الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

ياكوب سدرغرين أفضل ممثّل في تسالونيك لـ"النهار": عندما تتمرّن كثيراً ترتكب الأخطاء الجيدة

المصدر: "النهار"
ياكوب سدرغرين أفضل ممثّل في تسالونيك لـ"النهار": عندما تتمرّن كثيراً ترتكب الأخطاء الجيدة
ياكوب سدرغرين أفضل ممثّل في تسالونيك لـ"النهار": عندما تتمرّن كثيراً ترتكب الأخطاء الجيدة
A+ A-

"المذنب" لغوستاف مولر الذي انطلقت عروضه من ساندانس مطلع هذا العام قبل جولة دولية مهمّة، عمل سينمائي يخطف الأنفاس. من خلال مكان واحد (غرفة طوارئ) وممثّل أوحد (شرطي يردّ على الاتصالات) ووتيرة تصاعدية وحكاية محبوكة، تتلف باكورة المخرج الدانماركي أعصابنا وتسمّرنا في الكرسي طوال ٨٥ دقيقة. الممثّل الدانماركي ياكوب سدرغرين (مولود في أسوج) هو الشرطي الذي يتلقى اتصالات الاستنجاد الواردة من مواطنين يحتاجون إلى مساعدات على أنواعها. يتعامل مع الطلبات بروية وحكمة وأحياناً بأعصاب مشدودة. يجب عليه التحكّم بالوضع والسيطرة على تطور الأحداث مهما تكن ومهما بلغتمرتبة من الخطورة والحساسية. اتصال من سيدة خطفها زوجها، يتابعه الشرطي بكلّ تفاصيله وهي معه على الطرف الآخر للخط - علماً انه قلق من جلسة محاكمة، عليه المثول أمامها في اليوم التالي-، سيهز كيانه ويجعله بطلاً في سياق عملية انقاذ غير مسبوقة، مستخدماً حنكة وذكاء ومعرفة في ادارة الأزمات. لا يحق له الخروج من الغرفة أو التورط عاطفياً في أي قضية، ولكن ثمة استثناءات. سدرغرين يقدّم أداء مكثّفاً ومختزلاً يكاد يُدرَّس. فويبا "الرجل الواحد أمام الكاميرا" وما يترتب على هذا من مسؤولية، يحولها سدرغرين إلى سطوة، وهو لا يملك الا القليل للتعبير عن العظائم التي نكتفي بسماعها: نظرة من هنا ورجفة من هناك، وها اننا نسلّم أنفسنا للعبة التشويق المبرمجة. سدرغرين أشبه بإسفنجة تمتص الأحداث. بعيداً من الشكل والصيغة السيناريستية، لـ"المذنب" كلامٌ كثير أيضاً عن معنى مد اليد إلى آخر في أزمة عندما يسقط الحدّ الفاصل بين الواجب والعاطفة. في الآتي، مقابلة أجرتها "النهار" مع فنّان إستثنائي في الدورة الأخيرة من مهرجان تسالونيك حيث فاز بجائزة أفضل ممثّل، مع التذكير بأن الفيلم دخل سباق الـ"أوسكار" قبل أيام في مرحلته نصف النهائية.


* أداؤك مذهلٌ في "المذنب". قل لي: كيف يمكنك التمثيل في فيلم كامل ولا أحد أمامك؟

- هذا مضحك لأن الكثيرين يطرحون عليَّ هذا السؤال، معتقدين انني كنت أتحدّثُ وحدي على الهاتف في غرفة طوال الوقت. أفهم ذلك، لأن المُشاهد لا يرى سواي، لكن في الحقيقة، بقيّة الممثّلين كانوا في الغرفة المجاورة، وكلّ شيء سُجِّل تسجيلاً حياً، أي انني كنت أتحدَّث في الهاتف وكان محدّثي يردّ عليَّ من الغرفة التي هي نوع من استوديو. وجدنا هذه الطريقة في العمل، وما كان ممكناً إنجاز الفيلم من دونها. لولاها لجاء أدائي مسطّحاً. استمتعتُ جداً وأنا أمثّل. موقع التصوير الذي هندسه المخرج غوستاف مولر كان رائعاً. كلّ شيء كان يبدو واقعياً. صوّرنا بالتسلسل الكرونولوجي لتتابع الأحداث، وأحياناً لقطات طويلة.


* أمس، في نقاشك مع الجمهور اليوناني بعد عرض الفيلم، أخبرتنا ان فريق العمل كلّه كان يشتغل في السينما للمرةالأولى. أنت الوحيد صاحب الباع. كيف كان التوازن بين متمرّس مثلك ومبتدئين.

- في الحقيقة، لم أشعر البتة انهم مبتدئون. لم تخطر في بالي حتى مسألة التوازن. فقط انتبهتُ إلى انهم أكثر شباباً مني (ضحك). كان الجميع على درجة عالية من المهنية، وفي الأصعدة كافة. الطاقة التي يمتلكونها تتجاوز طاقتي بمراحل. كانوا متحمّسين جداً كونهم ينجزون فيلمهم الأول واستثمروا فيه الكثير من الجهود.


* هذا الفيلم هو عندي "ميتافور" للحياة العصرية، بحيث أضحينا شهوداً على كلّ ما يجري حولنا من دون ان يكون لنا قدرة على التحرّك.

- وهل يجعلك تشعر بالذنب؟ (ضحك). لا عليك. بصراحة، لم أفكّر في هذا من قبل. قد يكون ما تقوله صحيحاً، أقلّه يناسبني.


* ولكن، كيف تحضّر دوراً كهذا؟

- هذا الفيلم ولأنه مقتبس من روايتين ويستند إلى بعض البحوث، أجريتُ بحوثي الخاصة كي أستوعب الدور وأجسّده. مشيتُ تقريباً على الطريق نفسها التي مشى عليها كاتبا السيناريو. أضفتُ عليها أشياء من عندي. كون الفيلم يستند إلى تجارب واقعية وأناس حقيقيين، كان عليّ ان أجد هؤلاء كي يحدثوني عن تجاربهم. أمضيتُ أيضاً بعض الوقت مع أشخاص شغلوا مثل المنصب الذي أشغله. كانت تجربة جدّ مشوقة تركت فيَّ أثراً عميقاً وقوياً.


* ألم تكن تعلم بوجود هذا الواقع البوليسي قبل الفيلم؟

- بالتأكيد، لا. المضحك انك تعتقد انك تعلم لأنك سمعت عنه. لكن المسألة تختلف كلياً عندما تجلس قبالة شخص عاش تجارب مماثلة. من الجيد الاستماع إلى الناس وتخزين المعلومات، الا ان هناك أيضاً الجسد الذي يتولى هذه المهمّة، مهمّة الاستقصاء، وهذا أكثر شيء يفيد الممثّل. علماً انه عليك القيام بكلّ ما ذكرتُ. التجربة برمّتها كانت قوية جداً.


* ان تصوَّب الكاميرا على وجهك طوال مدّة الفيلم فهذه مسؤولية كبيرة. إن فشلتَ، فسيفشل الفيلم بسببك…

- هذا صحيح. ومع ذلك لم أخف. تجاوزتُ هذه الفوبيا. في المقابل، كانت عندي مخاوف من ان يفشل الفيلم برمّته. لكن غوستاف بدا لي واثقاً ممّا يفعله. ثم، لن يكون الأمر مسلياً ان أبدو متردداً وغير واثقمن امكاناتي.


* أداؤك مقتصد جداً. أدواتك محدودة؛ ليس لديك سوى وجهك وبعض التعابير لنقل كلّ الأحاسيس التي في داخلك…

- هكذا كانت الحكاية. لم يكن هناك الكثير لأفعله. ولكن يستهويني هذا الشيء. أجهل كيف فعلتُ وما هي تقنياتي (ضحك). لم أفعل الا الوقوف أمام الكاميرا. السيناريو كان يتيح ذلك والحوارات ممتازة. كلّ ما كان عليّ هو الاستماع. لم يُطلَب إليّ الا ان أقفز في القافلة. ساعدني وجود ممثّلين رائعين. كانت هناك ثلاث كاميرات أمامي على الطاولة والناس الذين خلفها. كان مدير التصوير منفتحاً جداً ومتفهماً لعملي، كون والده ووالدته يعملان في التمثيل.


* هل استعددتَ للدور أشهراً طويلة قبل بدء التصوير؟

- تمرّنا المخرج وأنا خمسة أشهر قبل دوران الكاميرا. في البدء، اقتصرت التمرينات على الدخول في جسد الشخصية، ثم توقّفنا عند كلّ تفاصيل السيناريو. كنا نعلم انه ليس لدينا سوى ١٣ يوماً للتصوير، ولم يكن لدينا وقت لخوض نقاشات كبيرة حول خيارات معينة. حاولنا قدر المستطاع ان نحسم كلّ الأسئلة قبل التصوير. وددنا تركيز جهودنا على التمثيل ولا شيء سواه، فور دخولنا في الفوضى الخلاقة.


* هل ارتجلتَ؟

- أحياناً. قليلاً. هنا وهناك. عندما تحضّر جيداً للدور، يصبح الارتجال جيداً. لا ترتكب الا الأخطاء الجيدة. الناس يميلون إلى الاعتقاد انه يمكننا الارتجال هكذا ساعة ما نشاء. هذا غير ممكن. عليك ان تحضّر ثلاثة أضعاف التحضير العادي كي تصبح قادراً على الارتجال، والا لخرجتَ كثيراً عن السياق.


* هل وجّه إليك المخرج الكثير من التعليمات؟

- نعم. لكن كانت عندي مساحة من الحرية أتحرك ضمنها. استمتعتُ جداً بالعمل معه. كان الاستعداد منهجياً وذكياً. هذا جد نادر عند مخرج مبتدئ.


* كنت أتساءل: الفيلم يأتي بصورة إيجابية للشرطة في نهاية الأمر… هل هذه الصورة دقيقة في الواقع البوليسي الدانماركي؟

- أجل. لكن هناك الجيد والسيئ في كلّ شيء. وهذا ينسحب أيضاً على الشرطة. طبعاً، كلّ شيء هنا دراما، والأشياء لن تحصل هكذا اذا اتصل أحدهم بمركز الشرطة. هذه مهنة صعبة. ترى الويلات وأنت شرطي. لن يمر في بالك ما هي تلك الويلات إلى ان تتحدث إلى أحد عناصر الشرطة. هناك أشياء لا تُحتمل. وأنت كشخص عادي لا تعرف كيف تتعامل معها. هذه المهنة ليست لأي شخص. وفي الوقت نفسه، هناك ثقافة ذكورية منتشرة في أوساط الشرطة تفرض عليك عدم الافصاح عن هشاشتك. اذا خالفتَ هذا المبدأ، فقد يعني انك لم تولد لمزاولة هذه المهنة. عليك دائماً ان تسيطر على انفعالاتك، حتى إن كنت في قلب صراع. الكلام نفسه ينسحب على الأطباء، الجنود والمسعفين، وكلّ شخص يعمل في مجال حيث ثمة صراع بين الحياة والموت.


* الجميل في الفيلم انه يشغل مخيلة المُشاهد. نركّب صوراً على الكلام الذي نسمعه…

- (مقاطعاً) وهي صور أفظع من أي صور كان يمكن ان نصنعها. هذا أشبه بالمسرح، حين يحدث شيء ما خلف الديكور. خيالك قد يخدمك أفضل بمراحل من أي صورة أقدّمها لك.


* هل تبقى الشخصية في داخلك بعد الانتهاء من التصوير؟

- لا. أخرج منها. لا أريد ان أصاب بجنون. التمثيل أشبه بكرة المضرب. ترتاح وأنت تنتظر بين جولتين، ولكن تعلم ان الجولة المقبلة آتية. عليك فقط ان تبقى في حالة تأهب. عندما تعود إلى المنزل تنزع عنك الشخصية بشكل أكثر. ثم عندما تعود إلى موقع التصوير في اليوم التالي تلبسها. انها مسألة توقيت. ولكن هذا يختلف من ممثّل إلى آخر.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم