الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

ليس فشل الاقتصاد المعولم هو ما أنتج أحداث فرنسا... بل نجاحه

المصدر: "ذا غارديان"
"النهار"
A+ A-

لا تكمن المفارقة في أنّ هذا المشهد ناتج عن فشل النموذج الاقتصادي المعولم بل عن نجاحه. في العقود الأخيرة، واصل الاقتصاد الفرنسي، مثل اقتصادات أوروبا والولايات المتحدة، خلق الثروة. بالتالي، أصبح المواطنون، كمعدل عام، أكثر ثراء. المشكلة هي أنّه وفي الوقت نفسه، ازدادت نسب البطالة وغياب الأمن والفقر. من هنا، ليس السؤال المركزي إذا كان الاقتصاد المعولم فعّالاً، لكن ما الذي يجب فعله مع هذا النموذج حين يفشل بخلق وتغذية مجتمع متجانس.

لا مؤامرة

في فرنسا، كما في جميع الدول الغربية، انتقلت الشعوب في عقود قليلة من نظام يدمج الغالبية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً إلى مجتمع غير متساوٍ من خلال خلق ثروة أكبر لا تفيد سوى من هم أثرياء أساساً. لا يرتبط التغيير بمؤامرة تهدف إلى تهميش الفقير، بل إلى نموذج تتعرض فيه البطالة إلى الاستقطاب بشكل متزايد. يترافق ذلك مع جغرافيا اجتماعيّة جديدة: التوظيف والثروة أصبحا متركّزين أكثر وأكثر في المدن الكبيرة. المناطق التي فقدت التصنيع والمناطق الريفية والبلدات الصغيرة والمتوسطة الحجم باتت أقلّ ديناميّة باطّراد. لكن في هذه المناطق، في فرنسا الأطراف، ويمكن الحديث أيضاً عن أميركا وبريطانيا الأطراف، تعيش الطبقة العاملة. بالتالي، وللمرة الأولى، لم يعد العمّال يعيشون في مناطق تشهد ولادة وظائف، ممّا ولّد صدمة ثقافيّة واجتماعيّة.

في هذه الأطراف، نشأ تيّار "السترات الصفراء". وكانت هذه الأطراف مصدر الشعبوية الغربية. وأطراف أميركا هي التي أوصلت الرئيس الأميركي دونالد #ترامب إلى البيت الأبيض. وأطراف إيطاليا – المناطق الريفية والبلدات الشمالية الصناعية الصغيرة – هي مصدر الموجة الشعبوية. هذا الاعتراض، تحمله طبقات كانت يوماً نقطة مرجعيّة أساسيّة لعالم سياسيّ وفكريّ نسيها حالياً.

ديناميّة ثنائيّة

يتابع الكاتب، أنّه إذا كان ارتفاع أسعار الوقود أطلق حركة "السترات الصفراء"، فإنّه مع ذلك ليس جذره. يسري الغضب عند مستويات أعمق، وهو ناتج عن الإقصاء الاقتصادي والثقافي الذي بدأ في الثمانينات وقد سجن هذا المنطق النخبة في عالم خاص. هذا السجن ليس جغرافيّاً وحسب بل ثقافيّاً أيضاً. إنّ المدن الجديدة المعولمة هي القلاع الجديدة للقرن الواحد والعشرين – الثرية وغير العادلة، حيث لم يعد من مكان للفئات الدنيا في الطبقة الوسطى. عوضاً عن ذلك، تعمل المدن الكبيرة المعولمة وفقاً لديناميّة ثنائيّة: تحسين المناطق الفقيرة كي تصبح أغنى (gentrification) والهجرة. هذه هي المفارقة: يُنتج المجتمع المفتوح عالماً ينغلق بازدياد أمام غالبيّة العاملين.

فازت بالحرب

إنّ الانقسام الاقتصادي بين أطراف فرنسا والمدن المتروبولية يظهر الفصل بين نخبة ومناطقها السكانية البعيدة. لقد نسيت النخب الغربية شعباً لم تعد تراه. لقد أدهش تأثير "السترات الصفراء" ودعم الرأي العام الذي حظيت به (80%) السياسيين والاتحادات العمّاليّة والأكاديميّين كأنّهم اكتشفوا قبيلة جديدة في الأمازون. يذكّر الكاتب قرّاءه بأنّ هدف السترة الصفراء في الأحوال العاديّة هو أن تجعل مرتديها مرئيّاً على الطريق. ومهما تكن نتيجة هذا التأثير، فازت "السترات الصفراء" على مستوى ما يهم حقّاً: حرب التمثيل الثقافي.

إنّ الطبقة العاملة والفئات الدنيا من الطبقة الوسطى أصبحت مرئيّة مجدّداً، وكذلك المناطق التي يعيشون فيها. يحتاج المنتمون لهذه الفئات أولاً إلى الاحترام وإلى عدم التفكير بهم على أنّهم "بائسون". لدى هؤلاء طموحات بسيطة: الحفاظ على عملهم ورأسمالهم الثقافي والاجتماعي. ولكي ينجح هذا الأمر، يرى غيلوي أنّه يجب إنهاء "انفصال" النخبة وتكييف عرض اليسار واليمين مع مطالبهم. هذه الثورة الثقافية هي حتمية ديموقراطيّة واجتماعيّة – لا يستطيع أي نظام الاستمرار إذا لم يدمج غالبيّة مواطنيه الفقراء.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم