الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

تواطأنا مع بون على أدارة عملية توحيد الألمانيتين

المصدر: "النهار"
Bookmark
تواطأنا مع بون على أدارة عملية توحيد الألمانيتين
تواطأنا مع بون على أدارة عملية توحيد الألمانيتين
A+ A-
كان جياني دي ميكيليس الديبلوماسي الاشد حيوية وانفتاحا في اي وسط يشاء بل ان لوزير الخارجية الايطالي سمعة يستحقها كرجل مرح يقضي جزءا لا بأس به من اوقات فراغه يرقص في علب الرقص "الديسكو". ووصل به الامر الى حد تأليف دليل عن نوادي الرقص. غير انه كان في ذلك اليوم من ايام شهر شباط في العاصمة الكندية اوتاوا يبدو شخصا آخر نقيضا، ولهذا التحول اسبابه الوجيهة. فقد كان دي ميكيليس، شأن عدد آخر من المشاركين في حلف شمال الاطلسي "الناتو" غير متحمس لاقتراحنا القاضي بتنظيم عملية الوحدة الالمانية بواسطة ما اصبح يعرف بلجنة: "اثنان زائد اربعة"، وهي هيئة فرعية للحوار تضم في عضويتها الدولتين الالمانيتين بالاضافة الى القوى الاربع (بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة) وتستبعد جميع الدول الاخرى الاعضاء في الحلف. وعندما اخذ دي ميكيليس يبدي اعتراضاته قاطعه هانس ديتريتش غينشر قائلا بحدة: "لست طرفا في اللعبة". ان قصة تشكيل لجنة "اثنان زائد اربعة" في 13 كانون الثاني، قصة كلاسيكية من قصص ديبلوماسية الدول العظمى، بل لعلها من النوع الذي لا املك الا ان اتذكره بقوة. من هم اللاعبون؟ بعدما غادرت بوتسدام في كانون الاول كانت افكاري تعود اليها في اكثر من مرة خلال الاسابيع التي تلت ذلك، فباعتبار انها مقر الاجتماعات التي عقدتها الدول العظمى الثلاث وانهت الحرب العالمية الثانية، كانت بوتسدام تمثل مركز المسألة الالمانية في الحرب الباردة، الا انها بالنسبة الى الكثيرين، اصبحت مؤشرا الى بداية تلك الحرب. اقترن مؤتمر بوتسدام الذي استمر اسبوعين ونصف اسبوع، بدراما كانت غائبة عن اجتماعات ستالين وتشرشل وروزفلت في طهران ويالطا. وبوفاة روزفلت، حل هاري ترومان محله ليقوم بأول استعراض له على المسرح الدولي. آنذاك وصل ستالين الى بوتسدام وهو اشد شعورا بجنون العظمة، وتذرع بالقول ان هتلر ما زال على قيد الحياة وانه يعيش في المانيا. كان ستالين يشعر بالكراهية حيال الصحافيين الذين دأبوا على حشر انفسهم في مداولات المؤتمر. واما تشرشل فشعر باستياء بسبب وضع الممثلين البريطانيين في رومانيا المحتلة، وشكا للديكتاتور السوفياتي قائلا ان ستارا حديدا اصبح يحوط بهم، فأجاب ستالين: "هذه حكايات خرافية". فتخلصا من تشرشل بطريقة ديبلوماسية كما تخلص منه الناخبون البريطانيون في 26 تموز عبر الانتخابات. وبينما قررت القوى الاربع مصير اوروبا والمانيا، قام العلماء في الاموجوردو في ولاية نيومكسيكو بتجربة القنبلة الذرية، ووافق ترومان على شن الهجوم على هيروشيما وبدأ عهد جديد في السياسة الدولية. من الطبيعي انني لم اكن الوحيد الذي كان يفكر في بوتسدام وملابساتها في شتاء 1989 - 1990 فالمسألة الالمانية كانت تشغل بال الجميع. وهكذا طرحت خلال شهري كانون الاول والثاني، مجموعة مقترحات في الاوساط الديبلوماسية وعبر اجهزة الاعلام، يمكن ان تقسم ثلاث فئات: الاولى تشمل المبادرات التي حاولت معالجة المسألة الالمانية عبر مؤتمر كبير يمثل القضية التي تهم اوروبا كلها والتي يفترض ان تجتمع من اجل التوصل الى تسوية سلمية نهائية للحرب العالمية الثانية. ويمكن ان تكون مجموعة CSCE الحاضنة الطبيعية لهذه المهمة نظرا الى انها تضم 35 دولة، ومنها جميع دول اوروبا وكندا والولايات المتحدة وبدا ان هذا الاقتراح العاطفي يعود بنا القهقرى الى مؤتمر فيينا الذي وضع خريطة اوروبا في اعقاب حروب نابوليون، او مؤتمر فرساي الذي انعقد بعد الحرب العالمية الاولى. ولم يكن عقد مؤتمر لمجموعة دول CSCE يناقش موضوع الوحدة الالمانية مقبولا منا فمن الصعوبة بمكان ان ندرك كيف يمكن تنظيم مفاوضات ديبلوماسية دقيقة وحرجة بمشاركة 35 دولة، فضلا عن ان نظام التصويت تحت مظلة المجموعة، سيمنح الدول الاوروبية الصغيرة حق النقض (الفيتو) بالنسبة الى مسائل تتجاوز احجامها بكثير. ان مثل هذا المؤتمر الضخم لا بد ان يثير ذكريات مؤتمر فرساي والسلم الذي فرض على المانيا بعد الحرب العالمية الاولى. وآخر ما كنا نريده هو تكوين اساس للشعور بالاشياء في المانيا الجديدة. كما ان مثل هذا المؤتمر يستغرق الاعداد له وقتا طويلا الامر، الذي يمكن ان يؤدي الى ارجائه بل وحتى الغائه، وذلك تبعا للاحداث ودرجة تسارعها. واما الفئة الثانية من المقترحات فتتصل مباشرة بالمؤتمرات التي تتعلق بالحرب العالمية الثانية، وحقيقة كون الدول الاربع وافقت في بوتسدام على ان جميع التنظيمات الخاصة بالمانيا يجب ان تكون اقليمية وتعتمد على التوصل الى تسوية سلمية نهائية. واما بالنسبة الى موسكو، وبالنسبة الى باريس ولندن في حدود اقل، فان مؤتمرا تشارك فيه الدول الاربع الكبرى هو الطريقة الافضل لابطاء عملية التوحيد وادارتها. فمن الناحية القانونية تملك هذه الدول حقوقا ما زالت سارية المفعول، يجب التفاوض في شأنها في سياق اي عملية توحيد. غير ان السوفيات، كما كان شأنهم خلال الايام الاولى من الحرب الباردة، كانوا ينظرون الى هذه القوى الاربع باعتبار انها ناد سياسي وليست كيانا يمثل القانون الدولي وفي الوقت الذي كان الكرملين يصر، فيه على استخدام القوى الاربع، رأت باريس ولندن انهما يمكن ان تؤديا دورا معدلا او مؤثرا في سعي المانيا نحو التفوق على القارة الاوروبية وحاولت موسكو خلال شهر كانون الثاني الضغط من اجل عقد اجتماع للدول الاربع. ففي 10 كانون الثاني زار السفير دوبنين وزارة الخارجية من اجل نقل رسالة شفوية من شيفاردنادزه اشار فيها الى "بروز اجماع على ضرورة الاستمرار في تبادل الاراء بين الدول الاربع الكبرى حول الشؤون الالمانية". واضاف ان من الضروري الشروع في عمليات تبادل للرأي بين موسكو ولندن وباريس وواشنطن. وقال: "اننا ننطلق في ذلك من الاهمية التي تنطوي عليها تلك الشؤون لاوروبا كلها، اذا لم نقل بالنسبة الى العالم بأسره". واكد ان "ثمة قدرا متفقا عليه من المسؤولية" يقع على عاتق الدول الاربع. وبعد اكثر من اسبوعين تقريبا، اي في 26 كانون الثاني، قدم تشيتفيريكوف مذكرة تلفت الى "النشاطات التي تصاعدت اخيرا والتي تقوم بها عناصر من اليمين المتطرف والقوى الفاشية الجديدة في جمهوريتي المانيا الفيدرالية والمانيا الديموقراطية بالاضافة الى بعض الدول الاوروبية الغربية". واضافت المذكرة ان هذا الخطر "يتفاقم" وان موسكو تتطلع الى جهد دولي منظم من اجل معالجة هذا الخطر. وكنا نرى ان دور الدول الكبرى هو في معظمه من بقايا الحرب العالمية الثانية. وكان الرئيس على يقين من ان الشعب الالماني برهن، خلال اربعة عقود، انه ملتزم بالديموقراطية والتحالف الغربي... كما ان ايماننا بحق تقرير المصير وبحقيقة كون اعادة التوحيد ليس هدفا بارزا من اهداف التحالف خلال الاعوام الاربعين الماضية، ولكنه يتطلب منا ان نفعل كل ما في وسعنا من اجل ان تتحول المانيا الموحدة حقيقة في سياق يضمن لاوروبا الاستقرار في مرحلة ما بعد الحرب الباردة. ولما كان شعب المانيا الشرقية قد بدأ يقترع بقدميه (اي يعلن احتجاجه) فان جورج بوش لا يريد ان يقف الديبلوماسيون في طريقه. هذا هو السبب الذي دعانا الى تجاهل المطلب السوفياتي الاساسي وهو ان يعقد اجتماع للدول الاربع الكبرى في شهر كانون الاول تجاهلا متعمدا... وكذلك الاستمرار في احباط دعوات السوفيات الرامية الى تنظيم لقاءات طيلة الاسابيع التي تلت. تبقى مقترحات الفئة الثالثة، ونعني بها الحل الالماني الاوحد، وبموجبه تندمج المانيا الفيدرالية والمانيا الديموقراطية من دون اي تدخل خارجي. وما دامت معظم القضايا الحرجة هي تلك التي تتعلق باهتمامات المانية ذات طابع داخلي، فقد شعر الكثيرون من الالمان بان لا حاجة الى اي تورط ديبلوماسي جدي من الاخرين. كما شعروا بان عليهم ان يبقوا خارج الموضوع، وانه ما ان تتوحد الالمانيتان حتى يصبح من المعقول ان تتنادى الدول الاربع لعقد اجتماع يجد حلا لحقوقها القانونية الباقية. تلك هي العملية التي تفضلها بون بطبيعة الحال ... او يفضلها المستشار كول تحديدا... فضلا عن انها قوبلت بتأييد واشنطن ومجلس الامن القومي. لم اكن مرتاحا الى اي من هذه الحلول. في اعقاب زيارتي لبوتسدام، كنت موقنا ان حركة تسارع الوحدة لا بد ان تتجاوز توقعات الجميع. لقد تذوق شعب المانيا الديموقراطية طعم الحرية والفوائد المادية التي اقترنت بها. ولهذا ستتفاقم هجرته الى الغرب وما رافقها من نزف في اقتصاد...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم