الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

المغامرة الأفريقية: خلطنا الأوراق بين البيض والسود فانتهى الفصل العنصري

المصدر: "النهار"
Bookmark
المغامرة الأفريقية: خلطنا الأوراق بين البيض والسود فانتهى الفصل العنصري
المغامرة الأفريقية: خلطنا الأوراق بين البيض والسود فانتهى الفصل العنصري
A+ A-
"لقد درست خطبه وانعمث النظر فيها. انها تنطوي على رنة من الصدق. اشعر بانني اتعامل مع رجل يتمتع بالاستقامة غير ان جميع اعمدة الفصل العنصري لا تزال قائمة". نلسون مانديلا للوزير بايكر عن ف. و. دي كليرك. 21 اذار 1990. كنت، بمقدار ما تعيه الذاكرة، صيادا مفعما بالحماسة. وكان والدي مسؤولا عن غرس حب الحياة في الهواء الطلق في نفسي. كذلك كان مسؤولا عن رعاية هواية لازمتني طوال حياتي ومنحتني لحظات سعيدة لا تنسى. وعندما كنت في السادسة من العمر اصطحبني في رحلة لصيد البط. ورأى في ذلك طريقة لقضاء وقت ممتع بين اب وابنه. والحقيقة انه كان مصيبا في ذلك. فبعض افضل اللحظات في حياتنا قضيناه في مطاردة البط. ولم البث ان تخرجت فاصبحت قادرا على صيد انواع اخرى. وعندما بلغت الرابعة عشرة قرر انني اصبحت متمرسا الى حد يؤهلني لمرافقته في رحلات صيد الايل في وايومنغ وخلال تلك الرحلة في صيف 1944 ازددت تعلقا بوايومنغ وادى ذلك الى تملكي مزرعة هناك عام 1988. وكما هو شأن معظم الصيادين الشرهين اردت دائما مطاردة الحيوانات الكبيرة في افريقيا. وعام 1974 اتيحت لي الفرصة في نهاية المطاف. اذ قررت انا وسوزان قضاء شهر عسلنا المؤجل في حلة "سفاري" فامضينا ثلاثة اسابيع رائعة في بوتسوانا، وهي بلد مستقر نسبيا ويضم عددا قليلا من السكان ولم يدخله سوى قدر ضئيل من التطور، فضلا عن وجود مساحات شاسعة فيه من البراري التي تمتد حتى الجزء الجنوبي من القارة. وبعد 16 عاما، وجدتني اعود محملا بعواطف خاصة، الى افريقيا التي اشتعلت فيها حدود سياسية جديدة. كانت القارة مخلبا على رقعة شطرنج بين الشرق والغرب، وخلال اكثر من جيل كانت سياستنا تجاه افريقيا تمليها عوامل تتعلق بالمنافسة مع الاتحاد السوفياتي، ولكن مع نهاية الحرب الباردة وصعود ميخائيل غورباتشيوف برزت فرص جديدة لازالة بعض المخلفات الاقليمية التي كانت تعكر صفو الصداقة الاميركية - السوفياتية. ونتيجة لذلك اصبح الاستقلال في سرعة حقيقة ملموسة في ناميبيا، كما ان عقدا كاملا من المجابهة في انغولا، بين الدولتين العظميين، كان قد بدأ يكشف حالا من التعب والارهاق. ومع ذلك فان خطر اندلاع حريق هائل في جنوب افريقيا، حيث تنتشر القروح المتقيحة لنظام الفصل العنصري، ظل ماثلا على رغم ان حال التوتر خفت في بعض اجزاء القارة الافريقية الاخرى. وفي الوقت الذي كنت اعد نفسي فيه لتسلم منصب وزير الخارجية، اذكر انني كنت افكر ابان نظام "الفصل العنصري"ما دام يمثل سياسة تقابل بمقدار كبير من المقت والازدراء في جميع انحاء العالم المتمدن، فانه لا بد ان ينهار عاجلا وليس اجلا. بل ان هذا النظام كان يشكل مسألة عاطفية ومثيرة للمشاكسة، الى حد ان القضاء عليه لم يكن ليتحقق الا بحمام من الدم. اصبح التحدي الذي تواجهه الديبلوماسية الاميركية يملي عليها في بلد لا مثيل لجماله، حيث اصبح العنف شائعا ويهدد بالانفجار على شكل "مذابح" عنصرية، ان تبتكر سياسة تقلل من فرص حدوث نتيجة كارثية كهذه. التحرك نحو ما هو ابعد من الاتصال البناء على غرار اميركا الوسطى، اثارت جنوب افريقيا انقسامات سياسية مريرة في الكونغرس واوساط الشعب الاميركي في الثمانينات، وعارضت ادارة ريغان بقوة اصدار قوانين تشريعية تفرض العقوبات على حكومة الاقلية البيضاء في بريتوريا، مفضلة بدلا من ذلك سياسة "الاتصال البناء" التي تتيح لها فرصة اقناع الافريكانيين اعضاء الحزب الوطني الحاكم بانهاء العمل بنظام الفصل العنصري. وبعد اقرار الكونغرس التشريع الشامل والمناهض للتمييز العنصري عام 1960، وهو التشريع الذي يفرض عقوبات اقتصادية وديبلوماسية شديدة على جنوب افريقيا، استخدم الرئيس ريغان ضده حق النقض (الفيتو)، فما كان من الكونغرس الا ان اعترض بدوره على "فيتو" الرئيس مسجلا بذلك اشد انواع الرفض درامية وهو في حقيقته رفض للسلطة الرئاسية في مجال ادارة السياسة الخارجية خلال اعوام عهد ريغان. رأيت ان الوقت حان لايجاد حل على مستوى الحزبين، من اجل اطلاق هذه المسألة العاطفية والمسببة للانقسام. وكان بوش كخلفه ضد فرض العقوبات. فهو يرى انها تؤدي الى عكس المطلوب، ويفضل التفاوض على العزل. وكنت مؤيدا له في موقفه هذا غير انني وافقته ايضا على رأيه القائل بأن المسألة كانت اخلاقية ايضا. فالتجربة الاميركية، اكثر من اي شيء آخر، يحددها اعتقادنا بمبدأ المساواة بين جميع الناس. كان التمييز العنصري ببساطة، نظاما لا يمكن الدفاع عنه بالنسبة الى معظم الاميركيين. ولهذا كان استمراره يزيد من حدة الضغوط على الادارة الجديدة لكي تتخذ اجراءات مقاطعة اشد، الامر الذي رأيت انه سيزيد من اشتعال الحوار الداخلي ويؤدي الى تصلب المواقف في جنوب افريقيا. ظلت السياسة الاميركية الرسمية قيد المراجعة في العام الاول من عهد ادارة بوش، ومع ذلك فان نهجا جديدا يدعو الى ايجاد حل لهذا النزاع، كان قد حدد في ربيع 1989 ولدى مراجعة تلك السياسة يبدو من الواضح لي ان ثمة احساسا جديدا تطور في الولايات المتحدة وجنوب افريقيا. فالطرفان باتا يشعران بأن الادارات السابقة فشلت في اقامة اتصال حقيقي على المستوى الرئاسي مع الزعماء السود الذين يتمتعون بالصدقية في جنوب افريقيا. وهكذا كتبت في مذكرة موجهة الى الرئيس ومؤرخة في 2 ايار 1989، اقول: "اعتقد ان من اول ما يجدر بكم تنفيذه من سياسات حيال جنوب افريقيا هو تصحيح هذا الخطأ". عام 1984 التقى الرئيس ريغان رئيس الاساقفة الانغليكاني في جنوب افريقيا ديزموند توتو ولم يسفر الاجتماع عن نتيجة. اذ حاضر امام الرئيس في موضوع اخطاء السياسة الاميركية، ثم سفه الرئيس وسياسته امام الصحافيين. واقترحت في المذكرة نفسها ان يدعو الرئيس السيدة البرتينا سيسولو الى البيت الابيض. وكانت سيسولو الام المسؤولة عن احدى الاسر السياسية القيادية السوداء في جنوب افريقيا. واما زوجها فكان يقضي عقوبة السجن مدى الحياة مع نلسون مانديلا، وهو سجين منذ عام 1964، بينما يعتبر ابنها الذي كان زميلا في جامعة هارفارد احد اشد افراد جيل جديد من الزعماء السود اثارة للاحترام، وامضى بدوره عامين رهن الاعتقال. لعل قيادتها المتشددة، ولكن غير المؤمنة بالعنف، للجبهة الديموقراطية المتحدة، الحركة الرئيسية المناهضة للفصل العنصري في البلاد، جعلتها الاختيار الافضل للتنبيه الى قرار الرئيس مد يده الى الزعماء السود المعتدلين، وكذلك ارسال مؤشر قوي الى حكومة جنوب افريقيا مفاده ان الرئيس بوش ليس محايدا عندما يتعلق الامر بالفصل العنصري، وان المطلوب من بريتوريا تقديم المزيد من التنازلات قبل ان يوصي برفع العقوبات الاميركية. كنت اقدر ان حكومة جنوب افريقيا ستشعر بالحساسية حيال اية فكرة تتعلق باجراء اتصالات على مستوى عال مع المعارضة، وانها قد تحجم عن تزويد السيدة سيسولو جواز سفر. واقترحت التغلب على هذه العقبة عن طريق توجيه دعوة هادئة الى ف.و.دي كليرك للاجتماع بي خلال زيارة خاصة يعتزم القيام بها الى الولايات المتحدة قبل ان ينتخب رئيسا في موعد لاحق من شهر ايلول. وكما هو متوقع لم يكن زعماء جنوب افريقيا سعداء اطلاقا بخبر دعوة سيسولو. وبعدما ابلغهم الدعوة اد بركينز السفير الاميركي في بريتوريا، طالبوا بان يسمح لدي كليرك بعقد لقاء والرئيس. اجاب بركينز بلا مداورة ان الاصلاحات التي قامت بها الحكومة التي كان على رأسها بوتا لم تكن على اهميتها - كافية لتبرير توجيه دعوة من...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم