السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

كارلوس غصن... أسباب الشك

المصدر: "النهار"
جاسم عجاقة-خبير اقتصادي واستراتيجي
كارلوس غصن... أسباب الشك
كارلوس غصن... أسباب الشك
A+ A-

علامات الاستفهام تُطّرح حول عملية توقيف كارلوس غصن والاتهامات التي وجّهها له القضاء الياباني. وعلى الرغم من الصدقية التي يتمتّع بها القضاء الياباني، إلا أن حجم التدخل الكبير فيه يُظهر حجم الخطر الذي أصبح يُشكّله غصن على المصالح الاقتصادية لبعض الدول.

في 19 تشرين الثاني 2018، أوقف رئيس مجلس إدارة مجموعة نيسان-رينو-ميتسوبيتشي كارلوس غصن بتهمة تهرّب ضريبي بقيمة 70 مليون دولار أميركي. عملية التوقيف التي اعتُقل خلالها أيضًا يده اليُمنى الأميركي غريغ كيلي جاءت بعد هبوط طائرته الخاصة في اليابان حيث صعدت الشرطة إلى متن الطائرة وقُبض عليه داخلها ووُضع في سجن يمكث فيه حتى الساعة. وفي 22 تشرين الثاني خلع غصن من منصبه كرئيس لمجلس إدارة شركة نيسان وكذلك فعلت شركة ميتسوبيتشي في 26 تشرين الثاني إلا أنه يحتفظ برئاسة مجلس إدارة شركة رينو.

الوقائع كما سردت في الإعلام تنص على أن غصن أخفى عن مصلحة الضرائب اليابانية مدخوله كرئيس مجلس إدارة نيسان ما قيمته 5 مليارات ينّ ياباني بين العامين 2011 و2015. أضف إلى ذلك يتّهم القضاء الياباني غصن بعدم التصريح عن أرباح على أسهم شركة نيسان بما يوازي 34 مليون دولار أميركي. وصرحت الصحف اليابانية أن شقيقة غصن تتلقّى 100 ألف دولار سنويًا منذ العام 2002 لقاء عمل وهمي كمستشارة.

بالطبع إظهار الوقائع بهذه الطريقة يجعل القارئ يُطلق أحكامًا سريعة على غصن وهذا حق. إلا أن تحليل الوقائع والأحداث يُثير شبهة حول الأسباب الحقيقية التي أوقف غصن بسببها. وينفي كارلوس غصن نفيًا قاطعًا كل التهم المنسوبة إليه وهذا ما يؤكده أيضًا يده اليمنى القابع في السجن الأميركي غريغ كيلي.

الأسباب التي تدعونا إلى التشكيك بالتهم الموجّهة إلى غصن هي التالية:

أولاً – طريقة إعتقال كارلوس غصن: طريقة اعتقال كارلوس غصن تُثير الشبهات من ناحية طريقة تنفيذ العملية في الطائرة عند هبوطها، والأهم هو وجود بعض الصحافيين والمُصورين في المكان كأن الأمر كان معروفًا مُسبقًا. فكارلوس غصن بالوزن الذي يُمثّله، ليس بشخص عادي ولا يُمكنه الهرب بحكم موقعه. إذًا، لماذا معاملته كمجرم والقبض عليه كأنه يهمّ بالهروب؟

ثانيًا – دور شركة نيسان: إن دور شركة نيسان في عملية اعتقال غصن تطرح أكثر من تساؤل عن الأسباب. فشركة نيسان وضعت فريقاً سرّياً للتحقيق بملفات أتلفها غصن بحسب الوكالة اليابانية كيودو. كما أن نيسان قدّمت إلى القضاء الياباني المعلومات المالية عن التهرّب الضريبي لغصن وغيرها من المعلومات المالية الأخرى كقضية العمل الوهمي لشقيقة غصن.

وهنا نطرح سؤالاً أساسياً: لماذا تتقدم نيسان بشكوى ضدّ رئيس مجلس إدارتها وهو الذي أنقذها من هلاك كان مُحتّماً بعدما كانت ديونها تفوق العشرين مليار دولار أميركي وأنقذها من هذا الدين في فترة 3 سنوات فقط؟

قد يقول البعض إن اليابانيين يتمتّعون بأخلاق عالية وهذا كلام حقّ، إلا أنه في عالم الشركات من المعروف أن المصالح الخاصّة تفوق كل المعايير الأخرى (وهذا صحيح في كل دول العالم) وتالياً الإطاحة بالرجل الذي أنقذ نيسان يخفي في طياته عدداً من الحقائق الأخرى.

ثالثًا – دور الحكومة اليابانية: لقد أثارت الطريقة التي تعاطت بها الحكومة اليابانية مع قضية كارلوس غصن تساؤلات عدة خصوصًا أنها أظهرت انحيازًا كاملًا باتجاه إدانة كارلوس غصن واعتباره مُجرمًا حتى قبل قول القضاء كلمته. وما تصريحات وزير الاقتصاد الياباني إلا دليل على هذا الانحياز.

رابعًا – دور الصحافة اليابانية: لم يُظهر الإعلام الياباني أي تعاطف مع كارلوس غصن، وهو الأجنبي الأكثر شعبية في اليابان ويعتبره العديد من اليابانيين "بطلاً" بحكم ما فعله لنيسان وكيف أنقذها ومعها عشرات الألوف من الوظائف. فمنذ اللحظة الأولى لتوقيفه حيث كان الإعلام الياباني حاضرًا وحتى الساعة لا تمرّ لحظة واحدة إلا وأخبار كارلوس غصن على الصفحات الأولى وفي طليعة نشرات الأخبار وكلّها أخبار سيئة من دون إعطاء أقلّه احتمال أن يكون بريئاً، وكأن هذه الصحافة أطلقت حكمها المُسبق وتُشوّه صورة الرجل أمام الرأي العام الياباني الذي كان يعتبره بطلًا.

خامسًا – موقف رينو والحكومة الفرنسية: صرّح وزير المال الفرنسي أن مديرية الضرائب في وزارته دققت في إمكان أن يكون كارلوس غصن قد تهرّب من دفع الضرائب من فرنسا، وأتى الجواب أن لا شيء من هذا موجود. أضف إلى ذلك أن شركة رينو لم تجد أياً من ممارسات غصن التي تتهمه بها شركة نيسان في شركة رينو. وهنا نطرح السؤال: لماذا؟

سادسًا – التناقض بين الإعلام والقضاء: في 26 تشرين الثاني 2018، نشرت وكالة الـ AFP خبرًا مفاده أن غصن ليس موقوفًا بسبب تهمة التهرّب الضريبي بل بسبب تقرير عن وضع نيسان المالي (عنوان هذا التقرير "yukashoken hokokusho") حيث وقّعه غصن مع علمه المُسبق أنه يحوي عددًا من المُغالطات ومن بينها تصريح عن مداخيل أقلّ بـ 8.7 ملايين دولارات أميركي على فترة خمس سنوات. وبحسب القانون الياباني، يتحمّل رؤساء الشركات مسؤولية شخصية في التصريح عن التقرير السنوي للشركات المُدرجة في بورصة طوكيو حيث إن هذا التقرير يُعتبر تقييماً لوضع الشركة من كل النواحي القانونية، المالية... وكلما كانت المعلومات الموجودة في هذا التقرير غير صحيحة، كانت عقوبة رئيس الشركة أكبر.

إذًا، نرى مما تقدّم أن كارلوس غصن كان مُتهمًا بالتهرّب الضريبي ليظهر من بعدها أنه غير مُتهم بالتهرّب الضريبي كما استفحل الإعلام الياباني بإظهاره، بل بالتوقيع على تقرير لشركة نيسان غير دقيق. وهنا نلحظ أن هناك فعلًا تناقضاً بين المعلومات وتجمّعاً لمواقف وعوامل عديدة لا يُمكن أن تكون وليدة الصدفة.

غصن ودمج نيسان بشركة رينو

من المعروف أن كارلوس غصن كان يحمل في رأسه مشروع دمج شركة نيسان بشركة رينو. وهذا المشروع حوّله كارلوس غصن إلى طرح مُثبّت بالأرقام يُظهر الكمّ الهائل من الأرباح التي قد تجنيها الشركة الجديدة في حال حصول الدمج. وهنا تظهر نقطة لم تكن بحسبان غصن أو أقلّه لم يتخذ الإجراءات اللازمة لاستيعابها، فقد عارضت شركة نيسان هذا المشروع بشكل شرس والسبب يعود بالدرجة الأولى إلى فقدان اليابانيين السيطرة على الشركة الجديدة لمصلحة الفرنسيين حيث إن شركة رينو تملك 40% من شركة نيسان مقابل 15% لشركة نيسان في شركة رينو. هذا الأمر لم يُعجب بالطبع لا الشركة ولا الحكومة اليابانية إذ إنه يُمكن تبرير وضع نيسان لفريق لتقفّي معلومات عن غصن منذ علمهم بمشروع الدمج كتجميع لمعلومات عن غصن لإدانته بالقضاء. كما أنه يُمكن تبرير موقف الحكومة اليابانية والصحافة اليابانية من نفس المنظار أي عدم الرغبة بخسارة ملكية شركة يابانية وطنية. يُمكن القول، إذاً، أن الطرف الياباني الذي معروف عنه أنه ميّال للسوق الحرّة خالف قواعد اللعبة عبر إسقاط شخص غصن بدلًا من إسقاط مشروع الدمج.

غصن والعقوبات الأميركية على إيران

من المعروف أن شركة رينو خطّطت لتصنيع سيارات لوجان 2 وداستر 2 في إيران. وقد وقّعت لهذا الغرض اتفاقًا مع صناديق استثمارية في آب من العام 2017 لفتح معمل تصنيع سيارات في إيران مع 150 ألف سيارة ومحرك في السنة. والسوق الإيراني هو سوق ضخم مع ميول إيرانية لسيارات رينو. وعندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا العام إعطاء مهلة 120 يوماً للشركات الأجنبية للانسحاب من إيران، كان ردّ غصن أنه يرفض الخروج من إيران إذا لم يكن هناك بديل أو شيء بالمقابل من الأميركيين. وقال غصن لأصدقاء لبنانيين له إنه يتعرّض لضغوط كبيرة نتيجة هذا الأمر. وهنا يُطرح السؤال عمّا إذا كان لهذا الأمر علاقة بالمشاكل التي يتعرّض لها غصن في اليابان؟

مُستقبل مجموعة نيسان – رينو – متسوبيتشي

بُعيد توقيف غصن أعلنت الحكومتان الفرنسية واليابانية على لسان وزيري الاقتصاد أن التحالف قائم بين الشركات الثلاث. وهذا يعني أنه من المفروض أن لا تداعيات على عمل المجموعة. إلا أنه وبالنظر إلى العمق نرى أن شركة نيسان خسرت من قيمة سهمها (من 1006 إلى 944 عند اعتقال غصن) ولم تستطع حتى الساعة استعادة قيمة السهم الأساسية نظرًا للغموض الذي يحوم حول توقيف غصن والتقرير الشهير الذي يُتهم بالتوقيع عليه مع عدم دقته. أيضًا نرى أنه من الصعب عودة الثقة بأي إدارة أجنبية لشركة نيسان (والعكس بالعكس) بعد ما حصل مع غصن وهنا يُطرح السؤال عمّا إذا كانت نيسان ستعاود تكبدّ الخسائر كما كانت تفعل قبل مجيء غصن على رئاسة مجلس إدارتها. أمّا في ما يخص شركة رينو فهي تُعتبر من الخاسرين أيضًا بحكم أن مشاريع غصن للشركة كانت كبيرة وهذا الأمر يتطلّب رجلاً على رأس رينو بطموح غصن وعبقريته لكي تستطيع الشركة الاستمرار بالنمو على الوتيرة نفسها.

ويبقى القول إن قضية غصن قضت على الثقة بين الفرنسيين واليابانيين وأصبحت العلاقة في اعتقادنا علاقة مالية بحتة بحيث سنشهد في الأشهر القادمة نوعاً من الحذر في تبادل المعلومات والخبرات بين الشركات الثلاث.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم