الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

المساواة في الإرث بتونس تهزّ المؤسسة الدينية في مصر

المصدر: "النهار"
القاهرة-ياسر خليل
المساواة في الإرث بتونس تهزّ المؤسسة الدينية في مصر
المساواة في الإرث بتونس تهزّ المؤسسة الدينية في مصر
A+ A-

ويؤكد رجال دين مصريون أن القانون الجديد يخالف الشريعة الإسلامية، فيما يدافع مؤيدون للدولة المدنية عنه على اعتبار أن مصر "ليست دولة دينية".

وعلى رغم أن المبادرة التونسية جعلت الأمل يداعب أنصار الدولة المدنية في مصر، فيما أقلقت أنصار الدولة الدينية، إلا أن الأمر يبدو محسوماً فقهياً وقانونياً لصالح الفريق الثاني.

ففي الوقت الذي أشار الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي إلى أن مضمون دستور بلاده هو الذي شجع الرئاسة التونسية على طرح مبادرة المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، يرى قانونيون مصريون أن دستور بلدهم يقف حائلاً دون تطبيق هذه المساواة، لأن مادته الثانية تنص صراحة على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".

رؤية مغايرة

ورأى الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، خلال لقاءين مع الإعلامي عمرو أديب على قناة (MBC مصر)، أن ما فعلته تونس "جائز شرعاً"، مشيراً إلى أنه "عام 1946 توافق المصريون على أن الوصية (بالميراث) واجبة شرعاً (أي يجب الأخذ بها)، وأن المجتمع هو ولي الأمر، الذي يمكنه أن يضع الوصية (نيابة عن مواطنيه)".

وأشار إلى "أن الوصية أرحم وأكثر فائدة للمجتمع، وبابها مفتوح، ويجب التوسع فيه، أما الميراث، فثابت في القرآن إلى قيام الساعة ولا تغيير فيه".

وأصدرت جامعة الأزهر بياناً تبرأت فيه من رأي أستاذ الفقه المقارن، بعد ظهوره الأول، الذي أكد فيه أن المساواة في الإرث "جائزة شرعاً"، وأن "مصر سوف تطبقه بعد 30 عاماً" بعدما يتغير فكر رجال الدين بها.

ويعد الهلالي من "المغضوب عليهم" في الأزهر، واستبعد اسمه من قوائم الشخصيات الدينية المصرح لهم بالفتوى عبر وسائل الإعلام، على رغم من أنه يشغل منصب رئيس قسم بالجامعة، ومن أبرز الشخصيات الدينية إعلامياً.

ويعتبر أستاذ الفقه المقارن إلغاء وصاية رجال الدين على المجتمع وعقول أفراده قضية حياته، حسبما أكد صراحة في العديد من لقاءاته الإعلامية. ويقدم في أكثر أحاديثه، الآراء المتباينة للفقهاء حول قضية واحدة، ويقول إن "من حق كل إنسان أن يختار ما يوافقه هو، وحسابه على الله".

غضب ورفض

وفي أعقاب تصريحات الهلالي، انتفضت المؤسسة الدينية في مصر غاضبة لتعلن عن رفضها للمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة. وأصدرت هيئة كبار العلماء بالأزهر بيانا أكدت فيه رفضها القاطع لهذه المساواة، واعتبرته "ضرباً بأحكام القرآن عرض الحائط".

وقالت الهيئة في بيانها، أمس: "سولت لبعض الناس عقولهم القاصرة، وخيالاتهم البعيدة عن الشرع وأحكامه، أن الإسلام ظلم المرأة حين لم يسو بينها وبين الرجل في الميراث تسوية مطلقة، وأنه ينبغي أن تأخذ المرأة -المظلومة في زعمهم!- مثل ما يأخذ الرجل، لا يتميز عنها في شيء".

وأضافت "أنه بناء على تلك الخيالات المناقضة لقطعيات القرآن ثبوتاً ودلالة، والتي يحسبها أصحابها انتصاراً لحقوق المرأة؛ جهلا منهم بالتفاصيل الحكيمة لصور ميراث المرأة في الإسلام، والتي تأخذ في بعضها أكبر من نصيب الرجل، بل أحيانا ترث ولا يرث الرجل، فإنهم راحوا يطالبون هنا وهناك بسن قوانين تلزم بالتسوية المطلقة بين المرأة والرجل في الميراث، ضاربين بأحكام القرآن القطعية المحكمة عرض الحائط!".

ومن جهتها اعتبرت دار الإفتاء المصرية المساواة في الإرث مخالفة للشريعة، وقال مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام، في بيان له، أمس: "إن المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة أمر مخالف للشريعة الإسلامية ولإجماع العلماء على مر العصور"، مؤكدا أنه "لا اجتهاد في النصوص التي هي قطعية الدلالة قطعية الثبوت بدعوى تغيُّر السياق الثقافي الذي تعيشه الدول والمجتمعات الآن".

"المسلم الجغرافي"

ويقول الباحث الإسلامي المستشار أحمد عبده ماهر لـ"النهار": "الموضوع أكبر بكثير من الإرث، فليكن ما يكون بهذا الشأن، المشكلة هي أن علماء الأمة، لا المصريين فقط، لا يستطيعون أن يتواءموا مع الحضارة الحديثة ومعطياتها".

ويضيف ماهر "حتى الآن لم يلتق علماء الأزهر بعلماء تونس ويكتفي الجانبان بالتراشق عبر وسائل الإعلام، وهذا سوف ينتج المسلم الجغرافي. سوف تجد مسلم مصر لديه شريعة تختلف عن مسلم سوريا، ومسلم موزمبيق، شريعته غير مسلم تونس، وهكذا. لماذا لا يجلسون معا ويستمعوا لحجج بعضهم، ويصلون إلى رؤية مشتركة تتوافق مع العصر".

ويؤكد الباحث الإسلامي "أن هناك تقصيراً في التواصل بين العلماء، للنقاش والمقارعة بالحجة، والوصول إلى كلمة سواء. مشكلة الإرث أول المصائب التي تقابلنا في العصر الحديث، وهي نتيجة أننا لا نستطيع التعايش والتواصل مع بعضنا البعض، ثم نتعجب بعد ذلك من ظهور (داعش) و(القاعدة) و(الجهاد الإسلامي) وغيرهم من التنظيمات الإرهابية، نحن من نصنع السرطان ونجني ثمرته".

"يغيب المنطق عنا بصورة واضحة" يقول ماهر، و"على سبيل المثال نحن لدينا في البخاري باب كامل تحت عنوان (التداوي بأبوال الإبل)، ويصر علماء الأزهر على أن هذا الكتاب هو أصح كتاب بعد القرآن، وإذا كان هذا كلاماً منطقياً، وإعجازاً علمياً، خذوا هذا الباب وقدموه لمنظمة الصحة العالمية كي تستفيد منه وتفيد البشرية وتقدم لها علاجات. متى نفوق من هذا التخلف، وندرك أننا نعيش في عصر مختلف".

ويرى الباحث الإسلامي أنه "إذا كنا نعطي العذر (للإمام) أبي حنيفة أنه لم يتفق مع (الإمام) مالك، وكلاهما لم يتفق مع بقية الفقهاء، على سبيل المثال، فهذا لأنهم لم يلتقوا، وكانوا يعيشون في بلدان متباعدة، ويستخدمون الدواب في التنقل بشق الأنفس، أما اليوم فيجب أن يلتقي رجال الدين ويجلسوا معا ويصلوا إلى كلمة سواء".

عقبة كؤود

وفي حين تقف الرؤية الفقهية عائقاً دون تطبيق المساواة في الميراث بمصر، هناك عائق قانوني. ويقول المحامي هاني صبري لبيب لـ"النهار": "إنه وفقا للدستور المصري فإن مثل هذه القوانين لا يمكن أن تصدر هنا وتطبق علي المصريين المسلمين لأن المادة الثانية من الدستور تقف عقبة كؤود أمام مدنية الدولة".


وأضاف لبيب: "إذا صدرت مثل هذه القوانين ستكون مشوبة بشبهة عدم الدستورية، ذلك ﻷن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، تمنع ذلك بموجب أحكام ثابتة بنصوص قطعية الثبوت وقطعية الدلالة، وفيها إجماع فقهاء من أهل السنة والجماعة مؤيدة بنصوص في القرآن الكريم والسنّة".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم