الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

بعد مئة عام على الحرب الكونية يظنّ المرء أنّ البشريّة قد تتعلّم لكنها على ما يبدو لن تتعلّم!

باريس - كاتيا الطويل
بعد مئة عام على الحرب الكونية يظنّ المرء أنّ البشريّة قد تتعلّم لكنها على ما يبدو لن تتعلّم!
بعد مئة عام على الحرب الكونية يظنّ المرء أنّ البشريّة قد تتعلّم لكنها على ما يبدو لن تتعلّم!
A+ A-

خطفت باريس الأنظار وقطعت الأنفاس في نهاية الأسبوع الماضي. أُغلقت الشوارع الرئيسة وازدحمت الأرصفة بالفرنسيّين والأجانب، منهم المشجّع ومنهم المعتصم. هبطت طائرات كثيرة حاملة على متنها ما يربو على سبعين رئيس دولة وملكاً ورئيس وزراء.



من أميركا الشماليّة إلى أفريقيا فأوروبّا فآسيا، رؤساء ووزراء وملوك جاؤوا إلى فرنسا لتمضية نهار الأحد في باريس. نهار 11 تشرين الثاني الذي يشهد له العالم بأنّه من أبرز التواريخ التي مرّت على البشريّة. نهار احتفلت فيه العاصمة الفرنسيّة بذكرى مرور مئة عام على انتهاء الحرب العالميّة الأولى. مئة عام منذ 11 تشرين الثاني 1918. مئة عام على توقيع الهدنة وانتهاء الحرب العالميّة الأولى.

و... يظنّ المرء أنّ البشريّة قد تتعلّم!

يظنّ المرء أنّ البشريّة قد تتعلّم، لكنّها على ما يبدو لا تفعل.

مئات النكات والفيديوهات تناقلها روّاد وسائل التواصل الاجتماعيّ. مئات الطرف والزلاّت قام بها الرؤساء الذين لا يدركون ثقل الحمل الواقع على أكتافهم. يحملون أوزار الشعوب على أكتافهم من دون أن يدركوا. يتخايلون أمام الكاميرات بعنجهيّة ولامبالاة زرقاء.

الرئيس الروسيّ بوتين مثلاً وصل إلى الاحتفال متأخّرًا.

الرئيس الأميركيّ ترامب ألغى زيارة بالغة الأهمّيّة كان عليه أن يقوم بها يوم السبت لرداءة الطقس.

ملك المغرب غفا في أثناء خطاب الرئيس الفرنسيّ ماكرون.

رؤساء كأنّهم أطفال في الصفّ. كانوا يتبادلون الغمزات والنكات والمصافحات ثمّ عادوا إلى شؤونهم.

وحدها ميركل "أمّ الكلّ"، كانت تحمل همّ أوروبّا وترسم الابتسامة على وجهها بهدوء ألمانيّ صلب.

وحدها ممثّلة الدولة التي بدأت الحربين العالميّتين كانت تدرك عمق المأزق.

و... يظنّ المرء أنّ البشريّة قد تتعلّم، لكنّها على ما يبدو لا تفعل!

مئات المناهضين لترامب تجمّعوا في ساحة الريبوبليك للاعتصام، رفضاً لقدومه، ورفضاً لسياسته.

فتاتان خرجتا نصف عاريتين أمام موكبه لتظهرا له غضبهما.

المعتصمون حملوا لافتاتهم وأحلامهم وحاولوا لفت انتباهه. انتباه أيّ رئيس دولة.

كانت الصحافة متوتّرة. وكانت الشرطة منتشرة. وكان الجميع على أهبة التقاط الحدث.

كثر نزلوا إلى الشارع. منهم خوفًا من نواقيس الخطر التي سمعوها تدقّ، ومنهم دعمًا للافتة التي تحثّ على التكاتف والتعلّم من التاريخ.




كثر نزلوا إلى الشارع بهمومهم وقضاياهم على أمل أن يلتفت إلى شؤونهم أحد هؤلاء المارّين بسيّاراتهم الفخمة الفارهة.

و... يظنّ المرء أنّ البشريّة قد تتعلّم، لكنّها على ما يبدو لا تفعل!

نهار الأحد كان نهاراً ماطراً بارداً رماديّاً.

احتشدت باريس في الشوارع الرئيسة لتلتقط همسات الرؤساء والمعاني خلف سطور خطاباتهم.

لقاء من أجل السلام فوّته ترامب. قرّر بدلاً من حضوره التوجّه إلى مقابر الجنود الأميركيّين الذين سقطوا في الحرب العالميّة الأولى. لفتة جميلة. ألم يكن في إمكانه أن يقوم بها في وقت آخر؟ ألم يكن في إمكانه أن يحضر اللقاء من أجل السلام في العالم؟

و... يظنّ المرء أنّ البشريّة قد تتعلّم، لكنّها على ما يبدو لا تفعل!

صباح الإثنين. مترو باريس راح يهدر مجدّدًا. عودة إلى الحياة اليوميّة. عودة إلى الشؤون المعتادة. عودة كلّ رئيس دولة إلى دولته. عودة إلى التسلّح والركض نحو الحرب. جميعهم أتوا. جميعهم رحلوا. جميعهم نسوا.

يقول أحد النبهاء الذين عرفهم التاريخ "لا أعرف كيف ستكون الحرب العالميّة الثالثة لكنّني متأكّد أنّه لن يبقى من بعدها كثيرون ليشهدوا الحرب العالميّة الرابعة".

يبدو كلامه منطقيًّا ومقنعًا. لم تتّفق الكتب على هويّة صاحب المقولة لكنّه يبدو من الواضح أنّه كان حذقًا بعيد النظر.

الحروب تبقى. تغفو قليلاً إنّما تبقى. تتغيّر الأسلحة. تتغيّر الأوجه. تتغيّر الأعداد. إنّما تبقى.

الحروب تبقى. تلبس أقنعتها إنّما تبقى. تزداد قسوة. تزداد وحشيّة. تزداد دمويّة. إنّما تبقى.

وحدها البشريّة تفنى لأنّها لا تتعلّم.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم