الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"آخر النفق" للطيفة الحاج قديح: بطلة في وطن يلتهمه الوحش

المصدر: "النهار"
"آخر النفق" للطيفة الحاج قديح: بطلة في وطن يلتهمه الوحش
"آخر النفق" للطيفة الحاج قديح: بطلة في وطن يلتهمه الوحش
A+ A-

صدر عن "دار الفارابي"  للروائية لطيفة الحاج قديح، رواية بعنوان "آخر النفق"، هي الجزء الثالث من سلسلة كتب "مقامات نون النسوة".

هي مؤلّفَها الثامن بعد عملين بحثيين، وخمس روايات هي: "مواويل الغربة" و"صخرة الروشة" و"البحث عن السعادة" و"شجرة النور" . ومجموعة قصصية بعنوان "حياة جديدة".

وتتحدث "آخر النفق" عن سيرة حياة بطلة من لبنان، يمكن أن تكون نموذجاً وقدوة لكل النساء، في وطن تعرّض ويتعرّض للاحتلال والاعتداءات الوحشية من قبل العدو في أي لحظة. تلك المرأة هي البطلة فاطمة علم. وهي من أسرة فقيرة، مكافحة من قرية نائية في أقصى الجنوب اللبناني، مات والدها وهي طفلة صغيرة، وحُرِمت من التعليم، ولكنّها تربّت على المبادئ الأخلاقية والدينية الرفيعة، فتعلّمت كيف ترفض الظلم وتتمسك بكلمة الحق مهما كان الثمن.

كان عليها أن تجاهد في الحياة كي تصنع من نفسها شيئاً ذا قيمة، فتعلّمت الخياطة، وجمعت مبلغاً من المال ساعدها على أن تتعلّم ، فتعلّمت، وأصبحت تلتهم الكتب التهاماً، وخاضت معترك الحياة غير عابئة بالصعوبات الكبيرة التي تواجهها، ومنها أنها أرغمت على الزواج برجل رغب في الاقتران بها ليس لأنه يحبّها، بل كي يتحداها ويكسر عنفوانها ويذلّها، على الرغم من أنها أنجبت منه أربعة أولاد، ومع ذلك طلّقها. ولكنّها أكملت حياتها وخاضت معترك الحياة الجهادية. وكان الزمن زمن العهر الإسرائيلي الذي اتخذ من الجنوب اللبناني مسرحاً لعملياته التخريبية، فكان العدو يخترق بطائراته الحربية، لتقتل وتدمّر كل ما يعترض طريقها، ثم تعود من حيث أتت من دون أن يعترض طريقها أحد. وكانت سياسة الدولة: "أن قوة لبنان في ضعفه"، فلم يكن العدو يواجه أي مقاومة تذكر، إلى أن تواجدت حركة فتح في الجنوب اللبناني وصار الفلسطينيون يقومون بعمليات فدائية انطلاقاً من الجنوب. وبعد أن احتلّ العدو جنوب لبنان، بحجّة القضاء على المقاومة الفلسطينية، أذاق البلاد والعباد مرارة الذل والقهر. وكثر العملاء من اللبنانيين الذين يتعاونون مع العدو ضد أبناء وطنهم، فزجّ بكثيرين في معتقل أنصار وفي السجون الاسرائيلية، وهدمت بيوت كثيرة فوق رؤوس أصحابها.

وفي المقلب الآخر من المشهد، بدأت الأحزاب والحركات الوطنية اللبنانية بمقاومة الاحتلال، وظهرت حركات ثورية جديدة، منها حركة المحرومين التي أسّسها الإمام المغيب موسى الصدر. في هذا الجو عاشت فاطمة، وتربّى في نفسها الشعور بالدفاع عن الحق، وبأن المرأة كالرجل عليها أن تناضل في سبيل تحرير بلدها من الاحتلال، فانتسبت إلى إحدى المنظمات الحزبية الوطنية، وهناك تعرّفت إلى المناضل علي عبدالله فأعجبت به وأحبّته، ثم تزوجا. وتفرغت فاطمة للعمل الجهادي فخضعت لدورات عديدة في الإسعافات الأولية، والتمريض وفي استعمال السلاح، وأصبحت قيادية تقوم هي بتعليم الفتيات ما تعلّمته، وتحرّض النسوة على التظاهر ضد العدو المحتلّ، وتشارك الرجال في عملية تحرير الأرض، فأعتَقَلت ورحّلت إلى سجن الرملة داخل فلسطين المحتلة. وكذلك اعتقل زوجها علي عبدالله الذي زج في معتقل أنصار.

وداخل السجن تلتقي فاطمة بالعديد من المناضلات اللبنانيات والفلسطينيات اللواتي اعتقلن أيضاً، وتدور الأحداث داخل جدران السجن، فيتعرّف القارئ إلى قصة حياة البطلة التي ترويها بكل تفاصيلها لصديقات الزنزانة، ويتعرّف أيضا إلى أولادها من زوجها الأول الذين ربّتهم كما تربت هي على رفض الظلم وحبّ الوطن، وعلى شخصية والدها المزارع النحّات، ووالدتها الأرملة، وهي المرأة، العالمة غير المتعلمة، التي ربّت أولادها بعد موت والدهم كما لو أنه موجود بينهم. وكذلك يبرز البطل حسن علم الأخ الأصغر لفاطمة الذي ولد بعد وفاة والده، والذي باع نفسه للوطن فاستشهد في ساحة الوغى دفاعاً عن الأرض والعزة والكرامة.

إنها رواية بطولية، عمادها ليس فقط الرجل الشهيد الذي يضحي بنفسه في سبيل تحرير الوطن من عبودية الاحتلال، وإنما أيضاً عدد من النساء اللبنانيات والفلسطينيات اللواتي خضن تجربة الدفاع عن الوطن الأم، وعن قضية العرب الأولى فلسطين، فاعتقلن وعانين مرارة الاستجواب والتعذيب من قبل العدو اللئيم، قبل أن يزجّ بهنّ في السجون الباردة الرطبة حيث حُرِمنَ لذّة العيش، وهنّ في عزّ الصبا.

وهي أيضاً قصة الرجل الشرقي الذي تربى وعاش في مجتمع ذكوري، يريد أن يأمر زوجته فتطيعه من دون نقاش أو اعتراض حيث لا يرى فيها سوى متاع ينتفع به.

وكتبت الناقدة الدكتورة مها خير بك ناصر على غلاف الرواية:

"المقاومة فعل بقاء وانتماء، وممارستها خيارٌ، عنوانه الأساس حبُّ الحياة، لأن الحياة تخسر جوهر معناها إذا لم تقترن بفعل مقاوم موسوم بالكبر والإباء والسموّ والثبات والإيمان المتجلبب بالصبر والعطاء، ولذلك لا يمكن أن يرسم بعضاً من صورها ودلالاتها وأهدافها وغاياتها ومقاصدها إلا من مارس الفعل المقاوم فكراً وعملاً وعاطفة وانتماء؛ ولطيفة الحاج قديح جعلت من وجودها رمزاً مقاوماً فلم تهزمها الصعاب، ولم تهزّ عرش إبداعها العواصف، فظلّت قابضة على جمر إيمانها، لترسم من ألم روحها ومن مشاهداتها ومن أصالة انتمائها الشكل الأسمى للحياة، فكانت بطلة رواية " آخر النفق" إحدى تجلّيات شخصية الكاتبة لطيفة الحاج التي اعتنقت الفكر المقاوم دين حياة، وعملت بوحيه، وجداناً وعقلاً، فشعّ هذا الانتماء كلمات تقولها أنثى مبدعة مقاومة وروائية، فهل سيكون عنوان الرواية نوعاً من الاستشراف وينتهي الظلام؟

ليست هذه الرواية سرداً للأحداث، بل هي عمل فنّي مشحون بالحقائق والحكم والآراء الوطنية والقيم والرؤى والتطلعات، وهي تجسيد لمقاومة الأنثى اللبنانية التي تسلّحت بنور المقاومة وجعلت من فعلها خياراً وطنيّاً وإنسانيّاً وأكّدت مقولة: "المرأة والرجل إنسان".

وكتب الناقد الدكتور علي زيتون: "إن رواية "آخر النفق" للطيفة الحاج قديح قد حفظت للرجل نصيبه داخل مقامات نون النسوة، فلم تغمطه حقّه، وتركت للمرأة أن تتنفّس بوصفها كائناً بشرياً له أن يحتفظ باستقلاليته داخل ثنائية الزوجين، فلا يتعالى الرجل ليبني ثنائية (الرجل/المرأة) ولا تتعالى فيها المرأة فتشدّ تلك الثنائية لتكون (المرأة/الرجل). وحين أمسكت فاطمة بزمام السرد، كان من الطبيعي أن يكون حضورها في الرواية حضوراً أساسياً يتيح لحضور الرجل إمكانات تحقّقه، وهذا ما أعطى الرواية النسوية حقيقتها، فكانت أدبيتها مرتبطة برؤية المرأة إلى العالم المرجعي الذي نقلته إلى الرواية متشكّلاً في ضوء خصوصية همومها واهتماماتها بوصفها أنثى. وكان هذا حقاً من حقوق أديبة تتوخّى أن تصف بنات جنسها في مجتمع ذكوري. إنه علَم لطيفة الحاج قديح ترفعه خفّاقاً في فضاء يتسع لكل الثنائيات.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم