السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

الانتخابات النصفية استفتاء على رئاسة ترامب

المصدر: "النهار"
هشام ملحم
هشام ملحم
الانتخابات النصفية استفتاء على رئاسة ترامب
الانتخابات النصفية استفتاء على رئاسة ترامب
A+ A-

كان الطقس قاتما وممطرا وباردا في شمال ولاية فيرجينيا الأميركية حيث أُقيم في إحدى الضواحي الجنوبية للعاصمة. الاقبال على الانتخابات النصفية كان كثيفاً. مشينا في المياه الموحلة، للوصول الى مراكز الاقتراع في الثانوية الرئيسية في المنطقة والتي غصت مواقفها بالسيارات. صفوف طويلة من الناخبين من مختلف الأعمار والجنسيات. شباب ساعدوا المسنين على الوصول الى مركز الاقتراع وعلى تعبئة أوراقهم، اطفال صغار رافقوا امهاتهم وابائهم للتصويت قبل التوجه الى مراكز عملهم. متبرعو الحزبين، يحاولون اقناعك بالتصويت لمرشحيهم في آخر لحظة، ويقدمون لك لوائحهم ومقترحاتهم الخاصة التي يريدون الموافقة عليها. كل شيء في اجواء ترقب واحترام غاب عنها أي توتر. عملية التصويت استغرقت بضعة دقائق، واذا كان الناخب مسجل في سجلات المقاطعة، كل ما عليه هو ان يقدم بطاقة قيادة السيارة – لا توجد هوية وطنية في اميركا- وان يذكر عنوانه، حيث يتأكد منه المتطوع المحلي، ثم ينتقي الناخب مرشحيه، ويضع ورقته في آلة تسحب الورقة، وبعدها يتلقى من متطوع آخر بطاقة تعلن "لقد اقترعت" ليضعها على صدره اذا أراد. هذا ما قمت به صباح الثلثاء، بعد حمام المطر البارد.

وكما هو الحال في فيرجينيا، كذلك في الولايات الأميركية الأخرى،ة حيث توجه ملايين الناخبين الى مراكز الاقتراع لحسم أهم انتخابات نصفية مثيرة للجدل النافر في حياتهم، واعتبرها سياسيون بارزون من الحزبين والعديد من المحللين مفصلية وتاريخية لأنها تتخطى مجرد التصويت على مرشحين معينين للحزبين الجمهوري والديموقراطي.

وتحولت هذه الانتخابات الى استفتاء على رئاسة دونالد ترامب، واستفتاء حول هوية اميركا، وما اذا كان مفهوم الوطنية الاميركية التقليدي المبني على قيم ومباديء المساواة والعدالة والحريات التي هي في صلب الدستور وغيره من الوثائق الجوهرية للجمهورية الاميركية، أم القومية الضيقة التي ينادي بها ترامب والمبنية على العصبية الإثنية للأميركيين المسيحيين المتحدرين من أصول اوروبية، الذين يشكلون قاعدته الانتخابية الضيقة التي تؤيد بحماس كبير عدائه للاجئين والمهاجرين السمر والمسلمين.


الحماس الشعبي

وفي الايام الماضية بدت الانتخابات النصفية وكأنها انتخابات رئاسية كما ظهر من النشاطات المكثفة لترامب الذي شارك في ثلاثة مهرجانات انتخابية وفي أكثر من ولاية في اليوم الذي سبق الاقتراع، وفي النشاطات الكثيرة التي قام بها الرئيس السابق باراك اوباما ونائبه جوزف بايدن. المشاركة الجماهيرية الكبيرة في هذه المهرجانات عكست عمق واتساع مشاعر الحماس الشعبي في اوساط ناخبي الحزبين. هذا الحماس ترجم الى ارقام قياسية في نسب الناخبين الذين صوتوا باكرا، ووصل عددهم الى اكثر من 35 مليون ناخب، أي بزيادة 66 في المئة عن الذين صوتوا في اخر انتخابات نصفية في 2014. في ولايات مثل فلوريدا ونيفادا وصلت نسبة الذين صوتوا باكرا الى 40 في المئة، مقارنة ب 25 في المئة في انتخابات 2014.

ويلتقي قادة الحزبين ومعظم المحللين على القول ان الديموقراطيين سيفوزون بالغالبية في مجلس النواب، ويمكن ان تتراوح هذه الغالبية بين 25 و35 مقعدا. ولكن الصورة معقدة أكثر في مجلس الشيوخ حيث سيصوت الناخبون على 35 مقعدا، حيث تظهر معظم الاستطلاعات والتوقعات ان الجمهوريين سيحافظون على غالبيتهم الراهنة (صوت واحد) وربما صوت آخر. وهناك نحو خمسة سباقات متقاربة بشكل كبير، بحيث يمكن ان تكون نتائجها لمصلحة أي من الحزبين، وان بنسب ضئيلة جداً، وهذا ما يجعل التنبؤ بمصير مجلس الشيوخ صعبا جداً. اللافت في هذه الانتخابات ان المرشحين لحاكمية ولايتي فلوريدا وجورجيا، هما للمرة الاولى من أصل افريقي، ولديهما فرضة حقيقية للفوز في الانتخابات، مما يجعل السباق في الولايتين تاريخي بالفعل.

سوداوية ترامب

قادة الحزبين وصفوا الانتخابات بنبرة قاتمة واعتبروها الى حد كبير مفصلية للبلاد ولمستقبل كلا الحزبين. الديموقراطيون رسموا صورة قاتمة لمستقبل البلاد اذا حافظ الجمهوريون على سيطرتهم على مجلسي الكونغرس، لأن ذلك سيسمح لترامب مواصلة تطبيق رؤيته السوداوية والمتشددة لاميركا التي ستزداد عزلتها الدولية وهي تطبق سياسات حمائية في علاقاتها التجارية مع العالم وتواصل تجاهلها لانتهاكات حقوق الانسان في الدول السلطوية، والتي تنتهج داخلياً سياسات محافظة للغاية غير متعاطفة مع حقوق الاقليات والمرأة، ومناوئة للمثليين واللاجئين والمهاجرين.

وفي الأيام الاخيرة التي سبقت الانتخابات، ازدادت سوداوية ترامب حدة وفظاظة، حين رسم صورة صارخة ببشاعتها للمشهد العام في البلاد في حال فوز الديموقراطيين. فهو حمّلهم مسؤولية "غزو" خيالي لقافلة من اللاجئين تعبر المكسيك في طريقها الى الحدود الجنوبية للولايات المتحدة (المحللون يقولون ان الذين سيصلون للحدود فعلاً سيكونوا اقل من الفين، هذا اذا وصلوا لطلب اللجوء)، وان هذه القافلة تشمل "مجرمين عتاة" وارهابيين محتملين من الشرق الاوسط، في تلميح لاحتمال اختراق ارهابيي "الدولة الاسلامية" (داعش) للقافلة. وفي استغلال سافر وغير مسبوق نشر ترامب اكثر من 7 الاف جندي على الحدود الجنوبية، ولوح برفع عديدهم الى 15 الفاً، وذلك قبل ايام من الانتخابات في محاولة رخيصة لتخويف قاعدته من الغزو الاسمر للبلاد.

وتخلى ترامب عن تلميحاته العنصرية، وبدأ يتحدث بفظاظة عنصرية واضحة، حين وصف عدداً من المرشحين من اصول افريقية بانهم "غير مؤهلين" لتمثيل ناخبيهم كمشرعين او كحكام ولايات. وقبيل بدء الاقتراع، بدأ ترامب بتخويف قاعدته من خلال التلويح باحتمال حدوث تلاعب او تزوير في الانتخابات، وهو العلم الاسود الذي لوح به خلال حملته الرئاسية في 2016، حين ادعى، انه جرت عمليات تزوير انتخابي، وهو ادعاء كاذب لأنه لم تكون هناك أي أعمال تزوير كما قال مسؤولو الولايات.

وفي مؤشر لافت على عنصرية ترامب، رفضت معظم شبكات التلفزيون البارزة ومن بينها شبكة "فوكس" التي تؤيد ترامب تقليديا، اضافة الى شبكات اخرى من بينها "سي إن إن" و"إن بي سي" وغيرها بث اعلان لحملته لأنه "مهين" لتصويره جمهوراً من اميركا الوسطى ويظهرهم كغوغاء كما يشمل الفيديو مهاجر غير موثق من اميركا اللاتينية محكوم عليه بالسجن بجرم قتل شرطيين، وهو يقول انه كان يود ان يقتل أكثر. ودافع ترامب عن الدعاية قائلا انها فعالة. وحين قال له صحافي انها مهينة، اجاب ترامب :" هناك أشياء كثيرة مهينة، واسئلتكم مهينة".


وهناك ظاهرة لافتة، صاحبت هذه الانتخابات، وإن كانت قد برزت أولاً بعد انتخاب ترامب، وهي ارتفاع أصوات شخصيات جمهورية تقليدياً، من اعضاء سابقين في الكونغرس، ومسؤولين خدموا في الادارات الجمهورية وفي البيت الابيض، الى محللين، وباحثين في مراكز الابحاث، من الذين يحضون الناخبين الجمهوريين للتصويت لمصلحة المرشحين الديموقراطيين، كي يقوموا بكبح ترامب من خلال استخدام غالبيتهم في مجلسي الكونغرس، او حتى من قبل مجلس ديموقراطي واحد. وهذه من بين الظواهر الجديدة التي اتسمت بها هذه الانتخابات.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم