما أنّها تهدّد قوّات سوريا الديموقراطيّة وتنظر بريبة إلى الوجود العسكريّ الفرنسيّ الذي قد يؤمّن حماية ولو مبدئيّة لها. لقد شكّلت هذه النقطة قضيّة خلافيّة بارزة بين تركيا وفرنسا تجلّت في أوقات سابقة من هذه السنة وقد تعيد تجديد نفسها في المرحلة الحاليّة والمستقبليّة.


المشاهد في 2018 تكرّر نفسها

عندما أطلقت تركيا عمليّة "#غصن_الزيتون" على عفرين، كانت فرنسا أوّل من طالب مجلس الأمن بالنظر في وقف التدهور الأمنيّ. من جهته، حذّر حينها وزير الخارجيّة التركيّ مولود جاويش #أوغلو الفرنسيّين من الإقدام على خطوة كهذه، مشيراً إلى أنّ بلاده ستنظر إلى هذا الأمر على أنّه اصطفاف فرنسيّ إلى جانب "مجموعة إرهابيّة". وأضاف أنّه "في مثل هذه الأوضاع، لا ننتظر من فرنسا إلّا الدعم"، وأنّ تركيا لا تريد لفرنسا "أن تكون في صفّ تنظيم إرهابيّ". على الرغم من تحقيق الأتراك هدفهم في عفرين، لم تنقطع العلاقات بين باريس والأكراد السوريّين.

في آذار الماضي، استقبل الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون وفداً من "قسد". خلال الزيارة، أبدى الرئيس الفرنسيّ "دعم فرنسا" لتلك القوّات "خصوصاً من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة الأمنيّة في شمال شرق سوريا ... بهدف منع ظهور داعش مجدّداً، بانتظار حلّ سياسيّ للنزاع السوريّ". لكن لم يكن بإمكان ماكرون الذهاب بعيداً في دعمه للمقاتلين الأكراد، فشدّد بيان لاحق صادر عن الإليزيه عن "أمل" الرئاسة الفرنسيّة "في عقد حوار بين قوّات سوريا الديموقراطيّة وتركيا بمساعدة فرنسا والمجتمع الدوليّ". لكن بدلاً من أن يخفّف هذا البيان ردّ فعل تركيا على استقبال ماكرون للوفد، تسبّب بإغضاب إردوغان من الفرنسيّين فعبّر عن "حزنه الكبير" من مقاربتهم قائلاً: "من أنتم كي تتحدّثوا عن وساطة بين تركيا ومنظّمة إرهابيّة؟".

اليوم، يبدو أنّ اللهجة التركيّة لا تزال تصعيديّة إزاء الدور الفرنسيّ في سوريا، وكذلك، يظهر أنّ مشهد العلاقات بين الأطراف الثلاثة يكرّر نفسه بطريقة أو بأخرى. خلال الأسبوع الماضي، استقبل ماكرون الرئيسة المشاركة ل "مجلس سوريا الديموقراطيّة" إلهام أحمد التي دعت فرنسا لدعم الأكراد بالرغم من إشارتها إلى أنّ مواقف الحكومة الفرنسيّة "لم تستطع أن تغيّر كثيراً من القرار التركيّ". وأملت من باريس أن تؤدّي دورها "بشكل أقوى" في المرحلة الحاليّة. ويوم أمس، عاد وزير الخارجيّة التركيّ ليشير إلى أن "لا طائل لأحد من بقاء فرنسا في سوريا لحماية الوحدات الكرديّة". وأكّد أوغلو أيضاً عزم بلاده على العبور إلى شرق الفرات "في أسرع وقت ممكن".

أكثر من مشكلة

حين انتقد ماكرون خطوة ترامب مشدّداً على ضرورة أن يكون الحليف طرفاً "موثوقاً به"، تعهّد بالمقابل إبقاء بلاده منخرطة في المشرق إضافة إلى دول الساحل. أمّا السؤال الحقيقي فيتمحور حول كيفيّة تنفيذ ماكرون تعهّده في وقت باتت الخيارات تضيق أمامه بشكل كبير. فالمشكلة بالنسبة إلى فرنسا لا تنحصر بقرار ترامب وحسب بل تتخطّاها لتشمل أيضاً استقالة وزير الدفاع جايمس ماتيس الذي يشترك مع الرئيس الفرنسيّ في رؤية شبه موحّدة لدور باريس وواشنطن في العالم وتحديداً في سوريا. يضاف إلى ذلك، أنّ استقالة ماتيس الذي كان يوصف بأنّه "آخر راشد" في الغرفة قد تعمّق التباعد الفرنسيّ الأميركيّ في المستقبل، خصوصاً إن تمّ تعيين وزير آخر متوافق مع أفكار الرئيس. وسيكون رحيل ماتيس بمثابة تأكيد آخر لماكرون بأنّه لن يكون بالإمكان الرهان على عكس مفاعيل القرار الأميركيّ إزاء حضور ونفوذ واشنطن في سوريا.

كلّ ذلك يشير إلى أنّ فرنسا ستواجه "وحدة وجوديّة" في شمال شرق سوريا بحسب تعبير روبرت زارتسكي الذي أشار في مجلّة "فورين بوليسي" إلى التعقيدات التي يواجهها ماكرون بدءاً ب "السترات الصفر" مروراً بهجوم ستراسبورغ الإرهابيّ وصولاً إلى ملء الفراغ الأميركيّ في سوريا لمواصلة الحرب على داعش. بحسب زارتسكي، سيحشر الانسحاب باريس بين المطرقة التركيّة وسندان الأكراد. في المرحلة المقبلة، من المتوقّع يواجه الرئيس الفرنسيّ "أحجية مرهقة للأذهان" تقوم على إيجاد حلّ لعدد من المشاكل الداخليّة والخارجيّة المترابطة في كثير من أوجهها.

لكن في نهاية المطاف، من دعا لإنشاء جيش أوروبّيّ موحّد، لا بدّ وأنّه كان على يقين بأنّ لحظة فراق شبه استراتيجيّ كهذه أمكن أن تأتي في أيّ ظرف. وبالرغم من صعوبة الموقف، ربّما كان اتّخاذ ترامب قراره، عاجلاً لا آجلاً، أفضل لماكرون. فهو قدّم فرصة إعادة البحث في استراتيجيّة أوروبّية هدفها تعويض الفراغ الذي يخلّفه انحسار النفوذ الأميركيّ في الشرق الأوسط. أمّا كيفيّة استغلال هذه الفرصة فمبحث آخر.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم