الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"قلادة من الضفة الثانية" لنجم الدين خلف الله: التلاعب بالقارئ

المصدر: "النهار"
"قلادة من الضفة الثانية" لنجم الدين خلف الله: التلاعب بالقارئ
"قلادة من الضفة الثانية" لنجم الدين خلف الله: التلاعب بالقارئ
A+ A-

أصْدَر نجم الدين خلف الله، (أستاذ جامعي وباحث تونسي، مقيم في فرنسا) مجموعتَه القصصيَّةَ الأولى (منشورات سوتوميديا، أكتوبر 2018). اختارَ لها عنوانَ: "قلادة من الضفة الثانية"، ولا ندري أيَّ القلائد الأولى؟ فمنذ عتبة العنوان هذه، تلاعَب المؤلفُ، وهو شخصٌ من ورقٍ وكَلم، بقارئه وحيَّرَه. وفي مقدمته، وهي عتبة تالية، أنبأه بأنه مُقدمٌ على أربعٍ وعشرين نصًا/أقصوصة، عدَدَ ساعات اليوم. وما ذِكر هذا العدد إلا عبثٌ آخر، يوهم به أنَّ كل أقصوصة تُكتب أو تُقرأ في ساعةٍ من ساعات النهار، فهل مجموعتُه يومٌ، تألَّف من أربع وعشرين فَترة؟ ثم زاد في تحيير القارئ، بأن جعل لكتابه توطئة، مع أنَّ هذا النوع "بات من مهجور الفعل الأبي خصوصًا في القصة القصيرة "، كما وَرَد على لسانه. فلماذا إذن أورَدها؟ استغلها للتذكير بظروفَ نشأة هذه النصوص ومواقيت تَوَلدها. ونظنه في ذلك موارِبًا مجامِلاً. فكتابةٌ مثل هذه لا يمكن أن تولد من مجرد إعجاب جمعيَّة بأقصوصته الأولى ومشاركتها على موقعها...بل هي رغبة دفينة نراها في لغته واختباراته المعجمية والتركيبية.

فأوّل ما يصادف القارئَ منها ازدواجية البيان: فبعضه منشد إلى البلاغة القديمة، يُحيي مجازاتها البائدة وتراكيبها العصيّة، وبَعضها يتعلق بأهداب اللغة المعاصرة، يمتح من أرصدتها الجديدة وبما تعقده من غرائب العلاقات بين الكَلم والصور في استعمالات المعاصرين من قصّاصينا. جُلها فصيح، عدا بعض تضميناتٍ للدارجة التونسية أراد بها تقريب النص من قائِله وقارئه.


وأما شخصياته فشتّى وأبطاله كُثرٌ. تعقدت بُناهم وتراكبت آفاقُهم. وجلهم يحيل على بطل-جامع واحدٍ: عربي انتقل إلى الضفة الشمالية أو فرنسي ارتحل إلى ضفة الجنوب، ثم نشأت بينهما، بسبب الهجرة والاستعمار، علاقات تغلبٍ واحتقار، تجاذب واستئثار، سجال لا يوقفه كرُّ الأيام ولا مرور الأدهار. ولعل القلادة في هذا التجاذب رمزٌ إلى التهادي، ولو بعد شططٍ، وإلى التحاور وإنْ عَلى بُعد الدار.



وخَتَم الكتاب باستِعادات أنجزها قارئ صديق. هي أدخل في بابِ التناص منها إلى النقد، أي كلام على كلامٌ، يَستحضر من خلاله أستاذ هشام بن يدر ما بَدَر له، بعيَد قراءته، من تتابع حَرَكة الأبطال وتعرُّجات اللغة ومسارات الدلالة... والتعليقات في الجمال من قُماشة نصوص الكاتب وأجمل، كأنّما هو تعاون بين نصيّْن لاستجلاء الدلالة والإمساك بالمَضمون الذي يستعصي على التأويل، لولا إشارات ضائعة هنا وهناك مآلها ضرورة التحاور بين ضفتَيْ المتوسّط، حتى يتزين جيده بقلادة، ذَهَبُها معرفة وخيْطها احترام.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم