الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"السُّنون العِجاف"... قضيّة الأب صلاح أبو جوده من أجل الديموقراطيّة والتّغيير

المصدر: "النهار"
هالة حمصي
هالة حمصي
"السُّنون العِجاف"... قضيّة الأب صلاح أبو جوده من أجل الديموقراطيّة والتّغيير
"السُّنون العِجاف"... قضيّة الأب صلاح أبو جوده من أجل الديموقراطيّة والتّغيير
A+ A-

القضية... وثمارها في 4 سنوات أفكار وآراء وحلول من خصب الربيع. كتابات تنتصر، تتلاقى بين ضفتين واسعتين، حرّتين. من أجل هذه القضية، يشهد الأب الدكتور صلاح ابو جوده اليسوعي، مدير معهدَي الدراسات الاسلامية - المسيحية والآداب الشرقية في جامعة القديس يوسف ومدير "دار المشرق". يكتب، يثب فوق الانكسارات، ينادي، يدافع بكل ما أُوتي من ايمان، ويناضل من اجل ما يسمّيه "ارادة التغيير"، من أجل الوعي الديموقراطي، وبناء لبنان الدولة الديموقراطية.

بجديده، "السّنون العجاف"، يتابع الاتجاه الذي رسمه للقضية وبدأه قبل اعوام. مقالات عصارة أفكاره، أحلامه، طموحاته الى بناء لبنان الدولة الديموقراطية، قراءته للحالة اللبنانية، وايضا العربية، ومصائبها، خرائطه الانقاذية لوطن مأزوم... "هذه قضيتي في الحياة"، على ما يقول لـ"النهار". قضيته، لانه من اللبنانيين الذين عرفوا الحرب وعاشوا مآسيها، و"لانني ايضا كاهن مسيحي". وبالتالي "افتّش دائما عما يمكن ان يخدم الانسان بالفعل، ويؤمّن له حياة أكثر سعادة".

ايمانه بهذه القضية، اقتناعه بها يدفعه الى "الترويج للثقافة الديموقراطية والدفاع عنها". ودفاعه ليس "ايديولوجيا"، على ما يؤكد، "بل لأن لدي اقتناعا بان الديموقراطية تؤمّن حياةً سعيدة للناس، خصوصا في الشرق، بحيث تجعلنا نتجاوز الجهاد للحفاظ على الحياة الى الحياة. هذا ما ينقصنا".


التفكير، العجن، الكتابة فسحات واسعة يعدو فيها ابو جوده بحرية. مؤلفات عدة سابقة... وفي كتابه الجديد الذي يوقعه السبت 15 كانون الاول 2018 في معرض بيروت العربيّ الدوليّ للكتاب*، يلاحق ابو جوده باصرار المهمة، من اجل القضية. وهذه المرة، يجمع 47 مقالة (من 2015 الى 2018) تحت ثلاثة عناوين: "المأزق اللبناني ومخارجه"، "العالم العربي وآفات الجمود"، و"اشكاليات وتحديات غربية ودولية". 277 صفحة أمينة للمؤلف، من صنيعة عقله وفكره وقلبه ويديه. عجينته.

"العيش ع الحفّة"

"السنون العجاف". وأحد مظاهرها "العيش ع الحفّة"، منذ عقود. على هذا يتكلم ابو جوده، وعن هذا يكتب... ويهجس. "دايمن ع حفة مهوار"، على ما يتدارك. "لا يمكن ان يعيش المرء دائما في هذا الشكل، ان ينتظر الكهرباء. واذا جاءت، يتنفس. وينتظر تأليف الحكومة. واذا تألفت يتنفس، كأنه تجاوز مرحلة الخطر. هل يجوز ان نبقى في العناية الفائقة؟".

بالنسبة اليه، الخروج من هذه الحالة الصحية الخطيرة ممكن، عبر "الوعي الديموقراطي". و"هذا الامر ليس سهلا"، في رأيه، اذ يتطلب "برنامجا، وعيا لدى المسؤولين في شكل اساسي، بحيث يتمتعون بحس وطني تجاه المصلحة العامة، مرفقٍ بحسٍ ديموقراطي". ويستحضر ايضا "اهمية الوعي التربوي، لدى المؤسسات التربوية، لبث ثقافة الديموقراطية بين الاجيال الصاعدة".

سياسيون، تربويون... هم "مفاتيح التغيير في المجتمع اللبناني"، بتعبير ابو جوده. والأمر يتعلق بـ"مقدار انفتاحهم على هذه الافكار". واللائحة طويلة. التربية على "ثقافة الديموقراطية"، "التحرر من هيمنة الفكر الجماعي"، "بناء الفكر الشخصي"، "الانتقاد من اجل الخير العام بغض النظر عن الخلفية الطائفية"، التنشئة على "المناقشات العامة"، "مشاركة الرأي العام في المناقشة العامة"، بعيدا من الشتائم وتبادل الاتهامات...

يراقب الأبونا الباحث، يحلل، يفحص، يراجع، يدقق، يشخَص الامراض... "المشكلة معقدة جدا"، على قوله. "تركيبة المجتمع في لبنان تقوم على المذهبية، الامر الذي يزيد الصعوبة امام وصول تيار يخرق هذه المذاهب ويؤلف تيارا وطنيا غير مذهبي، غير طائفي، غير سياسي في المفهوم الضيق".

ويضيف مشكلة اخرى تتمثل في ان "طريقة السياسيين في التعاطي السياسي تقوم على المصالح الشخصية وعلى خطاب مذهبي طائفي فقط. وتُرفَق بها الزبائنية الخدماتية التي تجعل الناس مقيدين بزعاماتهم، اضافة الى عامل نفسي اساسي تخلقه حالة الطائفية السياسية، وتجعل الشخص يتمسك بمرجعيته السياسية. لماذا؟ لان الدولة ليست مرجعية... وياللأسف".

ازاء هذا الواقع، يعجز "الخطاب النخبوي عن ايجاد ارضية تسمح له بالانتشار"، وفقا له. رغم ذلك، يجد ان "التيار المدني الذي عُلِّقت عليه الآمال في مرحلة سابقة وكانت في محلها، برهن انه قادر على تجاوز الحالة الطائفية والحالة النفسية التي تجعل اللبنانيين مرتبطين دائما بزعاماتهم السياسية التقليدية". ويتدارك: "بما انه استطاع ان يتجاوز هذه الحالة الطائفية مرّة، يستطيع ان يحقق ذلك مرة ثانية".

توق

انها "السنون العجاف". العنوان الذي يختاره ابو جوده لعجينته الخاصة، يحمل "توق لبنان والشرق، منذ عقود، الى الديموقراطية. وياللاسف، لا نزال في مرحلة عقم. صحيح ان الطموحات موجودة، لكننا لم نحصل بعد على النتائج التي نأملها"، على قوله. ورغم ذلك، يقفز فوق الخيبات. ولا بد من ذلك. فالواقع الصعب الذي يغذي به كتاباته ليس سوى دافع له الى "ان ابحث بعمق اكبر، وأحاول ان افهم اكثر الاسباب التي تحول دون تحقيق هذه الطموحات، اكان على المستوى اللبناني، ام العربي، وان اتعمق اكثر في المكونات المقاومة للديموقراطية عن وعي او غير وعي".

مواظب، منتظم امين، الاب ابو جوده في كتابة مقالته، مرة شهريا، تقريبا، في قضايا "النهار"، في مجلة "المشرق"... وذلك بما تقتضيه "القضية" التي يؤمن بها ويناضل من اجلها. في مقالة آخر السنة، يقدم "جردة للربيع العربي الذي تحوّل كارثة وياللاسف"، و"سأتكلم على شروط قيامه". واول مقالة في السنة الجديدة 2019 يريدها "تفكيرا معمقا في حالة الجمود التي يعيشها البلد. وهي خطيرة"، وايضا البحث عن "قواسم مشتركة بين اللبنانيين تحررهم من الارتباطات النفسية الطائفية، وتمكنهم من البناء معا على مستوى الوطن".

المشهد ضبابي. لبنان على شفير الانهيار. "افلاس". "غياب الخطاب الوطني". "لا رؤيا". "محاصصات، وياللاسف"، و"الدستور مهمّش كليًّا". "نغرق"... رغم كل هذا، لا يزال ابو جوده متفائلا. "غريزة الحياة تبقى الاقوى"، على ما يؤمن به ويكتب من اجله. بالنسبة اليه، "لا يمكن ان اكون مؤمنا واعيش اليأس. ايماني يمنعني من ذلك. فهو قائم دائما على قوة الرجاء. والرجاء يكون في الله، وايضا في الانسان".


*يوقّع الاب صلاح ابو جوده كتابه "السنون العجاف- طموحات التحول الى الديموقراطية في لبنان والعالم العربي" (دار المشرق) الساعة 17,00 ب ظ السبت 15 ك1 2018 في منصة مكتبة اسطفان في معرض بيروت العربيّ الدوليّ للكتاب.

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم