الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

معنى أن ترسم بقصائد الحب وطناً

أحمد الشيخاوي
معنى أن ترسم بقصائد الحب وطناً
معنى أن ترسم بقصائد الحب وطناً
A+ A-


شهي أن تسافر بك سكرتك الإبداعية خارج الحدود والأشكال، وأن يكون مرعى ومرتع أناملك المغدق عليها من كلّ صنوف الفضول الوجودي، المطلق الموغل والمتسربل بغواية المستحيل، بحيث تطارد ذاتك، مختزلا فيك ما يتطلّع إليه الآخر، بلا ضغائن أو حقد دفين، أعني أن تفتح قلبك بالكامل وألاّ تشوّه مراياك وتخدشها بعمر للسلبية والنقصان، أو تهشّمها عبر اصطدامات همجية بمحطّات خاملة، لا يعانق أفانينها غير الحب، في عظمته ومغناطيسيته وعنفه، كبلل غرّيد، لنوتته معنى واحد لا غير، وجدّ قريب: أوطاننا من الفطرة السليمة أن تكون هكذا، تتنفّس عشق المشترك الإنساني.

وأشهى من ذلك بكثير، لمّا تغذي ذلك الإبداع، خلفية نون النسوة، مضاعفة ذلك الرّشق بما نسمّيه حبّا، على عنفه الشديد، أحيانا، والقابل لأن نعيشه، إذا ما انتصرنا لإنسانيتنا على أنانيتنا المغرضة والمريضة.

كذلك هي الشاعرة السورية الجميلة ريم سليمان الخش، في ديدنها المتوهّج بثورة الهامس، المنخطف ببياض الأحجية والزمن والمكان، البياض الذي يقول كل شيء.

تقول معارضة الحجاج في تأليهه موسم قطاف الرؤوس، كونها تستفتي قلبها في كل قصيدة تقولها، فهي، بالتالي، تعطي دون مقابل، هكذا بملامح طفولية، وبلا مبالاة:

[ عطش بحضن أميرة/عربية متبصّره... في صرحها الملحي لا/ تطئ الزجاج لتعبره ...أو تستثار بنعلها/ كي تستشيط وتكسره ... فالماء قيد زجاجها / والرّب يمنع أنهره... والحارسون لعرشها/ خانوا الصراط وكوثره... والقائمون على الزكاة/ قلوبهم متسعره... جاعت طيور بلادهم / والبيد جوعى مقفره... والرب يخزن مالهم/ متصهينا كي يحظره] (1).

تضرب الشاعرة السورية ريم سليمان الخش من قلب القصيدة المقفاة، معتقدة بقوة القلب في زمن استبدّ الجنس البشري، فيه، بكل هذا الجنون، جوراً على ذواتهم بالأساس.

تجابه الجلد الإيديولوجي وتقلب الطاولة على عصاباته، تضاجع القصيدة نكاية في حفنة اللصوص والقتلة.

وتقول: [الكل يشري والقلوب ذبيحة/ ويصون صك ثرائهم من يحكم ... طلب على بترولنا ودمائنا / كأن إنعاش البنوك هو الدم ... فكأنه للمال زيتُ وقوده /في سفكه حفظُ البقاء ليسلموا... عجبا لروح حضارة بنيت على/ دعس الجمل ضروسة لا ترحم ... تنهار أعمدة السلام وينطفي /وجه الحياة وقلبها المتضرّم... ونقاد ظلما للفناء لأننا / كون يشعّ لتُستضاء الأنجم] (2).

جملة من المعاني الغريبة تخاتل في دفقها، وقد فرضها السياق التاريخ، قبل أي اعتبار آخر، تحرّضنا على أن نهتف ضدا في واقعنا العابث، نعاند بمقولة: هو الشعر وكفى.

قلب القصيدة مرآة صافية للذات التي تبدعها، يسبّح بانفتاح سرمدي، ومقامر، غير آبه للجلادين والذبّاحين في صمّ آذانهم وفقئ أعينهم، إلاّ عن صوت أنانيتهم وعربدتهم وساديتهم، وعجنهم للحظة، مع أن الكل مشترك فيها، بأحلامهم النشاز المفتقرة إلى أبسط صكوك الشرعية.

تقول: [ ولو ذاقت شفاه الدهر شعري / لما عرفت سوى الأشعار نطقا ... لما غنّت سوى للحب لحنا/ وما نطقت سوى بالصدق حقا ... سأترك للحياة حروف مجد / على لوح بنور الله تسقى](3).

هذه هي فلسفة الغاويين عموما، تأخذ منهم الحياة، ولا تعطيهم، يتركون لها ما تحقنهم به كأقصى ما يسوم الوجع، وتختمر المعاناة، لأن مصيرهم هو من اختارهم.

لذلك هم يتجلّون في غيابهم ويغيبون في حضورهم، ينرسمون لقصائدهم، مع أن تكلفة ذلك باهظة للغاية، كونها تسرقهم من الحياة وتسرق الحياة منهم.

مثلما نطالع للشاعرة أيضا، قولها: [لا تلومي تعلّقي بالرجال /كيف أخفي تولّعي يالآلي ... يخطف القلب وصفهم في خشوع / يا لمجد صرفت فيه انشغالي... يشرق الكون باسما من جباهٍ / تتسامى بسعيها للكمال] (4).

كذلك هو حال القصيدة النضالية وهي ترتقي بالأنثى إلى فوقية بلا عقد، عبرها، نلفي الذات الشاعرة، تغازل عالم الثلة الناجية، ممن استحقوا لقب الرجولة، بامتياز.

هؤلاء الذين يصفهم القلب خاشعاً، متعثّرا بفيض محبته، ودونهم طوفان الشعر وقيامته، يقصف البقية الفاسدة المفسدة، وكيف أنّ هذا العالم اصطبغ دماً، جراء أخطائهم وتماديهم في الغي والحماقات.

وكذلك هي ريم، في صوت فرادتها، لم نزل ننهل بمعيتها، من كل معنى يوبّخ عالم اللصوص والقتلة، في معنى أن ترسم قصائد الحب، وإن في أقصى صور عنه، وطنا لتصافح القلوب.

هامش:

(1)من قصيدة من ذا يجفّف أنهره (ص)15.

(2)من قصيدة بورصة الأحزان (ص)19.

(3)من قصيدة على لوح بنور الله يسقى (ص)66.

(4)من قصيدة لا تلومي تعلقي بالرجال (ص)121.

أنظر ديوان سأزرع الأرض آلافا من القبل ،دار السكرية للطباعة والنشر والتوزيع، مصر/ القاهرة.

شاعر وناقد مغربي

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم