الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الاتفاق الغربي على خفض القوات نحو أوروبا حرة وواحدة

المصدر: "النهار"
Bookmark
الاتفاق الغربي على خفض القوات نحو أوروبا حرة وواحدة
الاتفاق الغربي على خفض القوات نحو أوروبا حرة وواحدة
A+ A-
عدت الى واشنطن باحساس افضل حيال الطريقة التي كان غورباتشيوف يؤثر بها في سياستنا الاوروبية. وكان الحوار حول صواريخ (SNF) في حقيقته معضلة نفسية. فالتحديث يكفل فعلا برهنة ما يتمتع به الحلف من اصرار وتصميم. ولكنه كان في الوقت نفسه قادرا على ان يصبح رمزا نوويا يدل على ان الكرملين يستطيع استخدام الجمهور في اوروبا الغربية ضد حكومات بلاده. وهكذا تتمكن موسكو من احداث انقسام في التحالف، ليس عبر تحريض كول ضد تاتشر بل بخلق توتر سياسي داخل المانيا، يحول دون الائتلاف الحكومي الذي يترأسه كول، ودون الحفاظ على الوحدة مع حلف شمال الاطلسي. ويكمن مفتاح حل هذه المعضلة النووية في الحد من انتشار السلاح التقليدي، فمن الناحية العسكرية كنا نريد ان يعوض التحديث النووي استمرار اختلال التوازن في مجال القوات التقليدية. ورغم شمولية الاقتراح الذي تقدم به غورباتشيوف في الامم المتحدة واتساع مداه، يظل السوفيات (وفق الاقتراح) محتفظين بتفوقهم من حيث القوات والمدرعات والمدفعية وحاملات الجنود المصفحة، حتى بعد ان يقوموا بخفوض من جانب واحد. فاذا تمكنا من القضاء على حال انعدام التوازي بين الطرفين في مجال الاسلحة التقليدية يصبح في استطاعتنا ارجاء الحاجة الى تحديث صواريخ "لانس". وثمة رسالة بسيطة ينطوي عليها كل ما سمعته وتقول ان حلف شمال الاطلسي عاجز عن تحمل ازمة اخرى حول نشر الاسلحة النووية. من المحتمل ان الحلف كان قادرا على تحمل مثل هذه الازمة في عام 1983 عندما كان اندروبوف مدير المخابرات السوفياتية "كي جي بي" يدير الكرملين. غير ان هذا لم يعد ممكنا في عهد ميخائيل غورباتشيوف. وهكذا احسست ان احراز تقدم في مجال نزع الاسلحة التقليدية كان شرطا لحل مشكلة الصواريخ النووية القريبة المدى. (رغم ان هذا هو الوضع الذي كنت اشعر باننا نتجه نحوه، لم اتوقف عن ممارسة الضغوط على الالمان والتحالف من اجل التحديث). ولاحظت ايضا ان اجراء خفوض على مستوى الاسلحة التقليدية سيسفر عن نتيجتين مفيدتين. الاولى في اوروبا الشرقية، حيث سيكون لمشهد انسحاب القوات السوفياتية منها، اثره الايجابي على حركة التحول السياسي نحو الليبرالية هناك. فكل جندي من الجيش الاحمر يعاد نشره داخل الاتحاد السوفياتي، لا بد ان يساعد في التخلص من اعباء تحملها جيل كامل من الاوروبيين الشرقيين، وهي اعباء كانت تحول دون انتصار الديموقراطية والحرية. اما النتيجة الثانية فهي تتعلق بالغرب. ففي العديد من البلدان الغربية وبخاصة المانيا، بدأ التذمر الذي يكاد يكون لا شعوريا، والذي كان موجها ضد ما كان يعتبر وجودا عسكريا اميركيا طاغيا. ولا بد ان خفض عدد القوات الاميركية سيساعد في كبح جماح هذه العواطف. كل ذلك كان سيؤثر بدوره تأثيرا ملحوظا في تحقيق نزع في سلاح السياسة السوفياتية الخارجية في اوروبا. كما انه سيؤثر ايجابا في التطورات الداخلية في الاتحاد السوفياتي. واما نظام التحقق والمراقبة الذي كنا نخطط له من اجل التوصل الى احداث خفوض في عدد القوات التقليدية فلا بد ان يؤدي الى التمهيد للانفتاح داخل المجتمع السوفياتي نفسه. بل ان هذه الخفوض سيكون من الصعب انتهاج سياسة معاكسة حيالها، وستؤدي بالتالي الى جعل التغيير مؤسسيا اي انه سيتحقق ضمن مؤسسات، فضلا عن ان الدور العسكري في سياسات الكرملين سيتلاشى مع اعادة التوازن في اوروبا. عززت رحلتي الاوروبية الاقتناعات الفكرية التي كنت احملها، وترجمتها عمليا... وهي ان الطريق الى النجاح مع الكرملين لا يبدأ في موسكو بل في عواصم اوروبا الغربية وكندا. والحقيقة انني قلت هذا كله في خطاب القيته امام الجمعية الاميركية للصحافيين الاميركيين، في 14 نيسان، اذ اوضحت ان "نجاح سياستنا حول علاقة الشرق بالغرب يعتمد في النهاية على سياستنا حول علاقة الغرب بالغرب، اي على قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على العمل معا". ان ضرورة بناء الائتلاف وادارة التحالفات هي جوهر كل فاعلية سياسية تقريبا. واعتقد ان اول اكتشاف قمت به، لهذه الحقيقة بالذات، تحقق خلال اعدادي لاطروحتي الرئيسية في جامعة برنستون. اذ ان دراستي للصراع داخل حزب العمال البريطاني بين انورين بيفان وارنست بيفن، بعد الحرب العالمية الثانية، اوضحت بجلاء الصعوبات التي تنطوي عليها محاولة الحفاظ على وحدة اي ائتلاف سياسي. وما حصلت عليه من معرفة اكاديمية حول الاحلاف والائتلاف خلال مرحلة الدراسة، لم يلبث ان استكمل في ما بعد، خلال عملي في النشاط الانتخابي، وكذلك خلال عملي في البيت الابيض ووزارة الخزانة. ان النجاح في مجال الخدمة العامة، في مجتمعنا التعددي، يتطلب قبل كل شيء عملية بناء للائتلاف. وقد عملت خلال ادارتي الرئيس ريغان من قرب مع زعماء كثيرين في الكونغرس، امثال هوارد بيكر وبوب دول والان سمبسون وبوب باكوود وبوب ميتشيل وترنت لوت ونيوت جنجريتش وبيل برادلي وديفيد اوبي وبات موينهان ودان اوستنكوسكي ولويد بنتسن وجورج ميتشيل وكريس دود وسام نن وروبرت بيرد وتوم فولي وجيم...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم