الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

باب التبانة: راح الذهب وبقيت المأساة (صور وفيديو)

المصدر: "النهار"
طرابلس - رولا حميد
A+ A-

من "سوق الذهب" على ما عُرفت به، إلى أكثر مناطق لبنان فقراً، وأكثرها شهرة بسبب ما عاشته من أحداث تصدرت الشاشات، تشكل منطقة باب التبانة عبئاً كبيراً على الدولة نظراً للمسؤولية الكبيرة المترتبة على أوضاعها، وتراجعها من أهم سوق للعمل، والاستثمار حتى أواسط القرن العشرين، إلى دمار، وبطالة، وفقر، وتراجع هائل في البنى التحتية، وفي ظروف العمل، والسكن، والحياة بصورة عامة.

كثيرة هي الدراسات التي تناولت المنطقة، وكان أقدمها بين سنة 1983، و 1985 على يد "أوجيه لبنان" حيث كان يفترض إزالة الردم الناجم عن الحروب القاسية التي شهدتها طرابلس، ووضع خطة إنقاذية للمدينة، وبشكل خاص باب التبانة، كما تناولت الأبحاث المنطقة على يد عدد من أساتذة الجامعة اللبنانية، والإسكوا 2011، ثم وضعت بلدية طرابلس دراسة سنة 2014، وأخرى لتيار المستقبل 2015.

إلا أن أحدث الدراسات، وأكثرها تعمقاً، واختصاصاً ودقة، فهي التي صدرت خلال شهر آب 2018، وقامت بها الـ UNH) United Nations Habitat)، في تقرير من 92 صفحة، ذكرت فيها أن التبانة تقع على تخوم مدينة طرابلس المملوكية، وتأسست في القرن التاسع عشر إثر تنامي حركة المواصلات بين لبنان وسوريا، محفَزة بسكة الحديد التي وصلت بيروت بحمص، وبإقامة أضخم سوق فيها للتبادل السلعي النباتي من خضار وفاكهة خدم كل محافظة الشمال.

تذكر الدراسة أن مساحة التبانة تبلغ ٠،٤٢ كلم مربع، سكانها يناهزون الـ٢٠٤٤٩، منهم ٨٢،٩ في المئة لبنانيون، والـ ١٧،١ في المئة الباقون هم من غالبية سورية يشكلون ١٥،٣ في المئة من مجمل السكان، و٠،٥في المئة من الفلسطينيين النازحين من سوريا بسبب أحداثها.

وتقول أن ٧٨،٣ في المئة من غير اللبنانيين جاؤوا بين ٢٠١١ و٢٠١٧، أي بعد اندلاع الأحداث السورية.

وتلحظ الدراسة أن باب التبانة، ومنذ النصف الثاني من القرن العشرين، فقدت وضعها كمصدر للمواد الغذائية والحاجات المنزلية لعدة أسباب، منها نقص بيوت السكن الذي تجلى في العام ١٩٦٠ جراء طوفان نهر أبو علي سنة ١٩٥٥، وتوقف سكة القطار في العام ١٩٧٥، والأحداث التي وقعت فيها بين حيي التبانة وجبل محسن في الثمانينيات، وما بعد.

الأعمال التي تستمر في المنطقة تتراوح بين الحدادة والنجارة والميكانيك والسمانة بصورة عامة، وباتت هناك تحديات كبيرة تواجه الطفولة والشباب، على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، بما فيها عمل الأطفال، والزواج المبكر الذي تصفه الدراسة بزواج الأطفال، وانخفاض نسبة الملتحقين بالمدارس في المرحلة الثانوية وما بعد، وندرة العناية الصحية، والخدمات التربوية للأطفال، وذوي الحاجات الخاصة الكثر، وقلة فرص العمل.

وتلفت الدراسة إلى أن واقع التبانة يتيح لها أن تكون بحالة أفضل بكثير فيما لو حظيت بالاهتمام اللازم، خصوصاً لوقوعها في نقطة متوسطة للعديد من المناطق المحيطة.

كما تلفت الدراسة إلى أن غالبية البنية تحتاج إلى إصلاح فعلي، فالأبنية متآكلة بفعل مرور الزمن، وبسب دمار الأحداث، وما تعرضت له من تصدّعات، وانخفاض مستوى الصيانة كمًّا ونوعاً، والمستوى العالي من الفقر.

وتورد الدراسة إحصائيات هامة ودقيقة، منها أن عدد البنايات فيها يبلغ ٧٦٥ بناية، ومعدل الدخل الشهري للعائلة ٥٣٧ دولاراً، وفيها ٢٤٧٢ محل استثمار وعمل.

وتقول الدراسة إن الوضع الصحي للمنطقة يتوزع بين ١٤ في المئة في وضع مرضي خطير، و٦٣،٣ في المئة بحاجة إلى دواء، و٢٦،٩ بحاجة إلى علاج فيزيائي، و٢٢ في المئة مرضى قلب، و٢٢ في المئة مرضى حساسية ونقص مناعي.

عن الأوضاع التربوية، تذكر أن ٨٤،٤ في المئة من الأطفال التحقوا بالمدرسة الابتدائية، و٢٠،٢ في المئة بالمرحلة الثانوية، و٦،٥ في المئة من الأطفال لم يدخلوا المدرسة ولا مرة.

المباني تخصص للسكن بنسبة ٧٤ في المئة، بني ٤٧ في المئة منها بين أعوام ١٩٤٤ و١٩٧٥، و٥١ في المئة بحاجة إلى تصليح نوعي هام. ومن هذه البيوت، ٦٥ في المئة منها بالإيجار.

عدد الأولاد يبلغ ٨٣،٢ في المئة، ٣١،٨ في المئة لبنانيون، و٤٤،١ غير لبنانيين. يعمل ٩،٣ في المئة من الأطفال في حرف وأعمال اقتصادية مختلفة، ١٣،٨ في المئة ذكور، و٢،٢ إناث، أما بالنسبة للزواج، فهناك ١١ في المئة من البنات يتزوجن بين أعمار ١٥ و١٨ سنة. ٩،٥ في المئة لبنانيون، و٢٢ في المئة غير لبنانيين، ويظهر ذلك مدى تأثير النزوح على الحياة العامة.

٢٦ في المئة من الأبنية موصولة بشبكة مياه الشفة، و١١ في المئة غير موصولة بشبكة الصرف الصحي، و٥٣ في المئة من الشوارع محفرة، و١١ في المئة من البنايات موصولة بشبكة الكهرباء.

العاملون في المنطقة يناهزون ١٢٧٥٠ شخصاً تتراوح أعمارهم بين ١٥و٦٣ سنة، والبطالة تبلغ ٥٨،٨ في المئة من اللبنانيين، و٦٢،٨ من غير اللبنانيين. ونسبة الفقر ١٤،١ في المئة.

التبانة أحياء كثيرة، والكثير من أحيائها يسبق اسمه لقب "بعل" أي منطقة غير مروية، عكس السقي، لذلك كان في التبانة بعل الدراويش، وبعل السراقبة، وبعل الدقور، وبعل محسن، منطقة سكن وعمل، ولم تكن منطقة زراعية، حيث تقابلها على المقلب الغربي من الاوتوستراد الدولي منطقة السقي الغربي امتداداً حتى البحر.

على المستوى السياسي، شهدت المنطقة تحركات سياسية موالية للحركة العروبية بقيادة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وتنامت فيها الحركات الحزبية اليسارية الرافضة للدولة تحت شعارات متعددة، أهمها الفقر والإهمال الذي بدأت المنطقة تعيشه أواسط القرن الماضي، فكانت تلك التحركات تمهيداً لما سيحدث لاحقاً في الثمانينيات.

خرجت التبانة عن سلطة الدولة، ودعمت المقاومة الفلسطينية عند انطلاقها، ومع تفاقم الأمور اللبنانية، طال التبانة ما طال بقية المناطق حتى إذا جاءت الحرب الداخلية مع شقها الآخر جبل محسن، ازدادت فقراً وتهميشاً وتدميراً.

الأوضاع الاجتماعية المزرية باتت منتشرة في التبانة، تحدث عنها محمد العجم، من سكان المنطقة، مخضرم، وعايش غالبية تطوراتها منذ الستينيات، وأوائل السبعينيات، وصف وضعها بقوله لـ"النهار":

"الفقر والبطالة في باب التبانة لا حدود لهما، ولا يمكن وصفهما. هناك إهمال اجتماعي وصحي، ومن كل الجوانب، والمنطقة تحتاج إلى اهتمام كبير لكي تعود إلى حياة كريمة ومريحة. وفي حينا، أي حي العجم، نسبة الفقر بلغت ٩٠ في المئة حسب دراسات بعض المؤسسات. والبيوت، وأوضاعها، والعائلات، وحالاتها، ظاهرة بوضوح كم أنها حالات غير متكررة في أي مكان آخر".

وقد أفاد العجم أنه "حضرت عدة جمعيات، ومؤسسات إلى المنطقة، واستطعنا الحصول منها على مساعدات لتحسين حالة الأبنية، والبيوت، منها الإغاثة التابعة للدولة، وجمعية هولندية عن طريق أحد أعضاء المجلس البلدي، وتم طلاء الجدران، وركبنا شبابيك المنيوم للبيوت، وبعض التصليحات فيها، لكن البيوت لا تزال تحتاج إلى الكثير الذي لا يمكن تعداده"، ذاكراً أن "المساعدات توقفت مؤخراً، واقتصرت على مبادرات فردية محصورة".

وفي حي العجم الذي يناهز طوله المائة متر، هناك ٧١ منزلاً، وكنموذج من منازله بيت فاطمة العابد، أرملة وحيدة، تعيش من ابنتين واحدة فاقدة للسمع، وواحدة مصابة بما يشبه الصرع، منزلهن بحالة صعبة، وفيه غرفة واحدة، وحمام مهترئ، ومطبخ بسيط.

تتحدث فاطمة (ثمانينية) عن حالتها وهي تبكي، وتقول إن "لا معيل لنا، ونعيش على عطاءات صنّاع الخير، وإذا لم يتيسر من يعطينا، نبقى بلا أكل. لكن صناّع الخير لا ينقطعون".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم