الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

رادو جود: يوم اكتشفتُ أنّ تاريخ بلادي ملطّخٌ بالدماء

المصدر: "النهار"
رادو جود: يوم اكتشفتُ أنّ تاريخ بلادي ملطّخٌ بالدماء
رادو جود: يوم اكتشفتُ أنّ تاريخ بلادي ملطّخٌ بالدماء
A+ A-

رادو جود غير حاسم في رؤيته للأشياء. يردّ بعبارات قصيرة ومكثّفة على أسئلتي. وأحياناً لا ينهي جملة يكون قد غامر عندما سلكها. لقاء جمعني به في مهرجان تسالونيك قبل أيام خلال دورته الأخيرة، للحديث عن فيلمه الأجدّ، "لا أكترث اذا دخلنا التاريخ باعتبارنا برابرة"، الذي انطلق من كارلوفي فاري (تموز ٢٠١٨) ونال فيه "الكرة البلّورية". أجرينا الحوار ونحن جالسان مساءً على مقعد عام في ميناء المدينة والرياح الباردة تهبّ في وجهينا. كانت مرّت دقائق على تقديم جود لفيلمه أمام الجمهور اليوناني الذي ملأ العرضين بكامل العدد.

أخذنا الحديث بعيداً من السينما (كتأليف وإخراج ومونتاج)، ليحطّ بنا في رومانيا، بلاد يتحدّر منها المخرج الأربعيني الذي لفت بـ"عفارم!" قبل ثلاثة أعوام في مهرجان برلين (فاز عنه بجائزة أفضل مخرج). شمل الحديث ماضي رومانيا حاضرها ومستقبلها. بين شياطين التاريخ الذي لم يُعالَج ويُكتَب بكشل كافٍ وشياطين الحاضر.

"لا أكترث اذا دخلنا التاريخ باعتبارنا برابرة" ينبش في هذا التاريخ الروماني الذي ينكره أحفاد مَن صنعه، من خلال متابعة للاستعدادات التي تجريها مخرجة تعرّف نفسها باسم ماريانا مارين (إيوانا ياكوب) لتقديم عرض كبير في احدى ساحات المدينة عن مجزرة أوديسّا (١٩٤١)، وهي تسعى في خطابها إلى وضع الأصبع على بعض الحقائق عن فصل أسود من تاريخ رومانيا لطالما سعت السلطات إلى اخفائها: تورّط بلادها في قتل ليس أقل من ٣٠ ألف يهودي في أوديسّا خلال الحرب العالمية الثانية تحت حكم الطاغية الماريشال أنتونيسكو. تحاول مارين إخراج حقائق إلى الضوء وتكريسها شعبياً، وهي حقائق لا تزال علاقة الرومانيين بها غير سويّة، تتراوح بين النكران الكلّي والنسيان الجزئي. عملية إنعاش الذاكرة هذه تهدف إلى المصالحة مع الذات وتحمل في داخلها "مسؤولية رمزية"، الا انها لن تمرّ بسلاسة في محيط المخرجة الذي يرى في هذه المباردة استفزازاً وركلة في وكر دبابير. الأغلبية تخالفها الرأي - باعتبار ان الأحداث التاريخية تحتمل رأياً - بدءاً من العاملين في الفيلم وصولاً إلى مندوب البلديّة المشرف على "الحدث" الذي يمثّل السلطة الرسمية وله موقف مخالف لرأي المخرجة، وهو أولاً وأخيراً يخشى أصداء مثل هذا العرض الذي "يحرّف" التاريخ المتفق عليه. فاستذكار ضحايا المجازر بالنسبة إليه لن يرجّعهم من قبورهم! أما المجازر نفسها فتخضع لمنطق استنسابي. ثمّة هرميّة تحكمها: لماذا نتذكّر هذه وننسى تلك (ما يُعرَف بتقنيّة الـWhataboutism التضليلية). التاريخ هنا لا يكتبه الأقوياء بل يحبك خيوطه الغرور والعجرفة. فالرومانيون كما يقدّمهم الفيلم لا يرون انهم تعاونوا مع النازية بل كانوا ضحايا هتلر الذي شوّه سمعتهم.

هذه ليست المرة الأولى يقارب فيها جود التاريخ. هناك إشارات إلى الماضي الأوروبي في ثلاثة أفلام روائية له، آخرها "قلوب جريحة" الذي تجري أحداثه في الثلاثينات، لحظة صعود الفكر الاقصائي المتطرف في أوروبا. لكن جود لا يهتم بالتاريخ الا من خلال علاقته بالحاضر وما يمكن ان يقوله عن الأحوال اليوم. بمعنى انه لا يعنيه الغوص في الماضي إن لم يكن ذا دلالات إلى الحاضر.

من خلال جلوسي مع جود، أدركتُ كم يكنّ للفيلم معزّة خاصة. فهو عندما قرأ للمرة الأولى عن مجزرة أوديسّا عندما كان مراهقاً، طلبت منه أمّه الكفّ عن قراءة "هذه الأمور السخيفة، لأنها لم تحدث". هذه لحظة تأسيسية اشتغل عليها جود لبناء فيلمه الذي يستند إلى مراجع أدبية، من هانا آرندت إلى ميهايل سيباستيان فإسحق بابل. لا تتوانى ماريانا عن مطالعتها على الملأ.

من جهة ثانية، يحاول "البرابرة" ان يذهب أبعد من محاكمة التاريخ انطلاقاً ممّا نعرفه اليوم عن هذا التاريخ، في سعي لتشكيل صورة هزلية للفنّان الذي يعتقد ان مساهمته ضرورية وحاسمة ونهائية لتتجلى الحقيقة ويجد الناس أنفسهم فجأةً في جمهورية فاضلة. جود يسخر من هذا مثلما يسخر من حقد الناس البسطاء الذين يصبّون جام غضبهم في المكان الخطأ. في هذا المعنى، يمكن الادعاء بأنه يصفّي حساباته مع أشياء كثيرة: مع شركائه في الوطن أولاً، باعتباره فنّاناً، أي انه مسؤول عن ادانة ما يراه غير سليم في المجتمع. وثانياً، يصفّي حساباً (أخلاقياً) مع ذاته عندما يروي احدى حكايات العجز الإنساني التي لا يملك الفنّان "العادي" جرأة روايتها. وأخيراً، هناك شعور جود الذي لا فكاك منه بأنه ينتمي إلى جيل لم يصارَح بالحقيقة، بل انه "المضحوك عليه"الأكبر في هذه الحكاية!

* قبل هذا الفيلم، أنجزتَ وثائقياً عنوانه "الأمّة الميتة"عن المواضيع نفسها: الفاشية، معاداة السامية، انكار المحرقة، الخ…

- كان مختلفاً في الشكل. استعنتُ بمواد أرشيفية، من نصوص وصور. أنجزته لأنه جاء نتيجة حتمية للبحوث التي أجريتها لتحقيق هذا الفيلم. وجدتُ نفسي وقد تكوّنت عندي مادة هائلة. أنا الآن في صدد إنجاز فيلم ثالث انطلاقاً من الأرشيف، مع المؤرخ الذي كان مستشاري على هذا الفيلم.

* ما الذي يشدّك إلى التاريخ الروماني وما الذي دفعك إلى قراءته في ضوء الحاضر؟

- تصفية يهود رومانيا التي تولاها الجيش الروماني قضية كبيرة، ولكن لم تحظ باهتمام السينمائيين الرومانيين. اكتشافي لهذه الحقيقة صادف مع وضع يدي على مواد لا يُمكن حصرها في فيلم، لذا ستكون ثلاثة أفلام. لم أخطط لثلاثية، الا اننا خلال البحوث وجدنا أشياء كثيرة فقلنا "لمَ لا؟". لو أُنجزت عبر التاريخ مئة فيلم عن هذه القضية، لما أنجزتُ فيلمي. لا أتحدّث عن الذاكرة الجمعية، هذه أمور ليست واضحة في رأسي. أفضّل الحديث عن التاريخ وما نستطيع ان نتعلّمه منه، علماً ان المعرفة نسبية؛ فالتاريخ لا يعطيك معرفة مطلقة كما في الرياضيات.

* هل كراهية اليهود وإنكار المحرقة شيء منتشر جداً في المجتمع الروماني؟

- إنكار المحرقة في رومانيا شبه عام وعليه اجماع. وكذلك المسؤولية الوطنية في تصفية اليهود والغجر خلال الحرب العالمية الثانية. وهذا ما حرّكني. الهوية تجد ركيزتها في التاريخ، وهويتنا مبنية على تاريخ زائف. نعيش اسطورة. فقررتُ ان أتحدّث عن هذه الأشياء لأنني لستُ يهودياً، فأنا مواطن روماني وانفعلتُ وتأثّرتُ وانصدمتُ كثيراً عندما اكتشفتُ كم أن التاريخ الروماني ملطّخٌ بدماء الأبرياء. بعد ثورة ١٩٨٩ في رومانيا، بدأت تصدر الكتب عن تلك المرحلة من تاريخنا، ولكن قلّة طالعتها. كنت واحداً من هؤلاء، لأنني مهتم بالتاريخ. فقلتُ في نفسي: كيف أجهل هذا الفصل؟ فبدأت رحلتي مع البحث. رسمياً، لم يُمنع تناول قضية تورط رومانيا في المحرقة. اعترفت بها الدولة، فهذا كان أحد شروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، فطُلب من رومانيا الاعتراف بجرائم الحرب. أما على مستوى الناس، فلا يتحدثون عن هذه الأمور، بل ينكرون حصولها.

* لماذا اخترتَ الكوميديا لتناول شأن خطير؟

- الكوميديا في هذه الحالة غير موجّهة صوب الظرف التاريخي، بل تجاه الناس الذين يقاربون هذا الظرف. وهذا يمثّل مشكلة أخلاقية وحضارية وإنسانية حقيقية عندي. طبعاً، الموضوع الأساسي للفيلم ليس الهولوكوست، انما الاستخفاف به ونزعه من ذاكرة البشر بعد مرور سنوات على حدوثه.

* بدا لي وأنا أشاهد الفيلم انك أحياناً تتماهى مع المخرجة التي تستعد لتقديم هذا الإستعراض، وفي أحايين أخرى أجدك وقد لبستَ نوعاً ما رداء مندوب البلدية الذي يضطلع بدور الرقيب…

- صحّ (ضحك). أنا كلاهما بدرجات متفاوتة.

* هل مثل هذه الشخصيات موجودة في الواقع؟

- لم أهتم بالناس كناس، فضّلتُ عليهم الأفكار. تلك الأفكار التي يستخدمها الناس لتعذية بلاغتهم.

* هناك أيضاً حضورٌ قويٌّ للأدب في الفيلم. المخرجة تطالع الكثير على سبيل المثل. ما هي علاقتك بالأدب؟

- بدايةً، يجب القول ان الفيلم لا يقتصر فقط على الأدب، هناك أيضاً صور ومواد أرشيفية ومقاطع من أفلام روائية. قاربتُ الفيلم ككولاج. المصادر الأدبية أو المكتوبة مهمّة جداً عندي، وأعتقد انني على غرار اريك رومير في مقاله "من أجل سينما ناطقة"، أعتبر الكلام جزءاً من السينما. عادةً، يردد الناس ان الفيلم يجب ان يتكوّن من صور، وينبغي بالتالي رمي الكلام في سلّة المهملات. لا أوافق على هذا الطرح، فالكلام قد يشكّل ملامح الشخصيات وبناء عالم كامل.

* في أيّ حال، هناك مواضيع عدّة في الفيلم…

- أهمّها موضوع إشكالية تجسيد التاريخ في السينما. غودار كان يقول شيئاً مثل "يجب وضع كلّ شيء في فيلم". وهذه فكرة رائعة، فأنا أردتُ ان أضع كلّ ما له علاقة بهذا الموضوع في الفيلم. لا يوجد شيء أعرفه عن تاريخنا ليس موجوداً في الفيلم.

* أجدك غير رحوم مع الناس العاديين والبسطاء الذين ينظرون إلى التاريخ من وجهة نظرهم الوطنية…

- لم أسخر منهم، اقتصرت رغبتي على إظهار موقف أعتبره واقعاً. هناك استثناءات بالطبع. هذا الموقف كان مكتوباً في السيناريو، لكن واقع التصوير تراوح بين الظرافة والرعب. العدائية تجاه الغجر كانت حاضرة حتى خلال التصوير. تخيل أني سمعتُ أشخاصاً من الكومبارس يقولون: "ماذا يفعل هذا الغجري هنا؟". أحدهم في رومانيا كتب انني أقسو على البسطاء ولا أستند إلى معطيات سوسيولوجية تعطي بعض المَشاهد شرعية. لم يمرّ وقت طويل على هذا الكلام قبل ان أقع على استفتاء أنجزه علماء اجتماع. أحد الأسئلة كان: "ما رأيكم بالماريشال أنتونيسكو؟" نصف عدد الأساتذة في المدرسة ردّوا بأنهم لا يملكون رأياً، أما النصف الآخر فمعظمهم كان رأيهم إيجابياً فيه. نتكلّم عن أساتذة؛ أستاذة يدرّسون أولادنا في المدارس. فماذا يمكن ان نتوقّع من هؤلاء؟ هناك شوارع تحمل اسمه في رومانيا. كثر ينظرون اليه بإعجاب. كلّ هذا بسبب الجهل. وبسبب الديكتاتورية الشيوعية التي كانت تجربة سيئة، فبات الناس يترحّمون على النظام الذي كان قائماً قبل الشيوعية. الانتقال إلى الرأسمالية في رومانيا كان سيئا جداً، اذ لم يتأمن أي شيء من حاجات الناس، فوجدوا أنفسهم أمام نوع من طوباوية تتمثّل في تمني عودة شخص كأنتونيسكو للإمساك بالوضع بقبضة عسكرية.

* هل يوجد تمجيد لهتلر في رومانيا على غرار بعض الدول العربية؟

- لا أعتقد. هل كان العرب تاريخياً مع هتلر؟

* هذا من تداعيات الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية…

- نقد سياسة إسرائيل أمرٌ مشروعٌ، ولكن من الجنون التحريض على قتل اليهود.

* ولكن، هل كراهية اليهود في رومانيا جعلت الناس يميلون إلى القضية الفلسطينية مثلاً أم لا يكترثون بها؟

- الناس لا يتكلّمون كثيراً عن القضية الفلسطينية. لا أعتقد انهاتهمّهم. كراهية اليهود مصدرها الكنيسة الأرثوذكسية الرومانية التي كانت دائماً معادية لهم. المسألة تتعلّق أيضاً بشعب لم يعرف يوماً كيفية التعاطي مع الغريب. بعد الحرب العالمية الأولى، عندما توسّعت رومانيا، فجأة وجد هذا البلد الذي لطالما كان متجانساً اثنياً، في ديموغرافيته الجديدة يهوداً. فصار الرومانيون يسألون بعضهم بعضاً: "ماذا يفعل هذا الشخص هنا؟". كانت هذه نتيجة الحصول على باسارابيا وبوكوفينا الشمال بعد الحرب. وكان فيها يهود! هذا ساهم في تغذية الحقد ضد اليهود. اليوم، لم يعد هناك يهود في رومانيا. ولكن ثمة قناعة قوية عند الناس ان هناك مؤامرة كونية خلفها اليهود. أسمع كثيراً عن هذه الفكرة الغبية. في أي حال، لم نعد نعرف اليوم مدى لاسامية الرومانيين لأنه لا وجود لليهود، وبالتالي لا نستطيع ان "نرى" ذلك. أما إنكار ما حصل لهم فالغالبية من أنصاره.

* هل المؤسسة الرسمية الرومانية تتبنى هذا الفكر؟

- لا. لأن قوانين الإتحاد الأوروبي لا تسمح بإنكار الجرائم. ولكن الناس شيء مختلف.

* أحببتُ جداً المشهد حيث يحصل النقاش بين المخرجة ومندوب البلدية، حول هرمية المجازر وكيف ان بعضها يتصدّر الذاكرة وغيرها يجرفه النسيان…

- هذا صحيح.

* الإبادة الأرمنية على سبيل المثل لم تُذكَر بقدر إبادة اليهود…

- لمَ لا؟ لا أعرف الجواب. ربما لأن اليهود أكثر تنظيماً في هذا المجال.

* أو لأنهم يتبوأون مراكز مهمة في العالم…

- في أي حال، دعني أوضّح شيئاً: لم أرد إنجاز فيلم عن اليهود، انما عن الرومانيين وتاريخهم. لو كنت تركياً في تركيا، لأنجزتُ فيلماً عن إبادة الأرمن. للمناسبة، كنت أعرف تركياً كان يقول لي دائماً: "هل تعرف مَن الذي قتل الأرمن؟ اليهود!"(ضحك).

* رأيتُ في المخرجة نوعاً من بطلة، هي التي تقف في وجه الجميع تقريباً. أكاد أرى فيها مخرجة هوليوودية تحاول الحصول على الـ"فاينل كات"...

- أحياناً بطلة، أحياناً لا. الفيلم يطرح سؤالاً حول الفنّان الذي لديه دائماً الشعور بأن فنّه سيغيّر العالم وبأن ما يقوم به غاية في الأهمية. محلّ نقاش كبير، مهمّة الفنّان تجاه التاريخ. لأنه، كما نسمع في الفيلم، من السهل عند الحديث عن التاريخ التماهي مع الطيبين والشجعان. لا أحد يعرف ماذا كنّا فعلنا لو كنّا مكانهم. هذا أحد الأشياء التي يناقشها الفيلم، وأنا سعيد جداً بأنه يتضمّنه كي لا أُتَّهم به.

* صحيح ان الفنّ لا يغيّر العالم، ولكن قد يغيّر الناس. عندما أرى هذا الكمّ من الناس يقفون في طوابير للحصول على بطاقة لمشاهدة فيلمك الذي لا يتضمّن أي عناصر الجذب، أقول لنفسي ان تأثير هذا الفنّ كبيرٌ…

- نعم. عندي بعض الإيمان بسلطة الفنّ، ولكن يعتملني الشكّ كذلك. الكثير من الشكوك...

* الشكّ هو الذي يصنع الفنّان...

- على ان يكون شكّاكاً في أهمية ما يقدّمه. نحن هنا نتحدّث عن التاريخ، فيما اليمن يعيش مأساة. لا نستطيع القيام بشيء لتخفيف الألم. ماذا نفعل في مثل هذه الحال؟

* انها المأساة الأبدية للفنّان العاجز.

- كلنا عاجزون. الا انني لا أعرف مدى عجز رئيسي روسيا والولايات المتحدة. هذه اشكالية، لكن الاشكالية التي أطرحها هي كيف ان بعض الفنّانين ينسون ان نشاطهم لا يغيّر العالم بشكل مباشر. لكن سلوكهم يشي بأنهم يغيّرون العالم. وهذا ليس صحيحاً. أردتُ إظهار هذا الشيء. وهذا لمسته عند مخرجين يعملون في المسرح الإجتماعي أو السياسي أو عند الشعراء.

* هل يخيفك صعود الفاشية اليوم في أوروبا؟ هل رومانيا معنية بهذا؟

- أحياناً أجدني مرعوباً، وأحياناً أقول في سري: "مستحيل ان ننجرّ إلى هذا". أخاف، نعم. لن أذهب إلى نعت القوى الحاكمة حالياً في رومانيا بالفاشية، ولكن ثمة حضور قوي فيها للوطنية والعنصرية الإجتماعية والهوموفوبيا وكلّ ذلك.

* عنصرية تجاه الغجر، تقصد؟ لأن رومانيا لم تستقبل لاجئين على حدّ علمي.

- نعم. أغلب الرومانيين ضد اللاجئين وبشدّة.

* ولكن رغم ذلك، رشّحت الدولة الرومانية الفيلم إلى الـ"أوسكار".

- لأن مؤسسة السينما الرومانية لا تزال مستقلّة. لجنة من النقّاد هي التي رشّحت الفيلم. يبدو ان السينما هي آخر شيء على لائحة السياسيين الرومانيين. بدأوا بالعدالة مثلاً. يحاولون بسط سلطتهم. في رومانيا لا يوجد يمين ويسار. من المفترض ان الذي يمسك الآن بالحياة السياسية في رومانيا هو اليسار، لكن اصطفافهم مع الكنيسة في القضايا الكبرى يجعلهم أقرب إلى أقصى اليمين. هم فقط يسار بالاسم.

* ولكن كيف يمكنك العيش في مثل هذه الظروف من دون ان تكون غاضباً؟

- ولكنني أعيش غضباً متواصلاً. الا ان في داخلي بعض الأمل أيضاً. لا نستطيع ان نحيا من دونه. قبل ٣ أسابيع، نظّمت الكنيسة والدولة تصويتاً ضد زواج المثليين. التصويت لم يمر. شعار التصويت كان "حماية العائلة". الحملة الدعائية التي سبقت التصويت كانت مرعبة: وطنيات وكراهية ضد المثليين وأخبار زائفة. لكن عدم مرور القانون يجعلني أحافظ على شيء من الأمل.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم