الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

حاكم المغتصب ولا تحكم على الضحية... "مين الفلتان"؟

المصدر: "النهار"
ندى أيوب
حاكم المغتصب ولا تحكم على الضحية... "مين الفلتان"؟
حاكم المغتصب ولا تحكم على الضحية... "مين الفلتان"؟
A+ A-

يعدُّ الاغتصاب شكلاً من أشكال العنف الجنسي الذي يمكن أن تتعرض له السيدات، مع ما يترك هذا النوع من صدمة نفسية حادة. خمس سنوات من الاشغال الشاقة هي الحدود الدنيا للعقوبة التي ينص عليها القانون اللبناني بحق الجاني، هذا إن خضع الى المحاكمة. فكسر الضحية حاجز الصمت والخوف وامتلاك عائلتها شجاعة مواجهة الصورة النمطية التي يرسمها المجتمع حول المرأة المغتصَبة ليس بالامر السهل، لارتباطه بقيم المجتمع ومنظومته الثقافية. هنا جوهر القضية، ومنه يبدأ التغيير، وإن كان تعديل القانون ضرورياً لجهة تشديد العقوبات وجعلها رادعة ومساوية لفداحة الجريمة، لكن مخطئ من يظن أن تصحيح المسار ينحصر بالتشريعات. في هذه السطور سنطلّ على الجانبين الاجتماعي والقانوني لقضيةٍ انسانية تستحق تكوين مجموعات ضغطٍ ومناصرة تدرك كيف تقارب الأمور بمسؤولية بعيداً من التطرف.


"مين الفلتان؟"


أطلقت منظمة "أبعاد" حملة "مين الفلتان"؟ (حاكِم المُغتصِب، ما تحكُم عالضّحية) في 5 تشرين الثاني، بهدف جعل هذه القضية، قضيّة رأي عام والضغط لتغيير الواقع وكسر الصورة النمطية التي يرسمها المجتمع حول المرأة المغتصَبة، والمطالبة بتشديد عقوبات العنف الجنسي. الحملة انطلقت يوم الاثنين عبر فيديو كان عبارة عن تجربة إجتماعية، أكد وللأسف، أن جزءاً لا يستهان به من الشارع اللبناني لا يزال يلوم الضحية، وتالياً يبرّر للمغتصِب جريمته على قاعدة أن الفتاة عامل محفّز بلباسها المغري او بوجودها خارج المنزل في ساعات متأخرة من الليل، حتى إن البعض ذهب الى حد اتهامها بتعاطي المخدرات أو السكر. استمرت الحملة في الايام التالية بمشاركة رسّامات غرافيتي جسّدن من خلال رسوماتهن التفاعلية أوجه مرتكبي الاغتصاب كما وصفتها الضحايا، وتخيّلتها الفنانات، وأمام إحدى الجداريات وقف المارة يستمعون إلى قصّة الضّحية، وسجّلت عدسات الكاميرا ردود أفعالهم.

ونذكّر في هذا السياق أن "أبعاد" تقدِّم خدمات الإيواء، والدعم النفسي والاجتماعي والمساعدة الطبية والقانونية وخدمة الخط الآمن على الرقم: 81788178.


صدمة نفسية


تتم عملية الاغتصاب من أشخاص معروفين للضحية غالباً، نتيجة احتكاك يومي معهم، إما أقرباء في الحيز الخاص وإما غير ذلك في الحيز العام. هذا الشكل من أشكال العنف الجنسي لا يمارس تجاه سيدات مكتملات الأنوثة والنضج الجسدي فحسب، بل قد يصل الجاني في بعض الأحيان حد تشويه طفولة فتاة باعتبارها أقل قدرة على الدفاع عن نفسها وأكثر رعباً حيال فكرة البوح لأفراد العائلة خوفاً منهم. واقع يفرض تدخل المساعدين الاجتماعيين. وعن دورهم تتحدث راغدة غملوش لـ"النهار" قائلة: "عملنا يشمل كافة الفئات العمرية للضحايا، ندرب الفتيات الصغيرات على التمييز بين اللمسات الجيدة المقبولة وغير المقبولة، وندعوهن إلى تبليغ أشخاصٍ يثقون بهم كأحد أفراد العائلة أو المدرسة... الخ. أما السيدات فنشدد أمامهن على أنهن لسن مذنبات، وأي انتهاك لهن هو خطيئة يرتكبها الجاني، والمشكلة في سلوكه هو، وما عليهن سوى تبليغ الافراد او الجهات القادرة على مساعدتهن".

على المستوى النفسي يشكل الاغتصاب صدمة قوية للضحايا لا يمكن تخطيها بسهولة من دون مساعدة اختصاصيين، بحسب غملوش التي تلفت إلى أن "حجم الصدمة مدمِّر للأطفال، هم في اطار تكوين الشخصية لا يملكون القدرة على فهم ما يحصل، وتلقائياً يشعرون بالذنب وعدم الرغبة بالبوح خوفاً من الاهل وتهديد الجاني في آن معاً، ما يتسبب بتشوّهات نفسية خلال عملية النمو وتجعلهم عرضة للانتهاك لمرات عديدة".

تركز غملوش على أهمية تغيير المفاهيم والقيم الثقافية للمجتمع، "الذي لا يفكر أفراده بحلٍ أو بالآثار النفسية على المرأة بقدر ما يبحثون عن الأسباب التي غالباً برأيهم يختصرها مظهر المرأة المغتصبة".


يحمل الفصل الأول من الباب السابع من قانون العقوبات عنوان "في الاعتداء على العرض"، ويعاقب المغتصب بالأشغال الشاقة الموقتة على ألا تقل عن 5 سنوات. وفي ظل تعاطف المجتمع، وبما ان القضاء ابن بيئته ومجتمعته ينعكس ذلك على الاحكام، وتصدر العقوبة في معظم الاحيان في حدّها الادنى. الكلام للمحامية دانيال الحويك التي تلفت في حديث لـ"النهار"، الى "ضرورة تحسين القانون ابتداء من العنوان ليصبح "في جرائم الاعتداء الجنسي" ومن ثم تشديد العقوبات على الا تكون اقل من عشر سنوات في ما يتعلق بالمادة 503 وهكذا دواليك، مع امكانية ان تكون العقوبة رادعة بعد اعادة قراءة موضوعية وشاملة".

أما في الحديث عن حالة الاعتداء في الحيّز الخاص، فتستعمل حويك عبارة "المؤبد إلو والحياة إلها"، وفي "مرحلة ثانية نريد المؤبد للمعتدي في الحيز العام، لأن من يعتدي في الحيز الخاص ليس صعباً عليه أن يعتدي في الحيز العام"، موضحة أن "المؤبد ليس هدفاً بذاته وليس الهم سجن المعتدي بقدر ما هو اقرار عقوبة رادعة تمنع حصول الجريمة".

واحدة من كل أربع نساء تتعرض لاعتداء جنسي، على حد قول حويك. ومن هنا تشدد على أهمية ايجاد نظام رعاية اجتماعية خاصة للعائلات التي تتعرض فيها الفتاة للاغتصاب من الحيز الضيق، "لا نستطيع اقرار قانون يحكم بالمؤبد مثلاً بدون أخد كل المعطيات في الاعتبار".

بعد عرض الجانب القانوني تعود حويك لمقاربته على أرض الواقع قائلة: "السيدات يخفن البوح، والعائلات قد ترغب في الادعاء، لكنهم يخافون من وصمة المجتمع، فنستنتج ان المنظومة متكاملة، فما فائدة سن قوانين غير قابلة للتطبيق على أهميتها؟"، مشيرة إلى أن "التغيير على المستوى التشريعي ليس مستعصياً في حال مقاربته بطريقة صحيحة تولّد ثقة لدى المشرّع تجاه الجمعيات والناشطين في المجال، إلا أن الاساس والاصعب هو التغيير في ذهنية افراد المجتمع وثقافتهم، وهذا ما نعمل عليه حاليا قبل التقدم بمشروع قانون".


المقاربة إذاً ليست واحدة، ومسؤولية مناصرة قضايا كهذه تحتّم العمل على أكثر من صعيد، لتشكّل حلقة متكاملة، مع عدم اغفال أهمية مخاطبة الرجل بشأن قضايانا على قاعدة أنه شريك حقيقي وفعال بدلاً من حشره في الزاوية والتصويب عليه طوال الوقت، لا لشيء سوى أنه ضحية ثقافته ومجتمعه أيضاً وليس كائناً من المريخ.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم