الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الجمهورية اللبنانية اليتيمة

المصدر: "النهار"
عقل العويط
عقل العويط
A+ A-

الحكومة يتأخر تأليفها (أو ربما لا، ولن تتألف) لأن الذين يظنّون أن في إمكانهم الاستيلاء على لبنان، ووضع يدهم عليه، والاستفراد به، والتحكم بقراراته، وتحقيق صيغة غالب ومغلوب، لن يستطيعوا أن يحققوا مراميهم هذه.

لن يستطيعوا، وإن استطاعوا.

***

أسوأ ما في الحياة هو الشعور باليتم، وخصوصاً لدى الصغار، وأيضاً لدى أهل الهشاشة مطلقاً.

أعرف يتامى كُثُراً، أنا واحدٌ منهم.

لكن أكثر ما يؤلمني، أن أسمّي لبنان اليوم، بلداً يتيماً.

لبنان هذا، هو بلا أهل، بلا أصحاب، بلا رجال كرم ونخوة ونجدة، بلا عرّة، بلا حوصة، وبلا أقارب.

إنه لبنان الجمهوريّ، وقد بات متروكاً لثعالب الدهر، تنهش كيانه، وتمعس عنفوانه، وتمرّغ معناه.

لمن المؤلم، بل لمن المفجع حقاً، أن يكون لبنان جمهورية يتيمة، وأن يكون ينتمي إلى الكائنات الهشّة في العالم.

بناءً على هذا الوصف، أريدكم أن تتأكدوا – لا أن تفترضوا معي فحسب - أن لبنان هذا، يعاني اليتم، ليس لأن عائلة الجمهورية اللبنانية قد انقضت إلى غير رجوع فحسب، بل لأن ورثة هذه العائلة – عائلة الجمهورية – لم يتردّدوا في التخلي عنه، بدون أيّ شعورٍ بالأمومة والأبوّة، أو حتى بالأخوّة.

وهؤلاء، إذ يتخلّون عنه، فإنهم لا يكتفون بممارسة التخلّي، بل يمزّقون قميصه، ويعرّونه تعريةً لا كرامة فيها، ويطعنونه بالسكاكين، ويتناتشونه، وكلٌّ يريد "حصته" فيه.

حتى ليبدو هذا اللبنان، أمام نفسه، وأمام الناظرين، أشبه بشركة مساهمة، أو بخزينة، أو بمصرف، أو بشركة كهرباء، أو بوزارة سيادية، أو بوزارة مدهنة، أو بوزارة خدمات، أو ببئر بترول وغاز. وهلمّ.

الجميع يتخلّى عن لبنان. عن الجمهورية. عن الدستور. والقانون. والاستقلال. والسيادة. والحرية. والديموقراطية. من أجل الاستيلاء على السلطة.

الجميع يريدون لبنان لأنفسهم، لا لذاته، ولا لمعناه، ولا لسيادته.

علماً أن لبنان هذا، اليوم، لا أمهات له، ولا آباء، ولا أخوان، ولا أقارب، ولا أبناء عمومة وخؤولة، ولا سوى الأعداء – أكرّر الأعداء - من داخل ومن خارج. من شرق ومن غرب. ومن شمال ومن جنوب.

في غمرة هذا المشهد الأبوكاليبتي، لا أرى سوى الذئاب، وخصوصاً منهم ذوي الأنياب والأظفار. فماذا سيبقى من لبنان؟!

سأفترض أن الذئاب سيربحون. فماذا سيربحون؟

لن يربحوا سوى الأشلاء. لن يربحوا سوى العظام.

فليخسأ الذئاب. أياً كانوا، وأياً يكونوا.

لحم لبنان لن يؤكل. وإن توهّم الآكلون أنهم سيلتهمونه.

أياً كان الآكلون، أمما وأحلافاً من هنا أو من هناك، إيرانيين وسوريين وعثمانيين وخليجيين وسعوديين وبتروليين وأميركيين وروساً وإسرائيليين. وهلمّ. ولا استثناء.

يمكنهم أن يمنعوا تأليف حكومة. يمكنهم أن يواصلوا الابتزاز. يمكنهم أن يضاعفوا الجرعة الابتزازية والمطالبة بوزير إضافي من هنا وهناك. ويمكنهم أن يحصلوا على المزيد من التنازلات. كما يمكنهم أن يوصلوا الجميع، وأنفسهم، ولبنان، إلى المهوار.

لكنهم لن يربحوا. لا أحد يربح في لبنان. ولا أحد يربح لبنان إلاّ لبنان.

هذا اليتيم التائه، لن يظلّ يتيماً وتائهاً.

فهو يصنع، ودائماً، من ذاته، أمّاً وأباً. ومن ذاته، يصنع برّ أمان.

لكنه لن يصطنع لنفسه آباءً وأمهاتٍ من هؤلاء الذئاب.

خسئ الذئاب، وخسروا.

وإن استبدّوا، وابتزّوا، وربحوا.

حصرمٌ هو لبنان في أعين الجميع.

فلن يستطيع أحدٌ أن يستولي على هذا اللبنان، لا بالسلاح، لا بالقوة، لا بالترهيب، لا بالقهر، لا بالاستعلاء، لا بالمكر، لا بالخداع، لا بالمال، لا بالعصبية، لا بالعنصرية، لا بالتسعير المذهبي والطائفي، ولا بأيّ شيء.

خذوا الحكومات والوزارات والرئاسات كلّها. ذلك كلّه ممكنٌ في غياب الرجال والبطولات الرجال.

كل شيء ممكنٌ الاستيلاء عليه في لبنان... إلاّ لبنان.

إلاّ لبنان... وإن يكن يتيماً!

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم