السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

34 فيلماً في الدورة الرابعة لمهرجان زيوريخ الدولي للأفلام العربية... و"سينما لبنان تشقّ طريقها نحو العالمية"

جواد الساعدي
A+ A-

بفيلمين طويلين وستة أفلام قصيرة، شارك لبنان في مهرجان زيوريخ الدولي للأفلام العربية الذي انطلقت دورته الرابعة في الخامس عشر من الشهر الجاري في حضور نائب مدير دائرة الثقافة في المدينة فيليب كُون والقنصل المصري في بَرْن محمد فودة ورئيس مهرجان الإسكندرية السينمائي الأمير أباظة والفنان العراقي الكبير سامي قفطان والمخرج السوري جود سعيد والمخرج الهولندي المنحدر من أب تونسي أليكس بيتسترا والمديرة الفنية لمهرجان الإسكندرية ميرفت عمر، وعددٍ كبير من المهتمين بالثقافة العربية.

قبل حفل الافتتاح عرض المهرجان، بالإضافة إلى فيلمين روائيين طويلين من سوريا وتونس، الفيلم اللبناني القصير، "مقطوعة موسيقية بالأسود"، وهو روائي مدته 16 دقيقة للمخرج جيمي كيروز. في نهار اليوم الثالث شاهد السويسريون أربعة أفلام لبنانية قصيرة هي: "صدْع"، روائي مدته 16 دقيقة للمخرج معتز سلوم، و"زيارة الرئيس"، روائي كوميدي مدته 14 دقيقة من إخراج سيريل إيريس و"شجرة البلوط"، روائي مدته 23 دقيقة من إخراج إيثان جهان، و"كارجو"، روائي مدته 20 دقيقة للمخرج كريم رحباني؛ واختتم المهرجان عروضه المسائية بالفيلم اللبناني الروائي الطويل "ربيع"، من إخراج فاتشيه بولغورجيان وتمثيل الفنانة القديرة جوليا قصّار والممثل والموسيقي الشاب الكفيف بركات جبور الذي أبهر الجمهور بأدائه وأثار الأشجان بصوته، فضلاً عن المضامين التي جسّدها في الفيلم من خلال عرضه لإحدى أهم إشكاليات ما بعد الحرب.



مساء اليوم الخامس عرض المهرجان الجزء الأول من "طرابلس: الطريق إلى المصالحة"، وهو فيلم وثائقي قصير مدته 9 دقائق للمخرج اللبناني إلياس خلّاط، ثم تلاه الفيلم الوثائقي الطويل "ميّل يا غزيّل" للمخرجة اللبنانية إليان الراهب.

إليان الراهب زارت المهرجان واعتلت المنصة قبل العرض فجرى معها حوار حول طبيعة فيلمها والمضامين التي يحملها وسبب اختلاف تسميته بالإنكليزية ««Those who remain وكيفية لقائها بصاحب المطعم هيكل، الذي أصبح في ما بعد الشخصية الرئيسية فيه وجسّد نموذجا واقعيا للمسيحي اللبناني الذي لم يكن يخشى غزو "الدواعش"، والمستعد للدفاع عن وجوده وأرضه التي تجذر فيها من دون أن يعني له لبنان، المسيحيين فقط، فهو يقول للمخرجة التي تسأله فيما إذا كان الوطن يعني له المسيحيين، بأن الوطن هو "الناس اللي قاعدين بهالأرض"، ويردف بسؤالٍ استنكاري: "ليش إذا فلّو الإسلام نحنا فينا نعبّي محلُّن؟"، ثمَّ يجيب: "ما حدا بيعبّي محل حدا".

مديرة المهرجان ورئيسة جمعية الفيلم العربي في زيوريخ، المخرجة السويسرية-العراقية عايدة شْلَيبفَر الحسني وصفت المشاركة اللبنانية بـ"الكبيرة والمهمة"؛ وقالت لجريدة "النهار": "إن الأفلام اللبنانية مصنوعةٌ بشكل جيد جدّاً وكل عناصرها مكتملة"، ثم أضافت: "ما يُدهشنا في إدارة المهرجان هو أن المخرجين اللبنانيين لديهم كل هذا الكم الغزير والنوع المتميز من الإنتاج، على الرغم من أنهم لا يتلقون دعمًا من الجهات الرسمية المعنية بالثقافة في بلادهم". وكشفت أن الأفلام التي تقدّمت من لبنان للمشاركة في المهرجان "كانت أكثر من أي دولة عربية أخرى".

وقالت الحسني: "إن مشاركات لبنان لم تغب عن دورات المهرجان الأربع منذ 2012 وكانت متميزة وتلفت نظر الجمهور السويسري في كل دورة"، ورأت من خلال متابعتها "أن السينما اللبنانية في طريقها إلى العالمية، فهي في تقدمٍ دائم ويظهر في مشهدها دائمًا مخرجون واعدون بأعمالٍ أُولى جيدة جداً".

وعن المواضيع التي تشغل الحيّز الأكبر من الإنتاج اللبناني قالت: "هي مواضيع ما بعد الحرب، أي نتائجها وانعكاساتها على المجتمع اللبناني والأزمات التي يفرزها النظام السياسي وضغط اللاجئين السوريين وطبيعة العلاقة مع سوريا والعادات والتقاليد اللبنانية. هذه المواضيع يلمسها ويراها المُشاهد مطروحة لدى المخرجين اللبنانيين بكل صدقٍ وأمانة، ومن دون تشويه للحقائق، أستطيع قول ذلك لأنني عشت جزءاً من معاناة اللبنانيين خلال الحرب الأهلية حيث أقمت هناك لفتراتٍ طويلة وعايشت الكثير من أزَماتِهم وأَلِفت معظم الأماكن التي يتحدثون عنها وعرفت العادات والتقاليد".

وشكرت الحسني جريدة "النهار" على تغطيتها للدورتين السابقة والحالية وتمنت للسينما اللبنانية المزيد من النجاح والتقدم.

بلغ مجموع الأفلام المشاركة في المهرجان 34 فيلمًا؛ 18 فيلمًا طويلا بينها 5 أفلام وثائقية و16 فيلمًا قصيراً بينها فيلم وثائقي وآخر متحرك، وقد توزعت، فضلاً عن لبنان، على ثمانية بلدان عربية أخرى هي: مصر 6 أفلام، العراق 6، تونس 6، الجزائر 2، الأردن 2، المغرب 1، سوريا 1، وفلسطين 1، بالإضافة إلى فيلم باللغة الفرنسية لمخرجته الفرنسية من أصول مغربية مليكة زيري.

نائب مدير دائرة الثقافة في مدينة زييورخ فيليب كُون قال في الكلمة التي ألقاها في حفل الافتتاح الذي أقيم في صالة Filmpodium في المدينة: "إن المهرجان أصبح تقليداً راسخًا وبات يتمتع باهتمامٍ متزايد من الجمهور"، وأشار إلى "أن الإنتاج السينمائي العربي غير مدرج على برامج دور العرض العادية، فمنذ 2010 حتى اليوم لم يُعرض في سويسرا سوى 30 فيلمًا عربيًّا، بينما عُرض 1200 فيلم أميركي في الفترة نفسها".

وقال: "إن الصورة المتداولة لدينا عن العالم العربي متأثرةٌ كثيراً بما تقدمه نشرات الأخبار المرئية التي تخلق إنطباعاتٍ سريعة تنبثق غالبًا من نظرةٍ غربية". ورأى أن "المهرجان يواجه هذه الانطباعات ويُظهر لنا التنوع المثير للإعجاب الذي تقدمه السينما العربية"، ودعا الجميع إلى تبادل نشط للآراء "يتجاوز كل الحدود الثقافية".

على هذا الصعيد، ولضمان أعلى مستوى من الفهم والتفاهم، كانت إدارة المهرجان قد وجهت الدعوة إلى الدكتورة علا عادل، وكيلة كلية الألسن في جامعة عين شمس والمترجمة الفورية لدى الرئاسة المصرية، لتولي الترجمة، فحضرت من القاهرة خصيصًا لذلك، وقد شكرتها إدارة المهرجان في حفل الافتتاح على تلبية الدعوة.

زار المهرجان في ما بعد السفير التونسي في سويسرا مراد بو رحلة وشارك في أيامه اللاحقة كل من المخرج المصري أحمد عامر والمخرجة الأردنية وداد شافاكوج وتخلَّفَ عن الحضور المخرج المصري محمود كامل لأسبابٍ صحية، في حين بلغ عدد الرواد في الأيام الخمسة الأولى المقررة أكثر من 1500 شخص معظمهم من السويسريين.

احتفى المهرجان في دورته الحالية بالسينما المصرية والسينما العراقية فعرض في هذا الإطار 6 أفلام مصرية ثلاثة منها روائية طويلة هي: "يوم للستات" من إخراج كاملة أبو ذكري و"بلاش تبوسني" للمخرج أحمد عامر و"خارج الخدمة" للمخرج محمود كامل؛ وفيلم رابع تسجيلي طويل بعنوان "أمل" للمخرج محمد صيام، وفيلمان قصيران هما: "مرشِدير" للمخرجة نهى عادل و"هوس العمق" للمخرج أسامة العبد، كما عرض ستة أفلام عراقية؛ إثنان منها طويلان هما: "زمان؛ رجل القصب" للمخرج عامر علوان و"الرحلة" للمخرج محمد الدراجي؛ وأربعةٌ قصيرة هي "الشيخ نُوَّيل" للمخرج سعد علي عبد الحسين و"مصوّر بغداد" للمخرج مجد حميد و"كما كان أبي" للمخرج مسلم حبيب و"لغة" (رسوم متحركة) للمخرج مرتضى ﮔـْزار.

في الإطار نفسه عقد المهرجان ندوة حول السينما المصرية شارك فيها المخرج المصري أحمد عامر والمديرة الفنية لمهرجان الاسكندرية السينمائي ميرفت عمر، وندوة أخرى حول السينما العراقية شارك فيها الفنان العراقي سامي قفطان ورئيس مهرجان الاسكندرية السينمائي الأمير أباظة وعايدة الحسني بصفتها مخرجة، إلى جانب أنها خاضت تجربة التمثيل مع الفنان سامي قفطان الذي تمتد مسيرته الفنية إلى 57 عامًا في مجال التمثيل والتأليف والإخراج المسرحي والتلفزيوني والتلحين الغنائي. أدارت الندوتين المؤرخة والباحثة السينمائية في جامعة زيوريخ إيفلين أيشله.

في الندوة العراقية قدم الأمير أباظة شرحًا موجزاً لتاريخ السينما العراقية وموقعها في تاريخ المشهد السينمائي العربي حيث كان العراق وفقًا لأباظة من أوائل الدول العربية التي أُنشئت فيها دور العرض فانتقلت إليه العروض من مصر قبل الحرب العالمية الأولى وشكل النشاط السينمائي المبكر فيه فاتحةً لإنتاج أول فيلم عراقي في العام 1946 بعد أن سبق هذا التاريخ الكثير من الأفلام الوثائقية.

سامي قفطان تحدث عمّا آلت إليه السينما العراقية بسبب الحصار الذي كان مفروضًا على العراق قبل العام 2003 وما خلّفه الغزو الأميركي من خرابٍ لم يستثنِ السينما وأرشيفها وبنيتها التحتية. وكان قفطان قد أشار في حديث آخر قبل عرض فيلم "زمان؛ رجل القصب" الذي يلعب فيه دور البطولة، إلى أن السينما العراقية حاليًّا في شبه غيبوبة على الرغم من كل الأموال التي أُنفقت في إطار "بغداد عاصمة الثقافة"، لكنه عبّر في الندوة عن الأمل بإعادة الحياة إليها بهمة الشباب، وخصوصًا الذين مارسوا العمل السينمائي في الخارج وعادوا إلى العراق.

عايدة الحسني تحدثت عن تجربتها في العمل مع سامي قفطان ووصفت ذلك بأنّه "كان تحدّيًا كبيراً" لها وعبّرت عن إنشغالها الكبير حاليًّا بالسينما العراقية، وقالت: "سنقوم بإعادة بنائها وسنستأنف مسيرتنا التاريخية، فهناك طاقات شبابية عراقية واعدة تُبقي جذوة الأمل متقدة".




ندوة السينما المصرية تناولت مواضيع التمويل والرقابة والعقبات التي يواجهها الشباب في صناعة الأفلام ومكانة الأفلام القديمة لدى الجمهور ودور الكوميديا وتأثيرها في المتلقي. الأمير أباظة ألقى من مكانه بين الجمهور مداخلة عن أهمية الكوميديا وأثرها الراسخ في السينما ثم أعطى نبذةً عن تاريخ السينما في مصر ودور الإسكندرية في ذلك حيث "عرفت مصر السينما بعد باريس مباشرةً، إذ لم يكن هناك سوى ستة أسابيع بين أول عرضٍ في العاصمة الفرنسية وأول عرض في مصر جرى في الإسكندرية"، و"أول استوديو تصوير كان قد أقيم في الإسكندرية، وأول فيلم وثائقي كان عن زيارة الخديوي، حاكم مصر آنذاك، لأحد مساجد الإسكندرية، وأول فيلم روائي أنجز في العام 1917 بالتعاون مع إيطاليا، كان قد صور في الإسكندرية".

في شأن الرقابة قال المخرج أحمد عامر بأنه "لم يواجه أي مشاكل مع الرقابة حتى الآن" ولكن في فيلمه "بلاش تبوسني" كانت المشكلة مع الناس الذين هاجمونا كثيراً على مواقع التواصل الاجتماعي بشكلٍ كان قاسيًا بعض الأحيان، وخصوصًا من أناسٍ لم يشاهدوا الفلم حتى".

ميرفت عمر وصفت الرقابة بأنها "ليست قاسية ولا تحدُّ من الأفلام أو تؤثر عليها. يمكن القول إنها شبه منعدمة ولا تمثّل مشكلة كبيرة".

جدير بالذكر أن فيلم الافتتاح كان جزائريًّا بعنوان "إلى آخر الزمان" للمخرجة الجزائرية ياسمين شويخ؛ باكورة أفلامها الروائية بعد فيلمين قصيرين، وهو "مزيج فريد من الدراما الفلسفية حول اكتشاف الذات والكوميديا الرومنطيقية الغريبة الأطوار والسخرية السياسية".

من الأعمال المميزة التي عُرضت يوم الافتتاح أيضًا فيلم "رجل وثلاثة أيام" للمخرج السوري جود سعيد الذي "استخدم عناصر سوريالية للتعبير عن مدى العبثية والوحشية التي بلغتها الحرب في سوريا".

عن فيلم الافتتاح قال رشاد قنواتي، وهو أحد المساهمين في تأسيس جمعية الفيلم العربي في زيوريخ: "على الرغم من دوران معظم أحداث الفيلم حول الموت وفي مقبرة، إلا إنه كان مرِحا وناجحًا في إيصال رسالته من دون أن يُجهد المُشاهد نفسيًّا". وعن "رجل وثلاثة أيام" للمخرج السوري جود سعيد قال: "الحصول على فيلم روائي سوري الإنتاج، يعالج الوضع بحيادية ومن منطلق انساني، أمر نادر الوجود على الساحة اليوم".

تستمر عروض الأفلام المشاركة في دورة المهرجان، الذي يقام عادةً كل سنتين، حتى السادس عشر من كانون الأول في زيوريخ، وتنتقل في الأثناء إلى مدنٍ سويسرية مختلفة.





حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم