الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

اللحظة البدر

غسان علم الدين
اللحظة البدر
اللحظة البدر
A+ A-

البلاد غادرها الله. إذن لقد وافاك الحلم الآن، حلم مئات الملايين الذين ماتوا، والذين لا يزالون يحلمون. قُم انتفض، سينتفض معك النّصلُ، الحالم أن ينغرز في نحر جلّاديك، وليكن الذّابح هو الذّبيح.

لقد وافاك الحلم الآن، قم انتفض. اللحظة كالبدر، أليس هذا ما يفتّش عنه الشّعراء، وبه يحلم المبدعون؟

أبغير متى تتمرّد السكين على الجزّار، النّازل ذبحاً، وتقطيعًا بالناس؟

قم انتفض. فتّحْنا أعيننا على بلادٍ تُساق فيها الشعوب، أُضحياتٍ، لأعياد اغتصاب العروش، لمناسبات قيام الانقلابات، و"الثورات التصحيحية" و"الانتصارات الطائفيّة المذهبيّة" لأعياد تصديق الخرافات، و"الجهل المقدّس" والتّمسّح على أعتاب الضّرائح، وشقّ الأثواب وتجريح الجباه والوجوه

والصّدور. خِراف يُعدّونها للكرْز. فالأعداء، يتلذّذون، ينتشون، بنزيف دمائها وهي تُذبح، لا مُنقِذ لها ولا ناصر، ولا رحيم. نعم، كي يأمٰن الأعداء وهم في طريق عبورهم إلى مخادع زوجاتنا، وإلى "قصور الضّيافة"، "قصور الشعب"، قصور سلالات الأنبياء والصّالحين؟

نعم، هكذا ينسٰرُّ الأعداء لرؤيتنا جِيٰفاً بكل الذّل، بكل الضعف، بكل انتهاك القتل، لعزّة الكائن الحي. نخرُّ ألٰماً وحشرجاتٍ، من الوريد إلى الوريد. الدم العربي الأرجواني يثير شبق الملوك، والأمراء، والرّؤساء والسّلاطين، وآيات الله العظمى. الدم الأُرجواني: نبيذُ كؤوسِ انتصار الخرافة، لذةُ نٰظٰر جِمال الصّحراء، وانتشاء السّفّاحين.

لقد وافاك الحلم الآن، البلاد غادرها الله. الّلحظة كالبدر، قم انتفض, عمّ يكتب الشّعراء، وبمَ يحلم المبدعون؟

أوطانٌ، منذ مئات سنين، غادرٰها غاضباً لهول ما قتلوا، وما ارتكبوا، وما فظّعوا بالإنسان.

في بلادٍ غادرها الله، أؤكّد، وإلّا: إلى متى يستمر الملوك، الأمراء، السّلاطين، الرؤساء، و"آيات الله العظمى" في أكل عيون الأطفال، ومصّ دماء العمّال والفقراء والمعوّقين؟ إلى متى يظلّ يُقٰتَل الشرفاء، وتُسحَق الكرامات، وتُخنَٰق طيور الحرّية؟

ترٰكٰها، لحشراتٍ يسودهم اعتقادٌ أنهم أسودٌ، فيالق، أعزّة، جبابرة، هم وحدهم سيقهرون البرابرة. فليرتٰح الشّعب، فليطمئن البسطاء، فليأمن الخائفون.

نعم، أيّها المتناسلون كالجراد، اطمئنوا، في بلادٍ غادرها الله. إذن هي الآن فرصتكم ضد عبيد شهواتٍ ومجانين سلطاتٍ، يستمرئون وطء أحذية الأعداء، وكنادر نسائهم. كنادرُ نساء الأعداء كلّما أطالت مكوثها، فوق أنوفهم وشنباتهم، استعذبوا روائح أكعاب وأقفية الحريم.

البلاد غادرها الله هولاً، احتجاجاً، ارتياعاً، مما ارتكبوا باسمه ويرتكبون.

أيها العارفون، الخانعون، الشّرفاء، نعم، لِمَ لا تخرجون شاهرين أحذيتكم، قمصان أطفالكم، أبنائكم، شهدائكم؟ أليست ثياب الشهداء ذخيرتكم في يومكم الموعود؟ هل تعتقدون أن في الكون كلّه لكم أعداء، اكثر عداوة وكرهاً من هؤلاء؟ هل تظنون أن مٰنْ أكٰلٰ أكباد أبنائكم، وعيونهم، وأن من قطّع جثثهم، ومثّل بها في لبنان، في سوريا، في فلسطين، في العراق، في إيران غير من يدّعون: الأخوّة والإهلية، والحاكمية، والتقوى، والزّهدٰ في السلطان والثروات، والنّكاح، في الحلائل والمحارم، والطفلات؟ هل تعتقدون أن هؤلاء لا يخافون، غير من غضبتكم، من شبّتكم، من نفرتكم، من صرخاتكم، أنتم المظلومون، المقهورون وساكتون؟ قوموا، اندلعوا حرائق، كل أمطار السماوات والأراضين لا تطفئها، قبل أن يعود الله. فإذا عاد وكنتم، بٰعدُ، في أماكنكم، فلن تقوم لكم بعد اليوم قائمة.

سنظل نُذبَح، قرابين، اشتهاءً، وتلذّذاً، لمُشتهى عيون الأعداء. هذه المرّة، إذا عاد فلن يغادر الأوطان، فانتبهوا.

لن يكون لكم خروجٌ من سِفْر الذّل والعذاب والتّشرّد، والهزائم.

عمّ يكتب الشعراء والكُتّاب والمبدِعون، عن غير الألم، المهرّٰب في جلسات الفقراء، في زواريب القهر، الإرغام، الاغتصاب وسحق الضعيف، وأن الجهل ليس قدراً لا رادّ له؟

عمّ يكتب الشعراء، عن غير ملوك، وأمراء، ورؤساء، وسلاطين، و"آيات الله العظمى"، محترفي قتل المبدعين، عشّاق الحب والحرية، والفنون؟

في بلادٍ غادرها الله ينبغي جعلُ الأحلام ضرورة للثورة، ضدّ المؤلّهين أنفسهم علينا، حُكّاماً مؤبّدين، بالتزوير والانقلابات، بالأكثريات الطائفية، المذهبية، القبليّة، العائلية. كيف لنا بغير الثورة أن نُعيد إلى الإنسان، حقّه، قوْته المنهوب منه، وأن فقرهُ ليس مشيئة الله؟

في هذه البلاد التي غادرها الله، مانحاً إيّاكم الفرصة، قوموا الآن. فلا ملوك، ولا سلاطين، ولا أمراء ولا رؤساء، ولا آيات عظمى قد يصمدون.

أصواتكم، عذاباتكم، تُنبِتُ في الصحارى نخيلاً مسلّحاً، وينطق الصمت الذّليل صرخات، وأناشيد حبٍّ وتغيير.

لقد وافاك الحلم الآن، حلم مئات الملايين من الأهل والأصدقاء والشّرفاء، ممّن ماتوا، وممّن لا يزالون يحلمون.

هذه البلاد غدرها الله، إذن: الّلحظة كالبدر. قُم انتفض، واغرز أظفارك في نخاع جلّاديك.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم