الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

الاقتصاد اللبناني على هاوية أزمات مالية واقتصادية

د. أيمن عمر ـــ باحث في الشؤون السياسية والاقتصادية
الاقتصاد اللبناني على هاوية أزمات مالية واقتصادية
الاقتصاد اللبناني على هاوية أزمات مالية واقتصادية
A+ A-

في أحدث تقرير له يوم الثلاثاء 30 تشرين الأول وتحت عنوان "المرصد الاقتصادي اللبناني لخريف 2018" حذّر البنك الدولي من ارتفاع المخاطر في لبنان "بشكل حادّ". فالاقتصاد اللبناني أمام جملة من الأزمات وهو يقف على شفير الهاوية، ما يتطلّب حلاًّ جذرياً لمعالجتها للخروج من عنق الزجاجة والدخول بالاقتصاد اللبناني إلى برّ الأمان.

الأزمة الأولى: تفعيل مقررات مؤتمر سيدر

في الحصيلة النهائية لمؤتمر سيدر بلغت القروض والمساعدات للبنان 11 مليار و800 مليون دولار. ومن شروط هذه القروض والمساعدات قيام لبنان بإصلاحات هيكلية وإدارية أبرزها خفض عجز الموازنة العامة. ويسعى لبنان إلى استثمار هذه الأموال في إصلاح البنية التحتية وزيادة النمو الاقتصادي. إذ يصف البنك الدولي حالة البنية التحتية اللبنانية بأنها "الأفقر إقليمياً وعالمياً"، ويستند في ذلك إلى ترتيب لبنان في المرتبة 130 من بين 137 دولة مدرجة على "مؤشر جودة البنية التحتية". لذلك من أبرز تحديات هذه الحكومة الالتزام بما وعد به رئيس الحكومة اللبنانية خلال كلمته في المؤتمر من زيادة الاستثمار في البنى التحتية من خلال تنفيذ برنامج الانفاق الاستثماري الطموح، وضمان تنفيذ هذا البرنامج الاستثماري في إطار مالي شامل، وديون مستدامة من خلال تعزيز ضريبي يهدف إلى خفض عجز الميزانية بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 في المئة خلال السنوات الخمس المقبلة. وكذلك تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي يحتاج إليها لبنان لتحقيق كل إمكانات النمو المستدام بقيادة القطاع الخاص مع زيادة العدالة الاجتماعية. وتشمل هذه الإصلاحات مكافحة الفساد وتطوير استراتيجية لتنويع القطاعات الإنتاجية وتحقيق إمكانات التصدير اللبنانية. لذلك فإن ضياع هذه القروض يؤدي إلى خسارة الاقتصاد فرصاً استثمارية مهمة للنهوض به.


الأزمة الثانية: العقوبات الدولية على حزب الله وانعكاساتها الداخلية

في 27 أيلول صوّت مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون حمل الرقم 1559، يفرض عقوبات أقسى على عناصر "حزب الله"، على أن تستكمل بعقوبات جديدة في 4 تشرين الثاني على إيران وأذرعها في المنطقة وعلى رأسها "حزب الله". المتحدثة باسم البيت الأبيض ذكرت في بيان بعد توقيع ترامب للقانون أن "العقوبات ستطال أي شخص أجنبي أو وكالة حكومية تدعم حزب الله". وكانت مجلة “Foreign affairs” قد اقترحت أن يدعو البيت الأبيض إلى اعتبار المناطق التي يسيطر عليها "حزب الله" كمناطق "محتملة لغسيل الأموال" بموجب المادة 311 من قانون باتريوت الأميركي، وبالتالي أن تطال العقوبات بيئة "حزب الله". هذه العقوبات يُخشى منها أن تنعكس سلباً على الاقتصاد اللبناني برمّته، وعلى القطاع المصرفي بالذات. وهذه المخاوف عبّرت عنها وكالة فيتش للتصنيف الائتماني منذ أشهر، حين أكدت في تقرير لها أن تشديد العقوبات الأميركية على "حزب الله" قد يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على التدفقات الأجنبية إلى البلاد وعلى قطاعها المصرفي. لذلك من أبرز التحديات التي سيواجهها الاقتصاد هي كيفية تجنيب الدولة اللبنانية وقطاعها المصرفي تداعيات هذه العقوبات.

الأزمة الثالثة: الانكماش الاقتصادي

قدَّرَ صندوق النقد الدولي النموّ الاقتصادي الحقيقي في لبنان بـ 1.2% خلال العام 2017، متوقِّعاً أن تصل هذه النسبة إلى 1.5% في العام 2018 و 1.8% في العام 2019. ووفقاً لتقريره المعنوَن "آفاق الاقتصاد الإقليمي – أيّار2018"، فإن هذه الأرقام الضعيفة تعود نسبيّاً بشكلٍ رئيسيٍّ إلى استمرار تداعيات التجاذبات السياسيّة والأمنيّة الإقليميّة على مستويات الثقة في البلاد وعلى القطاع العقاري، وحركة السياحة، والنشاط الاستثماري والتجاري لديها. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى تحقيق نمو يتراوح بين 1- 1.5% تقريباً في عامي 2017-2018، معتبرين أن قاطرات النمو التقليدية في لبنان – وهي السياحة والعقارات والبناء – تتسم ببطء الحركة. وبالاستناد الى نسب النمو المتوقعة في 2018، فإنها تبقى متدنية. ولمواجهة هذه المعضلة، يتوجّب تحقيق نمو في الناتج الاجمالي بنسبة 9% سنوياً، بحسب وكالة التصنيف الائتماني "فيتش" العالمية، كي تستعيد الدولة الانتظام المالي.

الأزمة الرابعة: الدين العام وعجز الموازنة

توقّع البنك الدولي في تقرير حديث، أن يتّسع العجز في المالية العامة في لبنان بسبب غياب إيرادات ضريبية مفاجئة في 2018، واستمرار الزيادة في مدفوعات الفائدة على الدين العام. واعتبر التقرير أن المخاطر الاقتصادية والمالية لا تزال مرتفعة. وأوضح أن العجز المالي السنوي ارتفع بنحو 1.8 نقطة مئوية إلى 10% من الناتج، وهي النسبة الأعلى منذ 2005. وقد أصبح الدين العام 81.9 مليار دولار في آذار من العام الحالي بعد أن كان 79.5 مليار دولار في نهاية العام الماضي بحسب أرقام جمعية المصارف. وبحسب صندوق النقد الدولي، فقد وصلت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي 152.8%، وهو ثالث أكبر نسبة في العالم بعد اليونان واليابان. وفي سياق من النمو المنخفض في لبنان وأسعار الفائدة المتزايدة عالمياً، سيزداد تدهور ديناميكية الدين ويزداد الدين العام بسرعة إلى مستوى أقل بقليل من 180% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2023 حسب السيناريو الأساسي، على أن يستمر بعدها في الارتفاع. وقد بلغ عجز الموازنة العامة 2018 حوالي 4.8 مليارات دولار، يتم إنفاق 38.2% من الموازنة على خدمة الدين العام. هذا الأمر يتطلب حاجة ماسّة لمعالجته.

الأزمة الخامسة: منظومة الفساد

أظهرت دراسة للبنك الدولي عام 2017 أن كلفة الفساد في لبنان تبلغ 10 مليارات دولار سنوياً، بينها 5 مليارات دولار على شكل خسائر مباشرة وداخلية في الإدارات العامة جراء الهدر والتهرب الضريبي. أما الـ 5 مليارات الأخرى فهي خسائر غير مباشرة مرتبطة بالاستثمارات وفرص العمل التي يؤدي الفساد في لبنان إلى فقدانها. وتبلغ قيمة التهرب الضريبي لشركات القطاع الخاص نحو 1.5 مليار دولار. وتبلغ قيمة الهدر في الجمارك ومرفأ بيروت 400 مليون دولار. كما تبلغ كلفة الهدر والفساد في الضمان الاجتماعي 133 مليون دولار سنوياً.

الأزمة السادسة: أزمة النفايات والكهرباء

إن إجمالي عجز الكهرباء المتراكم خلال 26 عاماً (من 1992 إلى نهاية 2017) بلغ 36 مليار دولار، يمثل حوالي 45% من إجمالي الدين العام الذي بلغ 79،5 مليار دولار مع نهاية كانون الاول 2017. وإن تحويلات مصرف لبنان لتغطية عجز الكهرباء بلغت 1،295 مليار دولار خلال العام 2017. هذه التحويلات المالية إلى شركة كهرباء لبنان تجاوزت 4% من إجمالي الناتج المحلي في السنوات الأخيرة. ونشرت منظمة الصحة العالمية في 12 أيلول 2018 تقريراً ظهر فيه أن انتشار السرطان في لبنان مقلق وخطير. ولا شك أن من أهم أسبابه مكبات النفايات المنتشرة عشوائياً في المدن والشوارع.

الأزمة السادسة: التنقيب عن النفط والغاز

في شباط 2018 وقّع لبنان اتفاقيتين مع تخالف الشركات العالمية توتال ونوفاتيك لاستكشاف النفط والغاز، حيث تبدأ عمليات التنقيب في بداية العام 2019. سيغير اكتشاف الغاز مسار لبنان من بلد مديون إلى بلد نفطي، إذ تقدّر الكميات الموجودة بحوالي 25 تريليون قدم مكعب توازي 300 مليار دولار. وتشير التقارير إلى أنه تم تحديد 87 بئراً وقد أبرز العمل على 12 منها وجود كميات لا تقل عن 18 مليار برميل، ووفق تقديرات خبراء النفط إن مردود 18 مليار برميل لن يقل عن 54 مليار دولار كحد أدنى. والمطلوب هو إدارة سليمة وشفافة لهذا الملف لإبعاده عن دائرة تقاسم الحصص والفساد.

إن البنيان إذا انهار سيصيب شظاياه الجميع دون استثناء. فهل يعي المسؤولون خطورة الوضع والقيام بواجباتهم الوطنية؟ وإلا فإن التاريخ لن يرحم.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم