الليرة اللبنانية والمرض الهولندي

قضيتان اساسيتان تشغلان الاقتصاديين والسياسيين والمثقفين وغيرهم في لبنان والنقاش حولهما مستمر من فترة وبشكل منفصل. السؤال الأول إذا كانت الليرة اللبنانية أقوى من قيمتها الحقيقية ويجب إضعافها للخروج من أزماتنا، والموضوع الثاني هو كيف يتوجب على لبنان حماية اقتصاده من "المرض الهولندي" (Dutch Disease) يوم تتدفق أموال النفط عليه. القضيتان مرتبطتان عضوياً لأن ما لا يدركه معظم الناس أن لبنان مصاب بـ"المرض الهولندي" منذ سنوات وهو لا يدري، والمطلوب بل المفروض عدم إضعاف سعر صرف الليرة إذ لا فائدة من ذلك بل يجب الاستفادة منه للخروج من "المرض الهولندي" والتحضّر لأموال النفط على قاعدة متينة.المرض الهولنديبعد إكتشاف أحد أكبر حقول الغاز في العالم في جرونينجن (Groningen) في العام 1959 في شمال هولندا تغيرت حياة الهولنديين إلى الأبد. تدفقت الأموال بشكل كبير إلى خزينة الدولة وإلى الإقتصاد إنما وفي المقابل تدهورت الاستثمارات، إرتفعت البطالة، إنخفضت الصادرات الصناعية وإنخفضت القدرة الشرائية للمواطنين رغم إرتفاع سعر العملة، الغيلدر... فماذا حصل؟ إثر دخول الأموال الطائلة بشكل مفاجئ إزداد الإنفاق من قبل القطاعين العام والخاص فوصلت مصاريف الدولة إلى الأعلى في العالم (50% من الناتج القومي). هذا الإزدياد في الطلب على الإستهلاك أدى إلى إزدياد إستيراد البضائع القابلة للتداول (tradables) كما زاد الطلب على البضائع المحلية القابلة للتداول وغير القابلة للتداول (non-tradables).البضائع القابلة للتداول هي السلع والخدمات التي يمكن شراؤها ونقلها من بلد إلى آخر من دون عقبات ككلفة النقل أو سياسات تقييدية فيصبح سعرها عالمياً ولا يتأثر بسهولة. هذا يعني أن أي مجتمع يصبح غنياً بشكل مفاجئ يصبح مهيئأً لإستهلاك هذه البضائع بشكل أكبر(مستوردة كما محلية) والتي هي بأكثريتها مواد غذائية، منتجات مصنعة، معادن، أحجار، نفط ومشتقاته وبعض الخدمات العابرة للقارات كالنقل الجوي وبعض الخدمات المالية.أماّ البضائع غير القابلة للتداول فهي، بشكل أساسي قطاع الجملة والتجزئة، المطاعم، الفنادق، النقل المحلي، التخزين، الإتصالات، الكهرباء وغيرها من الخدمات العامة، البناء والعقارات، الخدمات المصرفية المجتزئة ومعظم...