الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

إغتصبها ألف مرة

جورج موسى
جورج موسى
A+ A-

شخيره الليلة لا يُحتمل. كل نَفَسٍ يُطلقه وهو نائم، أشبه بخنجر يخترق شرايين قلبها ويمزّقها ببطء. كيف يُمكن له أن ينام؟ بماذا يحلم؟ هل يعدّ في منامه المال الذي سيتقاضاه مقابل "صفقة" بيع إبنته التي لم تتجاوز الـ15، إلى رجل مريض مثله، يرغب بالصغيرات؟ كيف يُمكن له أن يغفو، وهو الذي عايش عذابات فتاة ترتبط برجل يكبرها بعشرين عاماً؟ ولكن، كيف لوحش أن يشعر ويرحم، فيما هو انقض عليها يوم كانت أصغر من ابنته، فنهش لحمها الطري، واغتصب جسدها وطفولتها وأحلامها، وحتى مستقبلها.
تُشير أرقام البنك الدولي، إلى أنه، ومن بين كل ألف مراهقة في لبنان، 16مراهقة يختبرن الأمومة. هي لا تعرف بالأرقام. بالكاد "تفكُّ الحرف". كلُّ ما تعرفه هو أن الحياة تُعيد كتابة اللعنة ذاتها. ولكن مع إبنتها هذه المرّة.
قبل عشرين عاماً، كان دورها هي. يومها، كانت طفلة لم تبلغ الـ12. رآها في عرس أحد الأقارب، فسال لُعابه المقرف واشتهاها. بعد أيام، كانت تلهو أمام منزلهم حين نادتها والدتها. أخبرتْها أنَّ ذاك الرجل الذي يجلس مع والدها في الداخل سيأخذها معه. سيتزوّجان. ماذا يعني الزواج؟ ماذا سيفعل بها؟ هل سيسمح لها بأن تلعب؟ وأمّها؟ وإخوتها؟ متى وكيف ستراهم بعد اليوم؟
في ليلتها الأولى، بكتْ كثيراً. بكتْ من الوجع ومن الفزع. كانت تُريد أمّها. نادتها كثيراً، لكنها لم تأتِ. إبنة الـ12 عاماً صارتْ فجأة امرأة.
فتحت خزانتها ببطء.الشرشف الأبيض ما زال هناك. لم تُغسله. بقع الدم بهتُتْ. لكنها لا تزال واضحة أمام ناظريها... وفي قلبها. أحسّتْ بالإختناق وهي تتخايل إبنتها غارقة في بحر الدم نفسه ليلة دخلتها. نظرت إلى المرآة. الهموم جعلتها تبدو سيّدة ستينيّة، بجسم صغير ونحيل، فيما هي لا تزال في الثلاثين.
شريط أحداث حياتها عاد الليلة متقطعاً. ذاكرتها التي لا تحتفظ بالكثير من الصور الملوّنة، لم تنتقِ لها إلاّ المشاهد السوداء.
تزوجت. عوض أن تهلو بدمية، صارتْ تحمل أطفالاً. أطفالها هي. أنجبتْ ثلاثة أولاد. فتاة وصبيان. تعذّبت كثيراً في فترات الحمل. آلام المخاض لا تنسى. هذا "الغول" الذي تزوّجته، لم يكن يعلم شيئاً عن الآثار النفسية والجسدية للحمل المبكر والمتكرر. لم تلعب يوماً دور الأم. كانت تلهو مع أولادِها. كانت تحملهم كالدمى، مع فارق وحيد أنهم من لحم ودم. كانت تخاف عليهم... حتى من نفسها. تربيتهم شكّلت جحيماً بحدِّ ذاته. وهم رُضَّع، لم تكن تعرف كيف تعتني بهم، كيف تُرضعهم. هي لم تكن تملك حينها ثديين لإرضاعهم. في منزل زوجها بلغت. في منزل زوجها، كبُرت وشاخت وقُتلتْ ألف مرّة.
في هذه اللحظات، كانت تتمنّى لو تقتل زوجها، لو تقتل عريس إبنتها. ذلك الرجل الثلاثيني الذي يعمل في إحدى دول الخليج، والذي يبحث عن فتاة صغيرة تكون عجينة طريّة، يقولبها كما يريد. عجينة، يفرِّغ فيها كل طاقاته القذرة، ويشبع ميولاً تحتاج إلى طبيب يكبحها ويصحح مسارها. في هذه اللحظات، كانت تتمنّى لو تملك الجرأة لتقتل كل ذكور العائلة، حتى اولادها. علّها بقتلهم، تنقذ طفلة ستعيش مصيراً قاتماً... وسط هذه الهواجس، غفتْ على الكنبة في غرفتها، أو مقبرتها بالأحرى.
وحين طلع الصباح. إستقلّتْ سيارة أجرة وإنطلقت إلى قرية مجاورة. هناك، دخلتْ المتجر بكل ثقة. لم يرفّ لها جفن. إتجهت صوب البائع... وطلبت سمّاً للفئران!


(التتمة في العدد المقبل)


[email protected]
Twitter: @moussa_georges

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم