الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

سؤال مهمّ وآخر أهم ... هل تؤجّج روسيا "السترات الصفر"؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

"روسيا هي الصخرة"

يرى البعض أنّ هنالك عدداً من النقاط يعزّز احتمالاً كهذا، ومنها أنّ بعض داعمي الحراك أو حتى الناشطين فيه تربطهم علاقة قويّة بموسكو مثل زعيمة "التجمّع الوطنيّ" مارين لوبن. وإذا كانت #لوبن المؤيّدة ل "السترات الصفر" تملك روابط قويّة مع الكرملين حيث استقبلها الرئيس الروسيّ فلاديمير #بوتين خلال حملتها الانتخابيّة الرئاسيّة، فهنالك وجوه بارزة أخرى في الحراك تقدّر بوتين أيضاً. فرانك بولر (53 عاماً) كان أوّل من دعا إلى التحرّك العام في 17 تشرين الثاني عبر فيديو حمّله على "فايسبوك". بولر اليمينيّ المتطرّف قال إنّ "مستقبل أوروبا هو في تحالف قارّي مع روسيا"، مضيفاً أنّ "روسيا هي الصخرة". وقال بولر لموقع "سورس ماتيريال" إنّه لم يزر مطلقاً #روسيا، لكنّه حين ووجه بصورة قديمة من وسائل التواصل الاجتماعيّ عن زيارته #موسكو وسانت بطرسبورغ، أجاب بأنّ هذا حصل منذ وقت طويل ولمرّة واحدة رافضاً الإجابة عن المزيد من الأسئلة المرتبطة بالموضوع.

بين التاريخ والتحقيقات

في هذا الإطار، لا يمكن تجاهل الأسباب الاقتصاديّة والاجتماعيّة العميقة التي أدّت إلى بروز هذا الحراك. بالتالي، إنّ المقصود بالتدخّل الروسيّ ليس إطلاق مظاهرات "السترات الصفر" بل احتمال تغذيتها ب #الأخبار_الزائفة أو بمضاعفة تسليط الضوء عليها من أجل تصعيد حركتها الاحتجاجيّة ضدّ الإليزيه. في صحيفة "ذا دالاس مورنينغ نيوز"، قارنت داينا أوشرفيتز بين المظاهرات الفرنسيّة الحاليّة وتلك التي جرت سابقاً كما في 2005 أو 1968 كي تبرز أنّ ما يميّز "السترات الصفر" هو استخدام العنف ضدّ الدولة ومحاولة الإطاحة بحكومة منتخبة ديموقراطيّاً، وهو ما لم يحصل منذ القرن التاسع عشر. وأضافت أنّ استمرار التحرّكات بالرغم من تنازلات الرئيس الفرنسيّ إيمانويل #ماكرون يربط المحتجّين مباشرة باليمين الفرنسيّ المتطرّف والروس، وهما طرفان غير ديموقراطيّين بحسب رأيها.

أوشرفيتز، كبروفسورة مشاركة في الدراسات الفرنسيّة في جامعة "ساوثرن ميتوديست"، ترى أنّ ما يجمع الحكومة الروسيّة واليمين الفرنسيّ المتطرّف هو اعتبار نفسيهما على أنّهما مضادّان للثورتين الروسيّة والفرنسيّة معاً. لكن بعيداً عن التاريخ الذي يصعب فصله بشكل نهائيّ عن أحداث اليوم، يبدو أنّ الاستخبارات الفرنسيّة لم تجد حتى الأحد على الأقلّ ما يؤكّد هذه الفرضيّة، بحسب ما قاله أحد المسؤولين الأمنيّين لصحيفة "لو جورنال دو ديمانش" الفرنسيّة: "لغاية اليوم، لم نؤكّد تورّطهم في هذه الحركة ... لكنّ هذا التحليل ليس نهائيّاً". وتذكر أنّ صحيفة "ذا تايمس" البريطانيّة أشارت إلى مئات الحسابات الوهميّة التي يُرجَح أن تكون موسكو قد غذّتها. واستندت إلى شركة "نيو نولدج" المتخصّصة في الأمن السيبيري التي تحدّثت عن حوالي 200 حساب على "تويتر" نشرت صوراً على أنّها لمتظاهرين من "السترات الصفر" لكنّهم لم يكونوا كذلك. لكنّ الصحيفة الفرنسيّة نفسها تذكّر بأنّ هذا الحراك تأسّس على "فايسبوك" لا على "تويتر".


مؤشّرات ومحاذير

من جهة ثانية، وجد الكاتب السياسيّ ليونيد برشيدسكي في صحيفة "ذا موسكو تايمس" أنّ أسباب الحراك داخليّة لكنّ هذا لا يعني أنّ القوى الأجنبيّة لن تحاول الاستفادة منها. وهذا ما يحصل عبر البروباغندا الروسيّة (تغطية بعض الإعلام الروسي للمظاهرات) وتغريدة ترامب التي قال فيها إنّ المحتجّين كانوا يصرخون "نريد ترامب". يفسّر برشيدسكي ذلك بأنّ بوتين وترامب يحبّان "السترات الصفر" لأنّ ماكرون وقف ضدّ الرئيسين معاً ولأنّهما مهتمّان باتّحاد أوروبّي أضعف.

على الرغم من وجود مؤشّرات تدعم فكرة تأجيج الروس لحراك "السترات الصفر" تبرز مؤشّرات أخرى تدفع للتوقّف قليلاً عند طبيعة العلاقات المتشابكة بين الروس والأميركيّين والأوروبّيّين. إنّ التشكيك بصلابة العلاقات الأوروبّيّة-الأميركيّة عقب مجيء دونالد #ترامب إلى الرئاسة قد يكون فرصة للروس لمحاولة تعزيز علاقاتهم مع الأوروبّيّين أو على الأقلّ محاولة تقديم أنفسهم كخيار بارز آخر أمامهم في عالم متعدّد الأقطاب. ومع توتّر العلاقات بين الرئيسين ماكرون وترامب عقب اقتراح الأوّل فكرة إنشاء جيش أوروبّي وحادثة رفض الرئيس الأميركي مصافحة نظيره الفرنسيّ خلال احتفالات مئويّة انتهاء الحرب العالميّة الأولى، يصبح إيجاد مصلحة روسيّة في إثارة المزيد من الفوضى الفرنسيّة أمراً عسيراً. وحتى مع صعوبة استجلاء كامل نوايا صنّاع القرار في موسكو، فإنّ تدخّلاً روسيّاً بالشؤون الفرنسيّة في وقت يبدو الكرملين تحت مراقبة الغرب قد يرتدّ سلباً على الروس. وإذا كانت هذه الأسباب غير كافية، فسيكون بالإمكان التساؤل عن جدوى الرهان على "السترات الصفر"، وهي حركة احتجاجيّة لا تتمتّع بقيادة موحّدة ولا برؤية سياسيّة بعيدة المدى، بينما أفق تحرّكاتها مشكوك بديمومته.


السؤال الأهم

أيّاً تكن النظرة الروسيّة إلى ما يجري في فرنسا، يبقى ما كتبه بيرشيدسكي يظهر لبّ المشكلة: حين تُواجَه بأيّ نسخة من السترات الصفر، على نخبة أيّ دولة أن تنظر إلى الداخل. السؤال الذي يجب الإجابة عنه هو ‘أين أخطأنا؟‘ عندما يُعثر على جواب مقنع، سيكون هنالك متّسع من الوقت للتحقيق في التدخّل الأجنبيّ".


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم