الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

‎نساهم في تحسين ظروف حياة السجناء في ملاوي

ابراهيم اللحام- "أطباء بلا حدود"
‎نساهم في تحسين ظروف حياة السجناء في ملاوي
‎نساهم في تحسين ظروف حياة السجناء في ملاوي
A+ A-

‎ملاوي كانت وجهتي، حيث تعمل المنظمة في اثنين من السجون المركزية في البلد. لم أسمع سابقاً عن هذا البلد، شرعتُ في البحث عنه أكثر عبر "غوغل"، اطلعت على تاريخه، ومناخه، وعدد سكانه، وشاهدت صور الطبيعة الخلابة، وأدركتُ أنَّ شعبه مسالم ومهذب. بحثت عن نوعية الطعام، وطبيعة الأمراض، فوجدتُ أنَّ المرض الوحيد المخيف هو الملاريا، ولكن لا داعي للقلق مع أطباء بلا حدود، إذ نتناول أدوية وقائية بشكل يومي. كما أنَّ الملاريا لا تظهر أو تنتشر في الطقس البارد.

‎لم أتردد في قراري، بل جاء رفض سفري من قبل أصدقائي وأهلي، خصوصاً أني كنت أشغل وظيفة مرموقة في لبنان، ولكن إجابتي كانت أنَّ الانضمام إلى أطباء بلا حدود والسفر في بعثة خارج البلاد هو شغفي.  

‎بات السجناء مصدر الحماية لا الخوف بالنسبة إليّ

‎كنت أتوقع أن يكون الوضع في البلاد أكثر تعقيداً، ولكن ما إن وصلت حتى أدركت أنَّه مستتب. 12 ساعة من السفر توزعت بين 5 ساعات من بيروت إلى أديس أبابا، تلتها 4 ساعات إلى ملاوي. حطَّت الطائرة في مطار العاصمة، أفرغت حمولتها من الركاب، ثمَّ انتظرنا داخلها للانتقال إلى المنطقة التي تتواجد فيها أطباء بلا حدود.

‎تعمل المنظمة في سجن مولا في العاصمة ليلونغوي وهو الأكبر في البلاد إذ يضمُّ 2650 سجيناً يقضون عقوبات قصيرة. وتعمل كذلك في سجن شيشيري، في مدينة بلانتير الجنوبية، الذي يضم 2000 سجين. 5 ساعات في السيارة أو نصف ساعة في الطائرة هي المسافة التي كان يتطلبها انتقالي بين السجنين.

‎في سجني شيشيري ومولا، تقدّم المنظمة حزمة من الفحوصات والرعاية الصحية الأساسية لمعالجة فيروس نقص المناعة البشرية والسل، بالإضافة إلى خدمات المياه والصرف الصحي للمساجين. وتم القبول بهذا النموذج واعتباره مثالاً على أفضل الممارسات. لذلك، تدعو منظمة أطباء بلا حدود إلى اعتماده على امتداد البلاد، كما إلى إيجاد حلول للاكتظاظ الهائل وسوء التغذية داخل السجون.

‎واضحٌ جداً شعور المساجين باليأس، وهم يصطفون في انتظار الوجبة الوحيدة في اليوم، وهي طبق من وجبة الذرة، وفي بعض الأحيان الفاصوليا أو الخضار. يكاد يكون البروتين غائبًا كليًا عن نظامهم الغذائي.

‎يوميات العمل في السجن

‎تتكون الفرق الطبية لمنظمة أطباء بلا حدود من أربعة موظفين في كل سجن. وتهدف استجابتها إلى تلبية الاحتياجات التي لم تتم تلبيتها لمجموعة مهملة من الناس. بدأنا العمل على تحسين حالة المياه والصرف الصحي في السجون، وهي مشكلة حرجة في ملاوي.

‎لا تتوافر المياه في السجن، خصوصاً وأنَّ خدمات المياه والصرف الصحي مقطوعة، لذلك قررت المنظمة مدَّ يد العون واتفقت مع السطات المعنية على العمل داخل السجن عبر تأهيل الحمامات وتمديد أنابيب مياه إلى الداخل.

‎ويقتضي التعاون على توفير المنظمة المواد الأولية والتدريب اللازم حول كيفية العمل على أن توفر إدارة السجن اليد العاملة. كان دوري يرتكز على تدريب المساجين المختارين لمساعدة المنظمة في مهمتها للعمل على إعادة تأهيل السجن، بدلاً من جلب عمال من خارج السجن. في وقتٍ لا يمتلك هؤلاء الخبرة العملية في هذا المجال، هم سجناء من خلفيات مختلفة تختارهم إدارة السجن بحسب سنوات محكوميتهم، خصوصاً ممَن بات إخلاء سبيلهم قريباً وسلوكهم جيد، وقدرتهم على التعلم سريعة.

‎ارتكز العمل على بناء 5 كتل صحية كاملة، تضمُّ 60 مرحاضاً، 60 دشاً للاستحمام، 4 أقسام للغسيل، و60 بالوعة، على أن يستخدم المرفق الواحد 50 نزيلاً (بحسب توصية اللجنة الدولية للصليب الأحمر). إلى جانب ذلك، تمت إعادة تأهيل، أقسام شبكة الصرف الصحي المخصصة لحمامات الإناث حيث جرى تمديد أكثر من 850 م من الأنابيب في جميع مراحيض أقسام المدانين والمحتجزين. تم تحسين نوعية الهواء في الأقسام لمحاربة انتشار العدوى، بما في ذلك السل، وانخفاض درجة الحرارة والحد من الروائح الكريهة.

‎ساعات العمل تمتدُّ من الثامنة صباحاً حتى الساعة الـ3 من بعد الظهر، كنتُ أجلب معي للمساجين أطعمة كدعمٍ من قبل المنظمة، وهذه الخطوة رغم بساطتها كانت تضفي الابتسامة إلى وجوههم. وهذا ما ولَّد صداقات في ما بيننا.

‎وبمرور الوقت، بات السجناء مصدر حماية بالنسبة إليّ. هم يحبون أطباء بلا حدود بشكل كبير وشهادات المساجين وحراس السجن تؤكد أنَّ المنظمة ساهمت في تغيير حياتهم 180 درجة... وكذلك حياتي، ولكنْ رغم ذلك لم تستنزف هذه التجربة طاقاتي كافة، لذا أرغب بالالتحاق ببعثة جديدة في أقرب فرصة.


سيرة: 

‎بعد عمله في منظمة دولية لمدَّة عامين، قرر ابراهيم اللحام الانتقال إلى منظمة "أطباء بلا حدود" والانضمام إلى فرقها العاملة في أكثر من 70 بلداً من حول العالم.

‎يبلغ ابراهيم 27 عاماً، درس الهندسة الميكانيكية في جامعة رفيق الحريري، وانضمَّ للعمل كمسؤول لوجستي في دولة ملاوي مع منظمة أطباء بلا حدود. يخبر ابراهيم أنَّ والده كان يعمل في منظمة دولية، "كانت مكتبة المنزل ممتلئة بمئات الكتب عن المنظمات المحلية والدولية كافة، منها أطباء بلا حدود. يومها، كان مفهومي مختلفاً، إذ أينما توجد مأساة أو كارثة إنسانية تجد أطباء بلا حدود! بمرور الوقت بدأت أتأكد من خياراتي، وقررتُ الانضمام إلى المنظمة وهي فرصة رائعة كنت أنتظرها".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم