السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

ولاة الفقيه في لبنان وبلاد العرب وإيران والعالم

غسان علم الدين
ولاة الفقيه في لبنان وبلاد العرب وإيران والعالم
ولاة الفقيه في لبنان وبلاد العرب وإيران والعالم
A+ A-

في لبنان يوزّر الوزير وزيراً للمال، ليس ﻷنه الأحرص، ولا حتى لأنه حريص على أملاك الشعب وماله وحقه. يوزّر الوزير وزيراً للعدل، ليس ﻷنه اﻷكفأ واﻷجدر والأعلم بالقانون. ولا يوزّر الوزير وزيراً للدفاع لأنه الأكفأ والأعلم برسم الخطط، وكيفية تحديث الجيش وسائر الأجهزة الأمنية، إلخ. لا بل ﻷن أيّاً من الوزراء، مهما انتفخ، ومهما تجمّل ووضع المساحيق على وجهه، ومهما غمّس لسانه بالعسل المغشوش، ومهما تدهّن وداهن فهو مربوط بمَن يعرفون كيف يديرونه، يشغّلونه، وكيف يستفاد منه من دون فضائح وشوشرات. كيف لا وهو المشهود له بتسهيل أمور الفساد والمفسدين، ومعه يحلو العمل، وتُستطاب جلسات التندر بالصّفقات، و(التمريقات)، وبأناقة، وبلباقة، وبصمت تام، وبلا ضجيج ولا شوشرات.

نعم هكذا يتقن أغلب الوزراء أعمالهم. نعم هكذا يتعرّون أمام مشغّليهم، ولا يعود في إمكانهم التوبة، والعودة إلى ما كانوا عليه قبل الاستيزار، بشراً حقيقيين لا كِبَر، ولا نفاق، ولا سكوت عن الحق، ولا تسهيل صفقات على حساب البسطاء.

***

ما نراه يحدث اليوم في سوريا خصوصاً، وفي العالم العربي بوجهٍ عام، إنّه ما يتجاوز الفكر والتاريخ والجغرافيا، وكل مقولات المنطق.

هو أكثر من استهانة، أكثر من ازدراء، أكثر من احتقار وأوطأ من "استوطاية حيط.

هو أبعد وأوسع من مشروع توسّعي إيراني، وهو أكبر وأشرس وأكثر حقداً من رد فعل على ما يدّعي أتباع الولي الفقيه، والقيصر الروسي الجديد. وهو أعمق من محاولة "أسلٰمة" خرقاء فاشلة سلفاً للمجتمع السنّي السوري من جانب السعودية، لجعل أصوليات الإسلام السياسي تسيطر، وتبسط نفوذها، كتلك التي سقطت في مصر، وفي تونس، وفي ليبيا ما بعد ثورات "الربيع العربي"، ويسوّق لها ويعتبرها دفاعاً عن الشعب السوري، المحكوم منذ خمسين سنة بنظام "البعث الكافر". كذلك فإن الولي الفقيه الإيراني ونظام حكمه يعتبرها معركة مظلومية الحق من جانب القوى التاريخية للباطل وأتباعه، وحماية دولة ممانعة في وجه أميركا وإسرائيل.

أما القيصر الروسي فيعتبرها أيضاً معركة مظلومية الدولة الشرقية القوية، المظلومة من الغرب وأميركا، المتآمرَين عليها ليلاً ونهاراً، التي أوهمت العرب أيام حروبهم مع إسرائيل، حقبة عبد الناصر تحديداً، أنها كانت تدافع عن مصالحهم.

أما الولي الفقيه الأميركي فقد فاق حرصه على العرب وعلى الشعب السوري بالذات كل التوقعات. فهو وعملاؤه الذين منعوا الثورة في سوريا من الانتصار على النظام. وهو أيضاً من منع النظام من الانتصار على الثورة. وهو من منع "داعش" من الانتصار على الثورة والنظام، ومنعهما معاً من الانتصار على "داعش". وهو من سمح بأن تتمادى الحرب إلى هذا الحد حتى بلغ حجم الدمار ما نراه، وما يخجل العالم الحديث من رؤيته وحدوثه اليوم. وهو الآن والفقهاء نظراؤه جميعهم يريدون إعمار ما تهدّم في سوريا، وإعادة اللاجئين، وكتابة دستور سوري جديد يحقق العدالة والحرية والمساواة للشعب السوري.

المدهش، المثير للاستغراب، أن كل هؤلاء يتصارعون ويقدّمون التضحيات "كرمى للعرب"، ولأجل تقدمهم، وجعلهم شعوباً يليق بها الجلوس والوقوف والتصنيف، مع باقي شعوب العالم الحديث، والعرب غير راضين.

السؤال الأخطر هنا: كيف يمكن لعالم محكومٍ بذهنيّات متخلّفة، تضع الدين في مقدمة أولوياتها، أن تصنع حريّة وديموقراطية ورفاهاً اقتصادياً. ثم كيف لها أن تُنصِف مظلوماً وتعاقب ظالماً؟

بِمَ يختلف الولي الفقيه الإيراني، عن الولي الفقيه السعودي، عن الولي الفقيه الأميركي، عن الولي الفقيه الروسي؟

الإيراني والسعودي يؤمنان بالله الواحد، وكذلك الروسي الذي أعاد المتدينين إلى واجهة العمل والنشاط الاجتماعي، السياسي، وفعّل دور الكنائس والمساجد في روسيا، وصار لأتباعها وأبرشياتها حق التمثيل السياسي في البرلمانات. أما والي الولاة وفقيه الفقهاء الأميركي، فهو لا يحتاج إلى دليل أكبر، من أن يضع شعار إيمانه الديني على الدولار الأميركي الذي يحكم العالم.

فانظروا ماذا يفعل المتدينون الأقوياء في ضعفاء العالم وبُسطائه، وتحديداً في عرب هذا العالم، الذي يحتاج إلى الثورة على هؤلاء، أكثر من حاجته إلى رغيف الخبز.

إنها الأخدوعة الكبرى التي ينساق تحت مظلة تصديقها الكثُر من العرب، ومن شعوب العالم ممّن يؤمنون بـ "أولياء الفقهاء، العالِمين بالأمور".

يروق لهم ويستأنِسون بالإيمان والانصياع، والخضوع للولي الفقيه الإيراني، والولي الفقيه السعودي، والولي الفقيه الروسي، ووالي ولاة هؤلاء جميعاً الولي الفقيه الأميركي.

لن ننجو من هذه المقصلة، إلّا بفهمنا العميق، الأكيد، ان القياصرة والولاة والرؤساء لا يهمّهم منّا، ومن قوميّتنا ومن بلادنا ومن مستقبل بلادنا غير مصالحهم القومية ومصالح بلادهم فقط.

لذا، يتوهم المتدينون أنهم يمتلكون الحقيقة كاملةً، ومثلهم القوميون الشّوفينيّيون، ومثلهم كل صاحب رأي، او فكر او عقيدة يظن صاحبها أنه المُحِق، وأن لديه الأجوبة المقنعة عن الأسئلة كلها.

الحقائق كالغرابيل، خرومها واسعة. وهي في أحسن الظروف كالمناخل، يقبع أصحابها خلفها، مُمسِكين بإطارات مناخلهم، وقد أعياهم دأبهم على الإمساك بها، وهم في أغلبهم يؤمنون بأن لا حقيقة كاملة من جانب واحد، وبأن المناخل صيرورتها وهمّها وشرعها الاهتزاز، وفي الوقت نفسه هم يدأبون على منع هبوب النسائم، كيلا تُذرّى حبوبهم، ويذهب عملهم جفاءً.

فمتى انقطع عنهم الهواء الذي يحاربون، والذي يتنفسون من خلاله، اختنقوا وماتوا، وبغير الوعي والثورة، ونبذ الفروق الإنسانية، لن ينقطع الهواء عنهم، بل سيقطعونه عنّا، وسنظل أسراهم ورهائنهم إلى ما تشاء آلهتهم.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم